صفحات العالم

فشل الوساطة السورية نسف للقانون الدولي الإنساني/ رومي نصر

 

ثمة بالطبع أبعاد خطرة عدة لاستقالة المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، تبدأ من استمرار تدهور وتخثر الوطن السوري وتنتهي بمضاعفات عميقة على منطقة الشرق الأوسط برمتها.

بيد أن البعد الأهم، أو ربما الحضاري، إذا جاز الوصف لهذه الإستقالة، هو الضربة القوية التي تلقاها القانون الدولي الإنساني بعد أن خرقت الحرب السورية، ولا تزال، القوانين والأعراف والمواثيق الدولية. لماذا؟ وما هو القانون الدولي الإنساني؟

إنّ استقالة الابراهيمي ليست فقط فشلاً لوساطة سياسية بين الأطراف، انما إضعاف للقــانون الدولي الانساني أكثر فأكثر في ساحة حرب خرقت كلّ القوانين والأعراف الدوليّة.

يسري القانون الدولي الانساني في حالات النزاع المسلّح. وهو لا يحدّد ما اذا كان يحقّ لدولة ما اللّجوء الى القوة أم لا، فهذه المسألة ينظّمها القانون الدولي.

ترتكز أحكام القانون الدولي الإنساني على معاهدات عدّة، لا سيما اتفاقات جنيف للعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية. وتغطي هذه المعاهدات جوانب معينة من قانون النزاع المسلح. وثمة مجموعة كبيرة من القواعد الملزمة لجميع الدول والأطراف المشاركة في النزاعات. ويتطرّق القانون الدولي الإنساني الى مجالين رئيسيين هما حماية الأشخاص الذين لا يشاركون، أو كفّوا عن المشاركة، في القتال، والقيود التي تنظم استعمال وسائل الحرب وأساليبها كالأسلحة والاستراتيجيات التكتيكية.

فالقانون الدولي يحمي اولئك الذين لا يشاركون في القتال كالمدنييّن وأفراد الخدمات الطبيّة والدينيّة. كما يحمي الأشخاص الذين كفّوا عن المشاركة في القتال كالمقاتلين الجرحى والمرضى والأسرى.

تتعلق اتفاقات جنيف الأربعة للعام 1949 بتوفير الحماية والرعاية لجرحى ومرضى القوات المسلحة في ميدان المعركة، وفي طريقة معاملة أسرى الحرب كما في حماية المدنيين في اوقات الحرب. وأُلحقت باتفاقيت جنيف بروتوكولات إضافية منذ 1949، ومنها ما ينصّ على حماية ضحايا النزاعات المسلّحة الدولية وغير الدولية.

ويتضمن القانون الدولي الإنساني أيضاً سلسلة من المعاهدات من بينها اتفاقية 1954 بشأن حماية الملكية الثقافية خلال النزاعات المسلحة، واتفاقية 1972 في شأن الأسلحة البيولوجية، واتفاقية 1980 في شأن الأسلحة التقليدية، واتفاقية 1993 في شأن الأسلحة الكيماوية، واتفاقية أوتاوا لعام 1997 في شأن الألغام المضادة للأفراد، والبروتوكول الاختياري في 2000 المتّصل بالاتفاقيّة الخاصة بحقوق الطفل في شأن مشاركة الاطفال في النزاعات المسلّحة.

اي من هذه المعاهدات والإتفاقيات لم يحترم خلال هذه السنوات الثلاث الدامية على الساحة السورية. لقد كان المجتمع الدولي الشاهد الأوّل على انتهاكات حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني من قتل مدنييّن، وذلك بطرق تتخطّى الوحشيّة، واستخدام اسلحة محظورة وأبرزها البراميل المتفجّرة والاسلحة الكيماويّة التي لم يكفّ النظام عن استخدامها وخطف رجال دين وتدمير الوجه الثقافي للبلاد والهجوم على المستشفيات ومواقع تواجد منظمات الاغاثة الدوليّة (الصليب الاحمر الدولي- اطبّاء بلا حدود…). امّا ردود الفعل على ما يحصل في سورية فلم يكن الا شكليّاً.

فالقرارات الداعية إلى وقف الكارثة كانت كثيرة، الا انّ النيّة والارادة الدوليّة للوصول الى هذا الحل معدومتان. فعلى رغم قتل أكثر من 150 ألف شخص وفرار حوالى 2.5 مليون شخص الى الخارج ونزوح تسعة ملايين داخل سورية، لم يتمكّن الأخضر الابراهيمي من اقناع المجتمع الدولي بالتوحد لإنهاء العنف واجراء انتقال سياسي سلمي.

أزمة انسانيّة من هذا النّوع تستدعي تحرّكاً دولياً شاملاً وقيام مجلس الأمن بتشكيل قوات لحفظ السلام بموجب الفصل السابع، كالتي أنشئت في جمهورية الكونغو الديموقراطية وجنوب الــسودان وساحل العاج. كما تســـتدعي إحالة الملفّ إلى المحكمة الجــنائية الدولــية واتّخاذ تدابير على المستوى الدولي على مثال المحكمتين اللتين انشئتا للمعاقبة على الأعمال المرتكبة في النزاعات في يوغوسلافيا السابقة ورواندا.

إن السعي لتوفير احترام حقوق الإنسان نتيجة الاعمال الوحشية والابادة الجماعية في الحرب العالمية الثانية كان أحد أهم الأسباب التي قامت من أجلها الأمم المتحدة لمنع ارتكاب مآسٍ كهذه في المستقبل. لكنّ الأزمات العالميّة التي حصلت بعد الحرب العالميّة الثانية، وآخرها وأفظعها، الأزمة السوريّة، غيّرت مفاهيم عدّة على صعيد فهم العلاقات الدوليّة ونظريّاتها.

فبعدما كانت الأمم المتحدة ومجلس الامن العين الساهرة على السلم العالمي والأمن والتعاون الاقتصادي والاجتماعي الدولي بالتعاون مع المجتمع الدولي، أضحت اليوم أداة مسيّرة من الدول الكبرى وأصبح سبب بقائها بالياً. ولم تعد المنظمات الدوليّة والمعاهدات والبروتوكولات والوساطات الا شكليّة ونظريّة في ظلّ غياب النيّة الحقيقيّة للتوجّه الى التطبيق.

الــنظام الــدولي برمته بات في قفص الإتهام بسبب التقاعس عن وقف المأساة السورية. فنظام دولي من دون قانون دولي إنساني محترم هو اللانظام بعينه والفوضى بعينها.

* مسؤولة العلاقات الخارجيّة والندوات في مركز كارنيغي للشّرق الأوسط

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى