فشل محادثات “جنيف 3” الأسباب والنتائج –مقالات لكتاب سوريين-
سلام عصيّ واستسلام أبعد منالاً/عمر قدور
تعليق مفاوضات جنيف، التي لم تبدأ، حدث لم يفاجئ أحداً إطلاقاً. حتى رعاة المؤتمر، الذين ضغطوا على المعارضة لحضوره، لم يُظهروا اكتراثاً جدياً بانطلاق المفاوضات، ما يغري بالظن أن التجميد واستهلاك الوقت جزء محسوب سلفاً من العملية. اشتداد العدوان الروسي على المعارضة والمدنيين يظهر هو الآخر بوصفه جزءاً من عملية جنيف، ولا يكفي لتبريره القول إن الأنشطة العسكرية ترافق المفاوضات لتعزيز الموقع التفاوضي، فوزير الخارجية الروسي أعلن على الملأ فصل عمليات قواته عن المفاوضات وعدم خضوعها للتفاوض، بل استمرارها حتى القضاء على الإرهابيين، وفق تعريف موسكو.
كما بات معلوماً، لقد بُدئت عملية جنيف بسقف متدّنٍ من التفاهم الأميركي – الروسي، الذي ينص على الإبقاء على النظام كما هو، مع الإبقاء على رؤوسه المتورطة بجرائم كبرى وصفها غير تقرير حقوقي دولي بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. التذكير بالاعتبارات الأخلاقية صار نافلاً، من وجهة نظر «المجتمع الدولي» وأيضاً من وجهة نظر من يرون التسوية الأميركية – الروسية أمراً واقعاً ضمن المخطط المرسوم، لذا سيكون من الأفضل عدم التطرق إليها بصفتها الأخلاقية العامة، لكن إهمال فعاليتها السياسية الداخلية، على فرض نجاح مخطط جنيف الحالي، سيكون خطأ أيضاً لأن المظلومية ناشئة حقاً، وستبدأ آثارها المديدة بالظهور مع إعادة فرض سيطرة النظام على البلاد.
ما يعيه السوريون أكثر من غيرهم، أن النظام تموضع طيلة حكمه كقوة حرب، وأنه منذ بدء الثورة تموضع كقوة بطش وإبادة وتطهير عرقي. التسوية كانت ممكنة قبل ارتكاب جرائم الإبادة على نطاق واسع، طبيعة النظام هي ما منع التسوية حينها، وهي ما سيمنع أية تسوية مستدامة تبقي عليه. هذه ليست افتراضات نظرية، على الأرض من قاد عملية إبرام هُدن موضعية صغيرة مع فصائل المعارضة هم المفاوضون الإيرانيون، وفي عديد المرات تولى ضباط النظام إفشال الهدن. الأهم، أن كافة الهدن المبرمة لم يلتزم النظام بمندرجاتها، وفي ما بعد استمر مع الحليف الإيراني بسياسة الحصار وتجويع المدنيين في تلك المناطق.
الشروط التي طرحها النظام في أكثر من عملية تفاوض لم تكن تنص على الاستسلام غير المشروط، كان النظام يضع شروطاً حتى على الاستسلام، والشرط الأكثر إذلالاً أن يوافق مقاتلو المعارضة على الانخراط في قوات النظام وقتال أهلهم إلى جانبه.
التطهير العرقي هو الاحتمال الآخر الذي طرحه المفاوض الإيراني، فإما أن يصبح السكان موالين تماماً ويقاتلوا إلى جانب النظام، أو يرحلوا عن بيوتهم وأراضيهم. المساكنة بين النظام ومن لا يوالونه مستحيلة بموجب ما يطرحه هو وحلفاؤه.
هذا النهج ليس وليد حالة الحرب، إنها بنية النظام التي لا تقبل بمستوى مهما بلغ تدنيه من المعارضة والرأي الآخر، وهي بنية ستبقى فاعلة ما بقي النظام. الثورة اندلعت بسبب هذه البنية تحديداً، ومن دون بخس السوريين اعتبارهم يجوز القول إنهم دُفعوا إلى خيار المواجهة بعد انعدام الخيارات الأخرى، بما فيها تلك غير اللائقة إنسانياً. الأمر لا يتعلق قطعاً بنخبة معارضة تستطيع رفع راية الاستسلام، ولا بوفد تفاوضي مهما كان أداؤه، ما يدركه السوريون الذين قطعوا مع النظام هو استحالة العودة ضمن تسوية تضمن لهم الحد الأدنى، تسوية تجنبهم الانتقام القادم بعدها لأن النظام لن يضمن بقاءه مرة أخرى إلا بوصفه قوة حرب.
على رغم التشابهات المريرة، أخطأ سوريون أولاً بتشبيه القضية السورية بنظيرتها الفلسطينية، هذا التشبيه قد يصح فقط من زاوية التعاطي الدولي مع القضيتين، لكن أهم ما يغفله طبيعة العدو في الحالتين. لندع جانباً المخيال العامي الذي شيطن إسرائيل بالمطلق، إسرائيل تصبح عدواً مشتهى بالمقارنة مع النظام، والأمر لا يتوقف عند تواضع جرائمها مقارنة به، هو يتعلق أساساً بالفارق بين كل منهما. ديموقراطية إسرائيل، مهما كانت داخلية ومقتصرة على العنصر اليهودي، تردع النظام الإسرائيلي وتحكمه ببنية حقوقية عامة. لقد اضطرت حكومات إسرائيلية إلى سنّ قوانين تمييزية خاصة في حربها على الفلسطينيين، وهذا اختلاف جذري عن نظام الأسد الخارج عن القانون تماماً، والذي يخوض منذ عقود حرب وجود بلا ضوابط على السوريين.
كي نفهم عملية جنيف على نحو أمثل، فإنها إعادة تأهيل النظام فقط ليصبح قادراً على قبول استسلام معارضيه بإخراج لائق. هذه الخلاصة لا تعني شيئاً من قبل النظام، وهي منافية لبنيته أساساً، الإخراج المذكور لازم للمجتمع الدولي بالمعنى الأخلاقي الشكلي فقط، أما من الجانب السياسي فالقوى الفاعلة دولياً أنجزت اصطفافها لمصلحة الإبقاء على بشار الأسد. خفة القوى الدولية لا تتعين في محاولة فرض تسوية لن تقبل بها المعارضة، حسبما يُشاع، وإنما تتعين أولاً في المراهنة على تغير لن يخاطر به النظام، أو بالأحرى ليس قادراً على مثل هذه المخاطرة.
دائماً كانت «مرونة» النظام الخارجية على حساب تصلبه المطلق في الداخل، وكان يفضّل الحكم بتوكيل خارجي على الحصول على أدنى توكيل ديموقراطي داخلي، حتى إذا بدا متاحاً في بعض الفترات، وأن يبقى اليوم بموجب توكيل دولي جديد فذلك مما ناضل النظام لأجله طيلة السنوات الخمس الأخيرة. كل ما يُشاع عن عدم قدرة النظام على العودة إلى ما قبل آذار (مارس) 2011 لا يطابق ما يسعى إليه، فما يريده هو العودة إلى ما تلا المواجهة مع الإخوان عام 1980، وتحديداً إلى التغول الأمني الذي ساد بعد انتصاره آنذاك.
بجنيف أو من دونه، لن تتوقف الهجمة الوحشية الروسية، إلا في حال بدأت تخسر ميدانياً، وهذا احتمال مستبعد اليوم بسبب ما يشبه الاتفاق على قطع الإمدادات عن المعارضة. استسلام المعارضة أو عدمه لن يغير في المعطيات الميدانية أو الــدولية، ولا يعدو كونه حاجة أخلاقية للذين ادّعوا صداقتها يوماً. التفاوض الفعلي ربما هو بين المعارضة و «أصدقائها»، أما مع النظام فلن يكون هناك سلام أو استسلام متاحـــان. المعروض هو الهزيمة المطلقة وتهجير من لا يقبل بها خـــارج الحدود. لكن، إذا كان النصر النهائي متاحاً دائماً لمَ تستعــــجل التوقيــع عليه موسكو وإدارة أوباما في أشهرها الأخيرة؟
الحياة
قرآن الأسد وتوراة أوباما/ صبحي حديدي
لعلّ بشار الجعفري، مندوب النظام السوري وممثله في مباحثات جنيف الأخيرة، هو الاختزال الأصدق لهذه الجولة؛ قبل أن تبدأ، وبعد أن فشلت، سواء بسواء. لقد أعلن ـ ساحباً البساط من تحت أقدام الرعاة الثلاثة، واشنطن وموسكو والأمم المتحدة ـ أنّ «الفاتحة» في «القرآن تبعنا»، أي قرآن سيّده بشار الأسد، هي هذه: «لن يكون هناك تفاوض، نحن هنا لإجراء محادثات غير مباشرة على شكل حوار سوري ـ سوري، دون شروط مسبقة، ودون تدخل خارجي». ورغم أن «محادثات» من أيّ نوع لم تجرِ، في نهاية المطاف، ما خلا تلك التي عقدها المندوب الأممي ستافان دي ميستورا؛ فإنّ كامل الضجيج والعجيج الذي اكتنف ما سُمّي جنيف 3، انتهى إلى «الفاتحة» إياها.
وليس الأمر أنّ النظام الذي يمثّله الجعفري على قدر من البأس يمكّنه من سحب البساط هكذا، مخاطراً بانقلاب أقدام الرعاة عليه؛ بل الحال أبسط بكثير، وأشدّ وضوحاً من أن تخفي حقائقه تجاسر الجعفري على «الفاتحة» و»القرآن» و»صدق الله العظيم». ذلك لأنّ الأخير ـ بعد تسميته ممثلاً للنظام، ثمّ استبداله بوزير الخارجية وليد المعلّم، ثمّ إعادته ثانية إلى الواجهة ـ جاء محمّلاً بوصية واحدة من مولاه الأسد: هذا لعب في الوقت الضائع، فالعبْ ولاعبْ! ومن جانبه، لم تكن فراسة الأسد وعبقريته وحُسْن قراءته للمشهد السياسي، هي العناصر التي أتاحت له بلوغ هذه النتيجة، بل كانت موسكو قد باحت له بالسرّ، وأنّ التفاهمات الأمريكية ـ الروسية لا تريد من جنيف 3 هذا، أكثر من هذا: اللعب في الوقت الضائع.
ذلك لأنّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد باشر في حزم الحقائب التي سترافقه عند مغادرة البيت الأبيض، وهو لتوّه «بطة عرجاء» كما يقول التعبير الأمريكي الشهير في توصيف رئيس يختتم ولايته الثانية. وما دام قد صرف سبع سنوات تحت لواء عقيدته الشهيرة ـ التي قالت بإغلاق حروب أمريكا الخارجية، والامتناع عن فتح أية معركة في أية حرب جديدة ـ فإنه لن يخرق القاعدة الذهبية الآن، إذْ يودّع. وعلى نحو ملموس أكثر، إذا كان قد رأى المغنم كلّ المغنم في توريط خصمَين ستراتيجيين، إيران وروسيا، في حرب استنزاف مفتوحة على ساحة الصراع في سوريا؛ ورأى الحماقة كلّ الحماقة في كسر هذه المعادلة، ما دامت مخاطر المغانم الأمريكية المجانية قابلة لـ»احتواء» محسوب؛ فما الذي سيدفعه، اليوم، إلى مجافاة ما يلتزم به منذ انطلاق الانتفاضة السورية، في آذار (مارس) 2011؟
وفي مقابل هذه الـ»توراة» الأوبامية، لكي يتابع المرء غمزة الجعفري من القرآن؛ ثمة حاجة روسية ماسة إلى كسب الوقت، أو ملاقاة واشنطن عند نقطة اللعب في الوقت الضائع، لتحقيق سلسلة «انتصارات» عسكرية على الأرض، تنجزها الميليشيات الإيرانية بدعم من الطائرات الحربية الروسية، التي تمارس قصفاً كثيفاً شاملاً، وعشوائياً أعمى، في آن معاً. هذا مآل في وسع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن يتفاخر به على الملأ، كحصيلة روسية صرفة، دونما إشارة إلى أي دور يُنسب إلى ما تبقى من جيش النظام. وله، أيضاً، أن يلبّي رغبة زميله الأمريكي، جون كيري، في الضغط على، وتليين عريكة، معارضة سورية قررت ـ أخيراً! ـ الذهاب إلى محفل مفاوضات دولي، حاملة مطالب مشروعة لا تروق للرعاة الثلاثة معاً.
ولكنّ ما أخطأت، وتخطيء، فيه قاعدة أوباما ـ حول حدود الانفجار التي بلغها الملف السوري أصلاً، فكيف بـ»احتواء» مخاطره ـ تقتفي أثره أخطاء تكتيكات موسكو، التي غرقت بالفعل في المستنقع؛، وتبحث لتوها عن مخارج الأمر الذي يجعل تخرصات الجعفري تحصيل حاصل، ومحض أصداء جوفاء.
صبحي حديدي
القدس العربي
نقاط لا يمكن إغفالها في العمليّة السياسيّة الجارية/ أكرم البني
على رغم إعلان دي ميستورا وقف محادثات جنيف بين النظام السوري والمعارضة وتحديد موعد جديد لاستمرارها أواخر الشهر الجاري، وبغض النظر عن الأسباب المباشرة التي أفضت إلى هذه النتيجة، يمكن لحظ ثلاث نقاط مهمة.
النقطة الأولى، وضوح قوة التوافق بين روسيا وأميركا لإخماد بؤرة التوتر السورية، بدليل جدية التزامهما بتنفيذ القرار الأممي الرقم 2254 وتقديم تنازلات متبادلة يبدو بعضها مناقضاً لمواقفهما المعلنة، آخرها تفهم موسكو مشاركة موفدين من «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» وإن بصفة فردية! ثم شدة الضغوط التي يمارسانها لإجبار حلفائهما الإقليميين والسوريين على قبول مبدأ الحوار والتفاوض، ولتذليل مختلف العقبات أمام فرض خطة طريق للحل السياسي.
الأمر ليس مناورة أو مؤامرة أو لعباً بالوقت الضائع كما يعتقد البعض، بل تلبية لحاجات متبادلة تغذي هذا التوافق، منها إلحاح التحرر من عبء الصراع السوري الذي بات يثقل كاهل الجميع ومحاصرة مخاطره على استقرار المنطقة والحد من موجات النزوح والهجرة التي صارت تضغط بشدة على المجتمعات الغربية، ومنها المنفعة المشتركة في خلق وضع سياسي سوري يمكنهما من توجيه أقسى الضربات للتنظيمات الجهادية المتطرفة بخاصة تنظيم «داعش»، ومنها قطبة مخفية تعنى بتخديم ما يتطلبه الأمن الاستراتيجي لدولة إسرائيل التي باتت تتحسب جدياً من مخاطر تحول الجارة السورية إلى دولة فاشلة، عاجزة عن ضبط المجتمع ولجم انفلات الجماعات الجهادية المسلحة.
النقطة الثانية، حالة الضعف التي وصلت إليها أطراف الصراع الداخلية وقد أنهكتها سنوات من تمادي العنف وتعزز ارتهانها للأطراف الخارجية الداعمة، ولن يخدعنا هنا ما يثار عن اشتراطات وتحفظات من السلطة أو المعارضة تجاه الخطة الأممية، لأنهما تشاركان صاغرتين ولن تقويا على رفض ما أجمع عليه حلفاؤهما والمجتمع الدولي.
وإذ يتضح استمرار تعنت النظام ورفضه تقديم أية تنازلات جدية من دون اكتراث بالثمن الباهظ الذي يدفعه السوريون وحجم الكارثة التي حلت بالبلاد، لكنه اليوم لا يملك هامشاً للمناورة أمام ما يجده حلفاؤه حلاً سياسياً يخدم أهدافهم ومصالحهم، حتى وإن لم يُرضه أو ينسجم مع رغباته، ويبقى أن ما اعتادت فعله بعض مراكز النظام المتضررة من هذا الحل هو السعي لإفشاله وإعاقة تطبيقه، مرة عبر المراوغة والتسويف وإغراقه بخلافات حول التفاصيل، ومرة ثانية بتصعيد العنف والهجمات العسكرية لتحسين المواقع على الأرض.
وفي المقابل تعيش المعارضة السورية حالة ارتباك في التعامل مع الحل السياسي المقترح، إن بسبب التباينات في مواقف الكتل التي تتشكل منها، وإن بسبب ضغوط متنوعة ومتعاكسة تتعرض لها، من فصائل مسلحة لها سقف مرتفع ويرفض بعضها مبدأ التفاوض من الأساس، ثم من قوى عربية وإقليمية لا يرضيها ما تقدمه واشنطن من تنازلات وترفض تمكين خصميها الإيراني والروسي من الوضع السوري، والأهم من جانب واشنطن التي هددت بسحب يدها ووقف دعم المعارضة إن لم تستجب لاشتراطات التفاوض وإملاءاته، من دون أن ننسى الضغط الأخلاقي الذي تشكله معاناة الناس على الأرض وإلحاح الحاجة لبلورة سياسة إنقاذية توقف دورة الدم والألم.
النقطة الثالثة، إلحاح الحاجة لمعالجة الملف الإنساني بالاستقلال عن مسار المباحثات السياسية، ما أعطي قيمة كانت مهدورة لشدة معاناة الناس وما تكابده قطاعات واسعة من الشعب السوري. وإذ يبدو هذا الأمر عند البعض أشبه بتراجع عن الحقل السياسي وعن جذور انطلاق الثورة وشعاراتها، لكنه أمر مفسر حين ينظر إلى المشهد السوري اليوم كمأساة وطنية وكارثة تزداد حدة وعمقاً، وباتت تدفع غالبية السوريين لتقدير الأطراف الأكثر مسؤولية وحرصاً على حيواتهم وفرص عيشهم واجتماعهم الوطني، مسؤولية إنسانية، تتعلق بوقف العنف والحد من الإمعان في ما يخلفه من دمار وضحايا ومعتقلين ولاجئين، والاهتمام بمستقبل ملايين الأطفال الذين انهارت فرصهم التعليمية وتفشت الأمراض والاضطرابات النفسية بينهم، ثم مسؤولية سياسية تعنى بوقف تدهور البلاد نحو الأسوأ، الأرض ومؤسسات الدولة، الأمن وشروط الحياة، فرص التعايش والاحتقانات الأهلية والطائفية.
يحق للبعض أن يشكك في جدوى التفاوض السياسي وأنه لن يفضي إلى نتائج ملموسة في ظل تعارض مصالح المتفاوضين ومواقفهم وسلوكهم الأخلاقي، لكن مع الاتكاء على قوة التوافق بين روسيا وأميركا لمحاصرة الصراع السوري وارتداداته، وعلى شدة معاناة الشعب وحالة الإنهاك التي تعانيها الأطراف الداخلية، ثم مع الركون إلى حقيقة أن سورية لن تعود إلى ما قبل آذار (مارس) 2011 وأن الدرس الذي لن ينساه الناس أبداً، هو دور الاستبداد في ما وصلت إليه أوضاعهم، وإذا أضفنا انسداد أي أفق أو خيار آخر أقل سوءاً وألماً، وضرورة مقاربة حلول واقعية وإنسانية بعيداً عن وهم الانتصار أو الخوف من الهزيمة، عندئذ يمكن تفهم الرهان على الفرصة الأممية لإعادة بناء القوى والاصطفافات بما يخفف معاناة الناس ويؤسس لإنتاج عقد اجتماعي جديد، يحافظ على وحدة الدولة والبلاد ويلبي حقوق الناس المشروعة في الحرية والعدالة والكرامة. وهذا من دون أن نغفل احتمال تعرض هذه الفرصة لانتكاسات وإخفاقات موقتة كالتي عرفتها مختلف التسويات التي طاولت مجتمعات فتكت بها الحروب الأهلية.
والحالة هذه، ما من جهد يجب أن يوفر أو يؤجل لتغذية الشعور الإنساني لدى الجميع لتخفيف ما صارت إليه أحوالنا، وللتأكيد أن طريق العنف والإقصاء لن تقود سوى إلى استمرار دوامة الموت والإفناء المتبادل، وللمثابرة على نشر ثقافة تنبذ كل محاولات التمييز والاستفزاز وتظهر موقفاً مبدئياً ضد منطق الغلبة والإكراه وضد أي خطاب مسطح يحتقر حقوق الإنسان ويستسهل قتل البشر وسفك الدماء لأغراض سياسية أو دينية، ثقافة لا يمكن من دونها أن نكون أوفياء لشعار التغيير الديموقراطي وللتضحيات العظيمة التي بذلت.
الحياة
مفاوضات جنيف الأخيرة أو مسرح اللامعقول/ بدرالدين عرودكي
«تحت سقف الوطن». ذلك هو الشرط «المسبق» الذي كان بشار الأسد قد فرضه على أي «حوار» يمكن أن يجري بين ممثلي نظامه وبين من يعتبرهم «معارضة وطنية». جرت عدة محاولات عام 2011، داخل سوريا وفي عاصمتها، كان آخرها تلك التي ترأسها نائبه، فاروق الشرع، والتي سرعان ما رُمِيَت نتائجها في سلة المهملات.
منذ ذلك الحين كان مجرد التفكير باقتراح محاولة إضافية من أجل الحوار «العقلاني» والسياسي مع النظام الأسدي ينبئ عن جهل بنية هذا النظام. فقد كان خيار هذا الأخير بالرفض واضحاً لا يدع مجالاً لأدنى شك طالما أن مثل هذه الحوارات ستؤدي بالضرورة إلى وضع طبيعته وتاريخه وأجهزته موضع النقد والمراجعة وإعادة التنظيم. بذلك أغلق الأبواب كلها ولم يدرك ذلك بالفعل إلا من خَبِرَ هذا النظام فكراً وسلوكاً.
إذ مع من يمكن أن يتحاور نظامٌ أنكر منذ البداية وجود معارضة «وطنية» له واتهم من يعتبرون أنفسهم معارضيه بالعمالة وبتنفيذ مؤامرة ضد نظام الممانعة؟ ذلك هو أساس السياسة التي اتبعها النظام حين أُرغِمَ من قبل حلفائه على حضور مؤتمر جنيف الثاني في كانون الثاني/يناير 2014 للتفاوض مع المعارضة بناء على بيان مجموعة العمل من أجل سوريا (جنيف 1) عام 2012. فكما رفع في مواجهة شعبه السلاح الأعنف، رفع في وجه العالم أجمع كذلك شعار: مكافحة الإرهاب وطالب باعتباره البند الأول في كل «حوار» مع المعارضة وقبل الحديث عن أي فترة انتقالية نصَّ عليها مؤتمر جنيف المذكور.
لذلك، وحين استؤنف الحديث عن جنيف 3، بعد فشل جنيف 2، كان همُّ أحد رعاة المؤتمر الرئيسيين، روسيا، ضمّ إيران إلى المجموعة الدولية لدعم سوريا قبل أي اعتبار آخر يطال الموضوع الأساس الذي نظم المؤتمر من أجله.
انقضت سنتان ونيف قبل أن تتم الدعوة إلى هذا المؤتمر الثالث الذي يأتي بعد العديد من التغيرات على الساحة المحلية والإقليمية والدولية. عقدت مؤتمرات عدة في فيينا أمكن خلالها دمج إيران في مجموعة العمل بعد توقيع الاتفاق النووي ورفع الفيتو الأمريكي عن مشاركتها؛ واحتلت روسيا بقواها المسلحة سوريا وبموافقة أمريكية ضمنية لم تعد تعكس التواطؤ بين البلدين بقدر ماتنبئ عن التوافق الكامل بينهما بعد أن أوشك النظام الأسدي على السقوط، وذلك من أجل إعادة التوازن لصالح هذا النظام. وعلى أنه طُلِبَ إلى المملكة العربية السعودية جمعَ المعارضة كي تؤلف وفداً جامعاً لمختلف أطيافها السياسية والعسكرية، الداخلية والخارجية، وطُلِبَ إلى المملكة الأردنية وضع قائمة بالمنظمات التي يمكن تصنيفها إرهابية، وجُمِعَ أعضاء مجلس الأمن لإصدار قرار يحدد الهدف من الاجتماع الذي سينظم تحت إشراف الأمم المتحدة من أجل الاتفاق على مسار الانتقال السياسي ومدة إنجازه مع الاعتراف للمجموعة الدولية بدور في تسهيل عمل الأمم المتحدة في تحقيق تسوية سياسية دائمة في سوريا، فقد كان لابد للنظام الأسدي، وقد بات ينوب عنه كلٌّ من إيران وروسيا، أن يستأنف استخدام أحابيله من جديد. إذ سرعان ما اعترضت روسيا على نتائج مؤتمر الرياض بحجة ضمّه طيفاً من «الإرهابيين»، وكذلك على عدم ضمِّ الوفد المقترح كافة أطياف المعارضة السورية واستمرار رفضها «المبدئي» لوجود ممثلي جيش الإسلام وأحرار الشام ضمن من دُعي إلى مؤتمر المعارضة بالرياض وضمن الوفد المقترح إلى جنيف.
هكذا ستتمُّ الدعوة إلى المؤتمر بعد أن بات الحل السياسي في سوريا أمراً ملحّاً بالنسبة للدول الغربية ولا سيما إثر تدفق اللاجئين السوريين بعشرات الألوف على أوروبا. كانت العملية الإرهابية بباريس في تشرين الثاني 2015 قد قالت الكلمة الفصل في موقف فرنسا خصوصاً وسواها من الدول الغربية عموماً التي صارت تميِّز بين تنظيم الدولة، عدوها الأول، وبين بشار الأسد الذي بدأت في الوقت نفسه محاولة إعادة تأهيله وقبول الجميع، للمرة الأولى، بدور له في المرحلة الانتقالية المنتظر إقرارها في المؤتمر المنتظر. هكذا تمَّ تمهيد الأرض تماماً أمام المؤتمرين: أمريكا التي تنادي بأولوية قتال تنظيم الدولة، وفرنسا وبقية الدول الأوربية التي ستنضم إليها، وروسيا التي أنزلت قواتها في سوريا بحجة محاربة الإرهاب الذي امتد تعريفه ليشمل كل من حمل السلاح ضد النظام الأسدي، وإيران التي قدمت خطة لا تختلف في جوهرها عن الخطة الروسية في جوهرها وخلاصتها الحفاظ على النظام الأسدي من خلال انتخابات تجرى من أجل شرعنته محلياً ودولياً؛ هكذا سيكون وجود الأسد في المرحلة الانتقالية القاسم المشترك الأعظم بينهم جميعاً.
سوى أن أطياف المعارضة السياسية والعسكرية، التي اجتمعت في الرياض واستطاعت لأول مرة الإجماع على بيان يستجيب للمطالب الأساس التي ثار الشعب السوري من أجلها ويؤلف في الوقت نفسه المرجعية السياسية للهيئة المنبثقة عن هذا المؤتمر ولوفدها الذي ستشكله، سوف تواجه في الأيام القليلة التي سبقت موعد انعقاد المؤتمر ثلاثة ضروب من الابتزاز السياسي: الأول محاولة روسيا فرض قائمة تضم من تعترف بهم من ناحيتها بوصفهم «معارضين» إلى وفد المعارضة الرسمي أو تشكيل وفد ثان يضم هؤلاء؛ والثاني الإعلان المسبق عن طبيعة المؤتمر والنتائج المتوخاة منه: محادثات بدلاً من المفاوضات من ناحية، وحكومة تضم النظام والمعارضة معاً لإعداد دستور جديد خلال ستة أشهر والقيام بانتخابات رئاسية يحق لبشار الأسد ترشيح نفسه فيها؛ والثالث رفض ما أسمته روسيا الشروط المسبقة التي طرحتها المعارضة والتي اعتبرتها هذه الأخيرة خـــارج إطـــار المفاوضات نظراً للنص عليها في المـادتين 12 و13 من قرار مجلس الأمن 2254.
رفضت الهيئة إضافة أي اسم آخر إلى الوفد الذي انبثق عنها، وربطت قبولها الحضور إلى جنيف بتنفيذ مواد قرار مجلس الأمن الخاصة بفك الحصار عن المدن والقرى وفتح الطرق للمساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة من ناحية، والقيام بإخراج النساء والأطفال من السجون السورية ووقف القصف من قبل النظام الأسدي والقوات الروسية تمهيداً لبناء الثقة قبل بدء الاجتماعات، من ناحية ثانية. ذلك ما أدى إلى تأخير انعقاد المؤتمر أربعة أيام بعد أن قرر الوسيط الدولي اعتبار الأسماء المقترحة من قبل روسيا مستشارين له واعتبار الوفد الذي شكلته الهيئة العليا هو الوفد الرسمي الممثل للمعارضة السورية، وكذلك بعد أن تلقت الهيئة العليا من الأمانة العامة للأمم المتحدة ومن ديمستورا بما يفيد اعتبار فك الحصار ودخول المساعدات الإنسانية خارج إطار المفاوضات.
لقد عملت روسيا منذ دخول قواتها إلى سوريا نيف وأربعة أشهر على فرض واقع عسكري آخر لصالح النظام يسمح له ـ ولها بالتالي ـ بتغيير علاقات القوى على الأرض واستعادة أكبر قدر ممكن من المواقع التي فقدها النظام بما يسمح لهما فرض ما ينتظراه من الحل السياسي: أي حكومة جديدة تبقى تحت سلطة الأسد مع تطعيمها ببعض شخصيات من المعارضة وإجراء انتخابات لا تستبعد ترشيح الأسد لنفسه فيها. أي بعبارة أخرى ترحيل ما نص عليه بيان جنيف 1 والقرار الأممي 2118 حول تشكيل هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات، تمهد لقيام حكم ديمقراطي. ذلك كله بموافقة أمريكية ضمنية تجلت في القبول بتعديل الموقف من بشار الأسد وقبول وجوده «فترة ما» خلال المرحلة الانتقالية. وقد اضطرت روسيا تحت وطأة الضغط الأوربي وقبل أن تحقق عسكرياً ما كانت تنشده إلى الموافقة على الدعوة إلى جنيف 3 من أجل المفاوضات على حلٍّ يؤدي إلى نهاية الحرب في سوريا خلال ثمانية عشر شهراً. سوى أن عقد المؤتمر لن يفتّ في عضدهما. إذ حين أصرت الهيئة العليا للمفاوضات على ضرورة تنفيذ المادتين 12 و13 من القرار 2254 قبل الشروع في أية مفاوضات وتقديم بوادر «بناء الثقة» بوقف الحصار والقصف، كان جواب الروس والنظام الأسدي التصعيد جواً وأرضاً في ريف حلب اعتباراً من اليوم التالي لوصول وفد المعارضة إلى جنيف، بهدف محاصرة المدينة وحرمان قوات الثورة من أية إمدادات يمكن أن تصلها عبر الحدود التركية.
كان ذلك تحدّياً صعباً تواجهه الهيئة العليا للمفاوضات ودليلاً على تطلعات الروس والنظام الأسدي من ورائه: فرض الحل الذي يلغي، بقوة علاقات القوى الذي تحاول روسيا فرضه على الأرض، خمسَ سنواتٍ من القتل والتهجير والتدمير الممنهج.
لابدّ من الاعتراف بأن الهيئة العليا للمفاوضات صمدت أمام هذا التحدي مما حمل الوسيط الدولي على تعليق المفاوضات. فربما يتمكن من خلال إعادة ترتيب الأوراق ثانية بين الروس والأمريكان في ميونيخ فرض حلٍّ ما. على أن هذا الحل لن يكون على كل حال ذلك الذي تعمل من أجله كلٌّ من روسيا وإيران، أياً كانت قوة النار التي يستخدمانها في سبيل فرضه. ولن يكون الخيار في هذه الحال أمام السوريين في غياب إرادة دولية متوازنة إلا خوض حرب التحرير والتحرر من المحتلين الجدد.
بعيداً عن أروقة جنيف وفي ساحات القتال: مخاوف من حصار حلب المحررة قبيل الجولة الثانية من مباحثات جنيف/ منهل باريش
«القدس العربي»: قبيل ساعات من اجتماع الهيئة العليا للمفاوضات بالمبعوث الأممي إلى سوريا في قصر الأمم المتحدة في جنيف، وجهت روسيا والنظام السوري صفعة قوية للمعارضة بوصولها إلى بلدتي نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي، بعد تمهيد جوي روسي بأكثر من 300 غارة جوية وآلاف صواريخ الراجمات والمدفعية، تقدمت بعدها قوات النظام والميليشيات متعددة الجنسيات المرافقة له.
وهذا التطور هدد بانهيار «مباحثات السلام» بعد ضغوط من المعارضة العسكرية على وفد الهيئة العليا، مطالبة إياه بالانسحاب أمام الخسارة العسكرية الكبيرة التي حدثت بغطاء جوي روسي، ما دفع دي ميستورا لتعليق المفاوضات حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
وعزا الباحث الاستراتيجي، عبد الناصر العايد، الخسارة الكبيرة التي منيت بها فصائل الثوار إلى «الكثافة النارية التي استخدمتها القوات الروسية، والخطط التكتيكية الملائمة التي وضعها الخبراء الروس للميليشيات المقاتلة إلى جانب النظام، بعد أن أعادوا تنظيمها وهيكلتها».
وقال العايد، في تصريح لـ«القدس العربي»: «إن العمليات الروسية اتبعت سياسة التركيز وحشد القوى على منطقة محددة والاستمرار بالضغط عليها حتى انتزاعها».
وحاولت الميليشيات الحليفة للنظام، صباح يوم الجمعة الماضي، توسيع الطريق الذي فتحته بين تل جبين ونبل والزهراء. لكن فصائل الثوار صدت التقدم وأوقعت عشرات القتلى في صفوف الميليشيات «الشيعية» المتقدمة، ومن المتوقع أن تكون وجهة الميليشيات القادمة كفرية والفوعة لأن «إيران تحرص بشكل كبير على إشعار الشيعة في سوريا والمنطقة العربية بأنها الحامية لهم» حسب تعبير العايد.
وشكلت فصائل ريف حلب الشمالي الثورية مجلساً عسكرياً ضم كل فصائل الجيش الحر، ولم تدخل النصرة فيه كونها أصبحت معزولة جنوب الطريق الذي تقدمت منه الميليشيات «الشيعية» ليتركز عملها جنوب باشكوي.
وأشار الخبير العسكري، العقيد أديب عليوي، في حديث لـ «القدس العربي»، إلى أن «على الفصائل إنشاء غرفة عمليات مركزية، وأن تتجمع تحت غرفة العمليات، وإفساح المجال للضباط العسكريين من ذوي الخبرة، دون انتقاص من القادة الميدانيين». ودعا إلى العودة إلى أسلوب المعارك الأول في الثورة وهو حرب العصابات، وخصوصاً في جبلي التركمان والأكراد، كون المنطقة تساعد على خوض حرب المجموعات الصغيرة، وشدد على «استخدام الأرض بشكل جيد وخصوصا التحصين الهندسي وحفر الخنادق».
من جهته، وبسبب غياب الصواريخ المضادة للطيران لدى المعارضة، علق العايد على طريقة التعامل اللازمة، قائلاً: «لا مفر من التواري وتحاشي ضرباته، وفتح جبهات سريعة في المحاور التي لا يعمل عليها، لأن الطيارين الروس يعملون وفق خطط محضرة مسبقاً، وإعادة تحضير عمل جديد يحتاج إلى الوقت، يمكن للثوار الانسحاب خلاله إلى مناطق أخرى، وهكذا تصبح العمليات الجوية عملية مطاردة دائمة لهم، وليس قصفا مركزا باردا كالذي يحدث الآن».
وعن الدور الروسي، قال الباحث الإستراتيجي في مركز الشرق للسياسات، مصعب الحمادي، لــ«القدس العربي»: «إن هدف روسيا في سوريا واضح منذ اليوم في الأزمة. وهي لم تكذب لا على النظام ولا على المعارضة، ولم تخف نواياها عن أحد. فروسيا تعارض تغيير النظام السوري وتسعى للحفاظ عليه بكل بنياته القمعية العسكرية والأمنية، وهي ترى في الثورة السورية مجرد مؤامرة غربية للإضرار بمصالح موسكو في هذا البلد الذي كان وما زال عنصراً مهماً في المنظومة الجيوبوليتيكية السوفييتية الروسية».
وبعد كل التطورات العسكرية التي حصلت وخسارة النظام لمعظم أنحاء البلاد، «تسعى روسيا لتأمين مناطق السيطرة الأهم في الساحل السوري ومنطقة اللاذقية الكبرى بما يؤمّن موطئ القدم الروسية شرق المتوسط، والتي ستلعب دوراً حاسماً في التحكم بخطوط نقل الغاز والطاقة في المستقبل»، حسب الحمادي.
وعن دور الأسد في المرحلة المقبلة، ومسار العملية السياسة القائمة في جنيف، يرى الحمادي أن «روسيا تريد إشراك شخصيات من المعارضة في حكومة وحدة وطنية تحت سقف النظام الحالي، وقد لا تمانع بتغيير رأس النظام بالأثناء، لكنها لن تتنازل دون ما هو أقلّ من ذلك أبداً، وخصوصاً في ظل التفاهمات الضمنية التي عقدتها مع واشنطن، التي تركت الملعب والنزال في سوريا وخذلت المعارضة إلى أبعد حد».
ويرى مراقبون ومعارضون أن تعليق المفاوضات حتى الخامس والعشرين من شباط/فبراير الجاري ليس إلا فرصة أعطاها دي ميستورا لروسيا بموافقة أمريكية، من أجل الضغط العسكري على المعارضة، فاستمرار القصف الروسي بدون رادع قد يحرج المعارضة بشكل كبير، مع الخشية من الحصار الكامل لمدينة حلب، أو التقدم للسيطرة على مناطق جديدة في تل رفعت، وصولا إلى الحدود التركية في اعزاز.
القدس العربي
انهيار محادثات جنيف غير المباشرة قبل ان تبدأ والمعارضة متشائمة من إمكانية العودة في 25 الجاري/ أحمد كيلاني
جنيف ـ «القدس العربي»: بعد أقل من ثماني وأربعين ساعة على حديث المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أن اقصى طموحه على المدى المنظور هو إبقاء وفدي المعارضة والنظام في جنيف، خرج ليعلن تعليق المحادثات غير المباشرة التي كان بدأها للتو إلى 25 من الشهر الجاري، وذلك بعد ان عكست التصريحات والبيانات التي أدلى بها الطرفان غياب أي أرضية يمكن أن يؤسس عليها للتوصل إلى حل سياسي للأزمة، بالتزامن مع هجوم هو الأعنف شنته قوات النظام مدعمة بميليشيات شيعية وقصف للطيران الروسي غير مسبوق في الريف الشمالي لحلب. وهو ما كشف عمق المأزق الذي تعانيه وفد الهيئة العليا للمفاوضات المنبثق عن قمة الرياض، بالنظر إلى الضغوط التي مورست عليه من قبل داعميه للشروع في المحادثات، رغم ضرب النظام السوري وحلفائه بعرض الحائط بكل الالتزامات التي كانت اقرت بموجب قرار مجلس الأمن 2254 خاصة في ما يتعلق بجوانبه الإنسانية.
وجاء إعلان الفشل في التحضير للمحادثات غير المباشرة بعد 4 جلسات عقدها دي ميستورا، اثنتان منها مع النظام، واثنتان مع المعارضة، اتضح خلالها عجز المبعوث الأممي عن إقناع وفد النظام بتلبية مطالب المعارضة في ما يتعلق برفع الحصار عن المناطق المحاصرة وإدخال المساعدات إليها وإطلاق سراح المعتقلين من النساء والأطفال.
ولم تكن الأجواءالتي سبقت انعقاد هذه الجولة من المحادثات والتي باتت تعرف بـ «جنيف 3» تشيرإلى إمكانية تحقيق أي تقدم، رغم التوافق الدولي على إطار عام للحل رسم ملامحه بيان فيينا 2 والقرار الدولي 2254 مع ما تضمنه من الإشارة إلى بيان جنيف 1، وهو الأمر الذي أدركته الهيئة العليا للمفاوضات مبكراً، ما دفعها لرفض المجيء إلى جنيف بدون انصياع النظام للشروط التي كانت أعلنتها.
وكان قرار الهيئة العليا، بعد اجتماعات ماراثونية في الرياض، هو إرسال وفد مصغر من ثلاثة أشخاص للالتقاء بالمبعوث الدولي، للاتفاق على الأسس التي ستنطلق بناء عليها المحادثات وضرورة تلبية النظام لشروطها. إلا ان تدخل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير دفع الهيئة لتغيير قرارها خلال الساعات الأخيرة من يوم 29 كانون الثاني/يناير وإصدار بيان يؤكد توجه الوفد التفاوضي بالإضافة إلى 25 شخصية أخرى من الهيئة العليا للمفاوضات كمرجعية سياسية للوفد.
وخلافاً لما كان أشيع عن تغيير في قيادة وفد المعارضة للمفاوضات على خلفية ضغوط غربية، فقد ظل العميد اسعد الزعبي رئيساً للوفد، وجورج صبراً نائباً له، ومحمد علوش الذي وصل متأخرا يومين كبيراً للمفاوضين.
ورغم وصوله لجنيف، تردد الوفد كثيراً في لقاء دي ميستورا قبل تحقيق مطالبه، إلا انهم عادوا عن هذا القرار بعد اجتماعٍ مع سفراء مجموعة الدعم الدولية عقد في السفارة الفرنسية، ليلتقوا وفد النظام يوم الاثنين، وأعلن عقبها المبعوث الدولي انطلاق المحادثات رسمياً، وهو ما نفاه أكثر من متحدث باسم الهيئة، فأكدوا ان اللقاء لا يندرج في إطار المباحثات غير المباشرة، وان المعارضة لا تزال تنتظر تحقيق النظام لشروطها.
وكان وفد النظام برئاسة السفير بشار الجعفري قد وصل جنيف قبل ذلك بأيام، تلبية لرسالة الدعوة التي نصت على بدء المفاوضات في 25 كانون الثاني/يناير، وعقد اجتماعاً مع المبعوث الدولي ولم يدل بعده بأي تصريحات. وكشف الطرفان في مؤتمرين صحافيين، عقدا يوم 2 شباط/فبراير حجم الهوة التي تفصل مواقف الطرفين. وتسرع المبعوث الدولي في الدعوة للمحادثات، وكان لافتاً قول المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط للصحافيين «سترون خلال الأيام القليلة المقبلة كيف سيعمل وفد النظام على إفشال هذه العملية»، بينما كرر بشار الجعفري رفضه ما قال إنها شروط مسبقة تضعها الهيئة قبل الشروع في المحادثات، وانتقد المعارضة لعدم اتفاقها على قائمة موحدة للتفاوض، ولما قال إنه «ارتهان» للداعمين الإقليميين، في إشارة للسعودية وتركيا.
وعلى خلفية هذه التصريحات وما عكسته من احتمال انهيار التحضيرات للشروع في المحادثات غير المباشرة، حذر دي ميستورا من أنه «إذا فشلت المفاوضات بعدما حاولنا مرتين في مؤتمرات جنيف، فلن يكون هناك أمل آخر بالنسبة لسوريا». لكن ذلك لم يحل دون إعلانه تعليق العملية إلى 25 من الشهر الجاري، وسط تشكيك بإمكانية استئنافها في التاريخ المحدد.
وقال رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، الذي وصل جنيف يوم إعلان التعليق «على الرغم من الإيجابية التي أبدتها الهيئة، إلا أن النظام وحلفاءه كثفوا عملياتهم العسكرية، وضاعفوا عدد الغارات الجوية التي استهدفت الغوطة والمعضمية وحلب وإدلب وريف حمص وريف اللاذقية ودير الزور، وتوسعوا في عمليات القصف ضد المدنيين لتشمل مخيمات اللاجئين، وأدت إلى إزهاق أرواح المزيد من السوريين الذين قضوا بالبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية والقذائف الفراغية والغازات السامة، فضلاً عن الحصار الجائر الذي يفرضه النظام وحلفاؤه على العديد من البلدات والمدن».
وأوضح حجاب: «بناء على سياسة تصعيد القصف واستهداف المدنيين، وما نتج عنها من مجازر مروعة في مدينتي عندان وحريتان، وغيرهما من قرى وبلدات ريف حلب الشمالي، وريف حمص الجنوبي، قرر الفريق المفاوض مغادرة جنيف، ريثما يتوفر المناخ المناسب للبدء في مفاوضات جادة تفضي إلى إنشاء هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة».
وقال إن «قرار الحرب والسلم في سوريا بيد إيران وروسيا» واتهم النظام السوري بأنه «لا يريد الحل السياسي، ولا سيما في ظل تمسكه بسياسة القتل والتصعيد»، مشيراً إلى أن «المعارضة لن تعود إلى جنيف إلا بعد تلبية المطالب الإنسانية على الأرض»، لافتاً إلى» دعم المعارضة لأي جهد يفضي إلى هيئة حكم انتقالي لا تشمل من تلطخت أيديهم بالدماء».
وعكست تصريحات حجاب وغيره، من المتحدثين باسم وفد الهيئة العليا للمفاوضات حجم المخاوف من التقدم الذي حققته القوات الموالية للنظام السوري، بدعم من الطيران الحربي الروسي في الريف الشمالي لحلب، خاصة بعد فكها الحصار عن بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين، وقطع المدينة عن ريفها الشمالي وبالتالي عن خطوط الإمداد إلى تركيا، ما شكل خطراً داهماً على إمكانية صمود المعارضة في حلب، وانتزاع ثاني أكبر المدن السورية من يد قوات المعارضة لصالح قوات النظام.
وعلى خلفية هذا التقدم لقوات النظام، بدا واضحاً أن وفد النظام السوري برئاسة الجعفري لم يكن معنياً بتقديم أي تنازلات حتى في ما يتعلق بالمطالب الإنسانية التي طالبت المعارضة بتحقيقها، ورفض الجعفري ربط التطورات الميدانية بما يجري في جنيف، بل كعادته حاول الوفد التركيز على ما قال إنها «حرب على الإرهاب». وقال الجعفري في مؤتمر صحافي، إن «أطرافاً إرهابية تشارك ضمن وفد المعارضة السورية المنبثق عن مؤتمر الرياض»، في إشارة لوجود ممثل عن جيش الإسلام، موضحاً أن «من يتحدث عن شروط مسبقة يريد عرقلة الحوار السوري وإفشاله». ولفت إلى أن «تأخر وفد المعارضة عن الحضور إلى جنيف دليل على عدم الجدية والمسؤولية، وتصريحات بعض المسؤولين الغربيين توحي بأننا نفاوض تلك الدول وليس معارضين سوريين».
وقال الجعفري إن «لا أحد يعرف حتى هذه اللحظة من هو الطرف الآخر، وليست هناك قائمة نهائية بأسماء المشاركين، والأمم المتحدة لا تملك أي قائمة نهائية بأسماء المشاركين من الطرف الآخر، وهناك جهات إقليمية وعربية ودولية تعيد الأمور إلى نقطة الصفر بإصرارها على فرض طرف واحد».
وأضاف أن «الطرف الآخر تحدّث عن فشل الحوار قبل أن ينخرط فيه وحتى قبل أن يقرر المشاركة، وهذا دليل على عدم الفهم السياسي وعدم معرفة مضمون القرار 2254 وبياني فيينا»، مشيراً إلى أن «هناك عملية تراكمية سياسية يجب البدء منها. ومن يتحدث عن شروط مسبقة يعني أنه آت إلى الاجتماع لتقويضه، وبالتالي هو غير حريص على نجاح الحوار».
وردا على ما جاء على لسان الجعفري، ـوضح المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات رياض نعسان آغا لـ «القدس العربي» أن «لا صحة لعدم تقدم الهيئة بقائمة بأسماء وفدها للمفاوضات للمبعوث الدولي»، وأن «كافة ترتيبات السفر إلى جنيف، التي اعدت امس كانت على أساس القائمة التي تم ارسالها من الهيئة إلى الأمم المتحدة». لكنه لم ينف ان الهيئة «لم تستطع تحقيق أي انجاز على الأرض في ما يتعلق بمطالبها للشروع في المحادثات».
وأدى الفشل الذي منيت به محادثات جنيف 3 إلى تبادل الاتهامات بالمسؤولية. وأجمعت تصريحات المسؤولين الدوليين المشاركين في مؤتمر لندن للمانحين على ضرورة استئناف المحادثات، بينما حمل الجانب الأمريكي مسؤولية فشل المفاوضات للقصف الروسي الكثيف على مناطق المعارضة.
وأعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، انه اتصل بنظيره الروسي سيرغي لافروف وطلب منه وقف الضربات الجوية الروسية ضد المعارضة في سوريا، بينما أشار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، إلى أن «الأزمة السورية لن تنتهي إلا بمرحلة انتقال سياسي»، داعياً «أطراف النزاع إلى العودة لطاولة الحوار».
كما دعا وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس روسيا والنظام السوري لوقف الغارات وحصار المدن في سوريا، موضحاً أن «الهجوم الوحشي الذي يشنه نظام الأسد بدعم من روسيا ينسف المحادثات».
من جانبه، أكد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أن «التكثيف المفاجئ للقصف الجوي والنشاط العسكري في سوريا يقوض محادثات السلام»، داعياً «الأطراف إلى العودة إلى طاولة التفاوض».
وأوضح أن «من المؤلم للغاية أن تتقوض الخطوات الأولى للمحادثات بسبب عدم وصول القدر الكافي من المساعدات الإنسانية، وبسبب تكثيف مفاجئ للقصف الجوي والأنشطة العسكرية داخل سوريا».
وكان جون كيري قال في بيان سابق إن «مواصلة الهجوم الذي تشنّه قوات النظام السوري، مدعومة بالغارات الروسية، على مناطق تسيطر عليها المعارضة، أظهرت بوضوح الرغبة لدى النظام وموسكو بالسعي إلى حلّ عسكري بدلاً من إتاحة المجال أمام التوصل إلى حلّ سياسي».
ودعا كيري «النظام السوري وداعميه لوقف قصفهم للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة ولا سيما حلب»، مطالباً «النظام السوري وروسيا بـالوفاء بالتزاماتهما، وإعادة الثقة إلى المجتمع الدولي، بأنهما يرغبان في التوصل لحل سلمي للأزمة السورية».
لكن، رغم كل هذه الاتهامات للنظام وروسيا بالمسؤولية عن توقف المحادثات حتى قبل ان تبدأ، لا يبدو ان الأطراف الداعمة للمعارضة بصدد الضغط بأي شكل من الأشكال على النظام السوري لدفعه لتقديم تنازلات جدية. وبدا أحد أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات متشائماً من إمكانية العودة إلى جنيف في 25 من الشهر الجاري، ومتخوفاً من التطورات الميدانية على الأرض إن لم يتم وقف ما وصفه بالعدوان الروسي على مناطق سيطرة المعارضة في سوريا ودعم فصائل الجيش السوري الحر بأسلحة نوعية لوقف تقدم النظام في محافظتي حلب ودرعا.
القدس العربي
الضرورات السورية الراهنة/ فايز سارة
لا يحتاج إلى تأكيد، قول إن القضية السورية تمر بمرحلة شديدة التعقيد، بسبب ما أحاط بها من تطورات وتدخلات في الأعوام الخمسة الماضية. ويتضاعف هذا التعقيد مع انعقاد مؤتمر جنيف3 في ظل حقائق أساسية من بينها حدوث تغيير في التوافق الدولي على أسس حل القضية السورية بنقل هذا التوافق من جنيف1 وتوابعه ولا سيما قرار مجلس الأمن رقم 2118 القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات إلى أوراق فيينا والقرار الدولي 2254 حول تشكيل حكومة ذات مصداقية، فيما تسعى أطراف منخرطة ومعنية بالقضية السورية لتهميش المعارضة ممثلة بمؤتمر الرياض والهيئة العليا للتفاوض التي انتخبتها، والسعي إلى إيجاد بدائل لها فيما لو رفضت المشاركة أو الاستجابة لإملاءات بعض الأطراف، وهو ما يترافق مع مساعٍ حثيثة لخلق وقائع على أرض الصراع في الداخل السوري، هدفها إضعاف المعارضة سواء في شقها السياسي والمدني أو في الشق العسكري عبر تكريس الحصار على مناطق واسعة خارجة عن سيطرة النظام وحلفائه من جهة، وتصعيد الهجمات الجوية والأرضية على التشكيلات المسلحة وحواضن المعارضة المدنية لإعادة السيطرة عليها.
وسط هذه التطورات الخطيرة، تبدو الحاجة السورية ملحة لخلق ظروف وشروط أفضل من جانب المعارضة وغالبية السوريين للقضية السورية، تتجاوز ما تفرضه التحديات الراهنة من نتائج، ولعل التعبير الأبرز من جانب المعارضة وعموم السوريين في مواجهة هذه التحديات، كان انعقاد مؤتمر الرياض بمشاركة طيف واسع من المعارضة السياسية والعسكرية والشخصيات المستقلة، وفيه تم الاتفاق على نقطتين أساسيتين؛ إصدار بيان سياسي يتضمن التوافقات الأساسية للمعارضة، وقيام الهيئة بتشكيل وفد للمفاوضات مع النظام حول الحل السياسي في سوريا، وقد أحيط مؤتمر الرياض بموجة من التأييد السوري لمؤتمر الرياض ومخرجاته، مما أعطى زخمًا أقوى للمعارضة، جعلها أقدر في طرح رؤيتها حول المشاركة في مؤتمر جنيف3.
ولخصت المعارضة من خلال الهيئة العليا للمفاوضات رؤيتها للمشاركة في المؤتمر في نقطتين أساسيتين؛ أولاهما تأكيد الفصل بين الإنساني والسياسي في القضية السورية، بإخراج الموضوعات الإنسانية من دائرة التفاوض مع النظام أو غيره في أي مستوى كان، وباعتبار ما يتصل بها إجراءات واجبة التنفيذ، أما في الموضوع السياسي، فقد تضمنت الرؤية حق المعارضة في تشكيل وفدها على نحو ما هو حال النظام في تشكيل وفده دون أي تدخلات أو فرضيات إقليمية أو دولية، كما تضمنت ضرورة تأكيد أن مؤتمر جنيف3، يمثل حيزًا للمفاوضات بين المعارضة والنظام هدفها الوصول إلى حل سياسي، وليس مجرد مكان لإجراء مباحثات أو نقاشات حول القضية بغض النظر عن الأطراف التي تشارك فيه، وما يمكن أن تطرحه من موضوعات، والنقطة الثالثة في الجانب السياسي من رؤية المعارضة، هو تأكيد المرجعية الدولية للحل الشامل المنصوص عنه في بيان جنيف 2012 والقرار 2118 عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات، تأخذ سوريا إلى نظام ديمقراطي، يكون بديلاً لنظام الاستبداد والقتل، وليس عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية، سيكون من نتائج تشكيلها، تكريس وجود النظام ورئيسه رغم كل ما ارتكبه من جرائم بحق السوريين.
ومما لا شك فيه، أن هذه الرؤية تصطدم بموقف النظام وحلفائه المشاركين في المجموعة الدولية، بل إن بعضًا منها، لا يجد قبولاً أو دعمًا من جانب قوى إقليمية ودولية، تركز على تداعيات الأحداث السورية وخصوصًا في ملفي الإرهاب والهجرة، أكثر مما تركز على الأحداث بما فيها عمليات حصار المدنيين، التي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بأنها «جرائم حرب»، الأمر الذي يعني أن أولى ضرورات المرحلة السورية الراهنة، تكمن في تثبيت رؤية المعارضة حول العملية السياسية، ليس فقط لأنها تعالج القضية بصورة جوهرية، بل لأنها أيضًا تعالج في الوقت نفسه تداعياتها في وقف هجرة ولجوء السوريين إلى بلدان أخرى، وتحاصر الإرهاب، وتعزز الحرب عليه وصولاً إلى القضاء عليه.
الأمر الثاني في الضرورات السورية الراهنة، يكمن في تعزيز وحدة المعارضة، وتطوير مؤسساتها وأساليب عملها، وتعزيز علاقاتها في الداخل السوري وفي المهجر مع القوى المدنية والسياسية ومع الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإعلامية لضمان مشاركتها القصوى في المعركة من أجل الحل السياسي ومستقبل سوريا باعتبارها وطنًا لكل السوريين. ولا ينفصل في هذا الجانب عمل المعارضة عن عملها وتفاعلها مع تشكيلات المعارضة المسلحة لدعم صمود الأخيرة في مواجهة النظام وحلفائه بما فيه العدوان الروسي، وتقوية توجه تلك التشكيلات للسير باتجاه الحل السياسي في سوريا.
والأمر الثالث في الضرورات السورية الراهنة، سعي المعارضة إلى تقوية علاقاتها الخارجية مع المجتمع الدولي ورأيه العام بعد التدهور الشديد الذي أصاب تلك العلاقات في السنوات الأخيرة، مما يتطلب إعادة تقييم تلك العلاقات بعواملها الإيجابية والسلبية، ورسم استراتيجية جديدة في العلاقة مع المنظمات الدولية والقوى الدولية والإقليمية من أجل كسب تأييدها ودعمها لقضية السوريين ومستقبل سوريا في إطار الجماعة الدولية الساعية إلى الحرية والسلام ومحاربة الإرهاب.
ومما لا شك فيه أن التعامل مع ضرورات المرحلة الراهنة، لا يقتصر على جهود المعارضة، وإن كان على الأخيرة أن تلعب دورًا نشطًا وفاعلاً في ذلك، بل يتطلب جهد كل السوريين بجماعاتهم وشخصياتهم، ليس لأن المهمات كثيرة ومتشعبة، وتحتاج إلى إمكانيات وطاقات، لا تستطيع المعارضة توفيرها بشكل منفرد، إنما لأن المعارضة تحتاج إلى دعم ومساندة أوسع طيف من السوريين حاليًا وفي المستقبل أيضًا.
*نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط”
ماذا بعد الحل في سوريا؟/ سمير العيطة
في سياق البحث عن حلّ سياسيّ للصراع في سوريا، لا بدّ من طرح السؤال الجوهريّ الخاصّ بتصوّر ما بعد الحلّ، أي ما يسمّى المرحلة الانتقالية وما بعدها. وفي سياق هذا التصوّر هناك تساؤلات تفرض نفسها. فهل سينتهي الإرهاب و «داعش» بمجرّد حصول الوفاق الإقليميّ والسوريّ على الحلّ؟ والإجابة المرجّحة هي لا.
لقد غدت مفردات الصراع في سوريا تنمّ عن شروخٍ طائفيّة وتجاذبات إقليميّة. كان الخطاب السائد هو البحث عن حريّة وكرامة وديموقراطيّة على طرف، والنضال ضدّ مؤامرة خارجيّة على الطرف الآخر. أمّا اليوم فقد ذهبت الأمور أبعد من مجرّد منطق «ثورة» مقابل استبداد إلى شرخٍ يُمكن أن يغذّي التطرّف والإرهاب على الطرفين لأمدٍ بعيد. هذا الشرخ الطائفيّ ليس دينيّاً أزليّاً ولكنّه سياسيّ تستخدمه الدول لأغراضها، كما كان الأمر أيّام تفكيك إمبراطوريّة الهند والامبراطوريّة العثمانيّة. واللافت أنّ التطرّف الذي نشأ على أطراف العالم الإسلاميّ قد شهد بؤرته الأهمّ في العراق من جرّاء الاحتلال الأميركي، ومن ثمّ في سوريا من جرّاء لعب السلطة منذ البداية على الورقة الطائفيّة للحفاظ على هيمنتها التي لعبتها أيضاً قوى إقليميّة لوأد آمال «الربيع العربيّ» من دون رجعة.
لكنّ فهم أسباب الظاهرة لا يعني أنّ التطرّف والإرهاب اللذين يتغذّيان من الطائفيّة المترسّخة في الأذهان بفعل الحرب يُمكن أن ينتهيا بسهولة. صحيحٌ أنّهما وجّها غضبهما في البدء ضدّ السلطة القائمة على أرضيّة ما تعرفه السجون وأقبية التعذيب. لكنّهما أضحيا اليوم منظومة أكثر عُمقاً وأكثر عولمةً، ولن يزولا بمجرّد رحيل الاستبداد، خاصّة إذا رحل المستبدّ بطريقة عنيفة، كما حدث لطغاة العراق أو ليبيا. ومن البديهيّ أنّهما لن تزولا إن انتصر الاستبداد عسكريّاً مع كلّ ما يزرعه من أحقاد.
أطراف التفاوض في سوريا عليها أن تُبقي هذا التساؤل في الأذهان، وتعي كلّها أنّ إعادة توحيد المجتمع ونبذ الطائفيّة هو أهمّ وسيلة لمكافحة إرهابٍ قد يستغلّ فترة انتقاليّة ستبقى هشّة حتّى لو انطلقت. إذ لا تطرّف من دون قاعدة شعبيّة له. ولعلّ أهمّ ما حدث في «جنيف 3» هو انخراط بعض الأطراف المقاتلة المحسوبة على التطرّف في العمليّة السياسيّة. لكنّ هذه الخطوة غير كافية. إذ إنّ ما بعد الحلّ يحتاج لما يحفظ الأمن والاستقرار للمواطنين في ظلّ حربٍ ستستمرّ لمواجهة «داعش» و «النصرة». وما لا يمكن أن تقوم به قوّةٌ أجنبيّة، وما يعني تلاقي قوى متصارعة لا يمكن تصوّر التقائها اليوم.
وسؤال جوهريّ آخر: هل ستتوقّف شرذمة سوريا بمجرّد اتفاق على أسس قرارات مجلس الأمن؟ هنا أيضاً الإجابة ليست أكيدة مُطلقاً.
في صيف 2012، كانت مفردات الصراع الوطنيّة ما زالت هي السائدة، وكان الانتقال إلى نظامٍ مختلف ممكن من دون جهدٍ كبير ليشمل الوطن برمّته. لكنّ أكثر من ثلاث سنوات من حربٍ طاحنة تُلغي الآخر ألقت بأوزارها على البشر والأرض والأفئدة. لقد تشرذم الوطن وظهرت إمارات حرب، بعضها كبيرة كتلك لـ «داعش» العابرة للحدود، وأخرى مبعثرة صغيرة في كلّ بقعة ومنطقة، على طرفيّ الصراع.
فكيف يتأسّس حكمٌ انتقاليّ يقوم أصلاً على توافق طرفي نقيض بإعادة توحيد البلاد؟ هذا في حين أنّ على كلٍّ منهما أن يفكّك سلطة أمراء حربه، ويغّير جذريّاً مفرداته، كي تعود الدولة و «سيادة قانونٍ» واحدة على الجميع. وذلك أيضاً في حين يعتمد كلّ طرفٍ على مجموعة إقليميّة – دوليّة تتصارع مع أخرى بالخطاب والسلاح عبر السوريين. بل حتّى أنّ القضيّة أضحت متعدّدة الأطراف وليست ثنائيّة.
الخروج إلى الحلّ مرهونٌ بمسارٍ يسعى لإخراج الأطراف المتصارعة من المنطق السائد اليوم. والعمل على أولويّة وقف إطلاق النار وفكّ الحصار الإنساني يتطلّب من هذه الأطراف إيضاح تصوّرها أمام المواطنين لما بعد الشروع بهما، وليس لمجرّد إرضاء كلّ طرف لقاعدته الشعبيّة الخاصّة، بل التوجّه بالتحديد إلى قاعدة الآخر الشعبيّة، وإلى الأغلبيّة الصامتة التي نبذت هذا وذاك، بما يُعطي فسحةً كي لا يستمرّ فقدان الآمل ونزيف الهجرة.
توقف المفاوضات في جنيف/ رياض نعسان أغا
لم أكن متفائلاً بأن تجد المعارضة السورية حلاً سياسياً مقبولاً في جنيف، فالنظام الذي استدعى الاحتلالين الإيراني والروسي ليدمرا سوريا ويقتلا شعبها ويشردا إثني عشر مليون مواطن، لن يقبل بأي حل سياسي يزعزع بقاءه مستبداً يحتكر السلطة ويقبض أرواح شعبه.
وكنا في الهيئة العليا للمفاوضات التي تشكلت بعد مؤتمر الرياض قد استجبنا لدعوة الدول الداعمة لإيجاد حل سياسي للقضية السورية، وقد مثل المؤتمر أوسع شرائح المعارضة وضم إليه لأول مرة فصائل ثورية تمثل «الجيش الحر»، وأعلن المعارضون جميعاً سياسيين وعسكريين أنهم يقبلون بالحل السياسي ضمن خريطة الطريق التي رسمها قرار مجلس الأمن 2254 وقد نص القرار على ضرورة التمهيد للمفاوضات عبر مرحلة حسن النوايا وبناء الثقة وحدد ما ينبغي عمله قبل التفاوض بأنه «الوقف الفوري لقصف المدنيين، وإنهاء الحصار على المواقع المحاصرة التي يتعرض سكانها للموت جوعاً والسماح بإيصال المساعدات الغذائية والدوائية إليها، وإطلاق سراح المعتقلين ولاسيما النساء والأطفال». وعلى رغم ما تعرضت له هيئة التفاوض من محاولات إرغامها على تجاهل تنفيذ هذه الالتزامات التي حددها قرار مجلس الأمن وترحيل الحديث فيها إلى مرحلة التفاوض، فإن الهيئة أصرت على ألا تبدأ المفاوضات قبل الوفاء بهذه المرحلة التي نصت عليها البنود 12 و13 من القرار، وقد أرسلت إلى المبعوث الدولي رسالة تحمل هذا الإصرار فجاء جواب «ديمستورا»، مؤكداً حق المعارضة بمطالبها الإنسانية واعتبرها فوق التفاوض. ولكن تعنت النظام ورفضه للتنفيذ مع نصائح من بعض الدول الداعمة بإهمال الملف الإنساني، جعل هيئة التفاوض تستشعر عدم جدية المفاوضات، فالعاجزون عن إدخال مواد غذائية للمناطق المحاصرة وإنقاذ آلاف الأطفال والمسنين من الموت جوعاً سيكونون أكثر عجزاً حين يأتي الحديث عن هيئة حكم انتقالية! ولكن أصدقاءنا سرعان ما تدخلوا قبل أن تعلن الهيئة انسحابها ما لم تنفذ دول مجلس الأمن قرارها، وقدم جون كيري تعهداً بأن يتم تنفيذ ذلك مع الذهاب إلى جنيف، وكذلك فعل عدد من وزراء خارجية الدول الصديقة، وشجعوا المعارضة على الذهاب، وقلنا حسناً نذهب، ليرى العالم كله جديتنا في الإقدام على الحل السياسي، ولنختبر الإرادة الدولية ونكشف زيف سلوك النظام وإصراره على الحل العسكري.
وقد انتظرنا في جنيف أياماً بدأ خلالها التباحث مع «ديمستورا» حول آليات تنفيذ مرحلة ما قبل التفاوض، ولكن تصريحات وفد النظام جاءت ساخرة ومستهزئة بالعملية السياسية كلها، حيث أعلن رئيس الوفد أن لديهم في النظام «قرآناً غير قرآن المسلمين»! وأن سورة «الفاتحة» تقول «لا تفاوض»! وقد منح «آيته» إمعاناً في السخرية حين قال بعدها «صدق الله العظيم»!.. وقد كان هذا الاستخفاف بآيات القرآن الكريم والاعتداء على مشاعر المسلمين لتأكيد رفض التفاوض، كافياً لكي نفهم استحالة قبول النظام بشيء من قرار مجلس الأمن.. وبتنا نشعر بأن المجتمع الدولي يقف عاجزاً عن تنفيذ وعوده والوفاء بالتزاماته، على رغم ما نجده من سفرائه ووزرائه من تعاطف وإقرار بمشروعية مطالبنا، وبكونها مطالب قرار مجلس الأمن ذاته.
وقد كانت الجلسة الختامية مع «ديمستورا» أمس الأول مكاشفة صريحة وشفافة عبر فيها المبعوث الدولي عن عجزه أمام رفض النظام تنفيذ المطالب الإنسانية، وكان تصعيد الهجمات الروسية على المدن والقرى الروسية بمثابة الرد على مطالب الشعب السوري، ففي حين نطلب إنهاء الحصار على مضايا والمعضمية وداريا والغوطة ودير الزور وسواها من المناطق يبدأ الروس بحصار حلب، ودرعا، وتتصاعد أعداد الموتى من المدنيين تحت الأنقاض، ويكفي أن نذكر أن روسيا نفذت 215 طلعة جوية لقصف حلب وريفها في يوم واحد.
وأمام هذا الإعلان عن العجز الدولي والرضوخ العالمي للغطرسة الروسية كان لابد من أن نعلن وقف المفاوضات، وقد طلب «ديمستورا» ألا نعلن انسحاباً كي لا تقتل العملية السياسية، وقال إنه سيرفع الأمر إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن وسيدعو المجموعة الدولية الداعمة لاجتماع يعرض فيه ما حدث.
لقد تعرضت سوريا لعدد ضخم من الغزوات الخارجية كان أخطرها في تاريخنا الغزو المغولي والغزو الصليبي، ولم تتمكن تلك القوى العظمى من قهر إرادة الشعب، وأتوقع أن تبدأ مرحلة جديدة هي الكفاح الشعبي المسلح للتخلص من الاحتلالين الإيراني والروسي، ومن طغيان حكومة الديكتاتورية والاستبداد.
*نقلاً عن “الاتحاد” الإماراتية
روسيا – تركيا: لماذا تقرع طبول الحرب؟/ عبد القادر عبد اللي
لم يكن لافتاً تصريح الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشنكوف، بأن “الأحداث الأخيرة على الحدود التركية-السورية، تُظهر نوايا أنقرة في الاستعداد لتوغل عسكري في سوريا”، بل إن كوناشنكوف كان متأكداً: “لدينا أسباب جدية للشك في إعداد مكثف من قبل تركيا لغزو عسكري داخل أراضي الشمال السوري”. فمنذ أسابيع وبعض الصحف والمواقع الإخبارية تنشر أخباراً نقلاً عن “مسؤولين يرفضون ذكر أسمائهم” حول استعداد تركيا لدخول الأراضي السورية، ولكن هل تستطيع تركيا الدخول فعلاً؟
صحيح أن تركيا تقول إن موقفها من النظام السوري ودعمها للشعب السوري هو موقف إنساني، ولكن الأعمى يرى أن تأسيس إمبراطورية إيرانية من الصين إلى البحر المتوسط جنوبي تركيا هو ضرب للمصالح التركية في العمق. فالسياسة قبل كل شيء مصالح، يمكن أن تغلف هذه المصالح بالدين أو الإنسانية أو الأخلاق أو أي قيمة سامية أخرى.
طالما أن مصلحة تركيا هي إسقاط النظام السوري، وتأسيس نظام غير تابع لإيران، على الأقل، فلماذا لا تتدخل عسكرياً في سوريا؟ لندع التدخل جانباً، فتركيا حتى الآن لم تجرؤ على خرق الحظر المفروض دولياً على المجموعات المسلحة، والمعتدلة منها، بخصوص مضادات الطيران. وحتى فترة قصيرة، كان هذا السؤال أكثر ما يثير الاستغراب لدى المراقبين، ولكن تصريحات الولايات المتحدة الأميركية ومواقفها الأخيرة بددت كل الغيوم، وبانت السماء تماماً، فليس هناك خلاف كبير بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران في القضية السورية. ولعل الولايات المتحدة كانت تقدم مادة لما يسمى بـ”الممانعة” فقط بقولها إنها تدعم الشعب السوري.
فقد كان الرئيس الأميركي باراك أوباما، أسبق من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في عدم السماح لتركيا بدخول الشمال السوري، وقال ذلك علناً، حسماً للجدل المستمر على مدى أكثر من سنتين حول تشكيل مناطق آمنة في الشمال السوري.
تركيا منذ اليوم الأول، وفي تصريحاتها النارية، وخطوطها الحمر كانت دائماً ما تضمّنها شرط الموافقة الدولية. طبعاً الموافقة الدولية ليست من “مجلس الأمن” فهي تدرك أن هذا الأمر مستحيل، بل حلف “شمال الأطلسي” والولايات المتحدة الأميركية. وجهدت تركيا كثيراً للحصول على غطاء من أجل الدخول، وكثيراً ما ماطلت هاتان الجهتان -بالأحرى الولايات المتحدة. ولكن الإلحاح التركي، جعلها “تبق البحصة” على لسان الرئيس الأميركي شخصياً في مؤتمر “قمة العشرين” قبل شهور قليلة في مدينة أنطاليا التركية، بأن واشنطن غير موافقة على دخول تركيا إلى الأراضي السورية براً، وأن الدخول البري غير مجدٍ. علماً أن الولايات المتحدة الأميركية دخلت برياً، وحتى إن هناك من صوّر مهبطاً للطائرات على الأرض السورية قيل إنه تابع للولايات المتحدة الأميركية، ولم تنفِ الولايات المتحدة هذا الخبر حتى الآن على الأقل.
القضية السورية شكلت عبئاً ثقيلاً جداً على تركيا، فلا يمكن فصل ما يجري على أرضها الآن من صراع سياسي وعسكري بمعزل عن القضية السورية، وبالأحرى بمعزل عن التنافس التركي-الإيراني، إذ مازالت تركيا تسميه تنافساً، ولكن إيران لا تتوانى عن تسميته صراعاً، وحرباً، ولا تخفي رغبتها بإسقاط الحكومة التركية الحالية، وبذلت في هذا الخصوص كثيراً من الجهود، وهناك أسباب موضوعية كثيرة أدت إلى فشلها حتى الآن.
تركيا قبل الدخول الروسي، وعندما كان الجو مناسباً أكثر، ولم تكن مواقف الولايات المتحدة بهذه الصراحة، رفضت تحمل وزر الدخول إلى سوريا وحدها، فما الذي يجعلها تدخل الآن بعد وجود عدو مثل روسيا حمل أعباء النظام بالنيابة عن كل الداعمين له سراً وعلانية، ويدعم كل من يعادي تركيا؟
بعد رفض الولايات المتحدة التحالف مع تركيا أو دعمها بالدخول براً لتأسيس منطقة آمنة، بحثت تركيا عن حلفاء آخرين يسدون الثغرة، ووجدت فرنسا وبريطانيا، وبالطبع هناك السعودية وقطر إقليمياً ولكن فرنسا بعد العمليات الإرهابية التي اجتاحتها تراجعت عن الفكرة، وبعد تراجع فرنسا، التزمت ريطانيا الصمت، فهل يمكن أن يحدث أمر كهذا مع السعودية فقط؟
السعودية انشغلت باليمن، وهي تدعم موقف تركيا، ولكن تركيا في الوقت نفسه كما قال رئيس الحكومة: “نحارب ثلاث منظمات إرهابية، هي داعش وحزب العمال الكردستاني وجبهة التحرر الشعبي الثوري”، وبمعنى آخر هي في أحرج وقت تعيشه في تاريخها الحديث، وهي بحاجة لدعم أكبر من دعم السعودية، وتريد أن يكون ظهرها مسنوداً بـ”الناتو” الذي لا يرى في القضية السورية تهديداً له، ولا يهمه إذا قتل حتى بضعة ملايين من السوريين، فهل يتحرك لبضعة مئات من الألوف؟
تركيا دولة صاعدة في المنطقة، واقتصادها بعكس ما تتوقع روسيا، فكل يوم يقول الروس إن الليرة التركية تتهاوى، ولا شيئ كهذا يحدث، حتى إن الأسبوع الأخير فقط شهد ارتفاعاً لليرة التركية مقابل الدولار وصل إلى خمسة عشر قرشاً، بينما الأخبار الروسية تقول إنها خسرت نسباً خيالية.
بماذا ردت أنقرة على تصريحات الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية؟ كان ردها عبارة أكثر من يحفظها هم السوريون: “روسيا بادعائها هذا تحاول أن تبعد الأنظار عن الجرائم التي ترتكبها في سوريا. تركيا تحتفظ بحق اتخاذ كل الإجراءات التي تراها مناسبة لحماية أمنها”.
المدن
روسيا تريد “دويلة للنظام”/ ابراهيم حميدي
حذر وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند من خطة روسية لسحق المعارضة السورية وتقوية «داعش» وتقويض امكانية بقاء سورية موحدة وتأسيس «جيب للنظام» (دويلة) في شمال غربي البلاد واستخدام العملية السياسية كـ «ورقة تين» للتغطية على خططهم الحقيقة.
وقال في حديث الى «الحياة»: «لدى الروس نفوذ على النظام. بوضوح، بإمكانهم استخدامه بطريقة ايجابية في المجال السياسي إذا أرادوا. السؤال الكبير: هل هذا ما يريدون؟ هل يريدون دفع العملية السياسية الى الأمام؟ هل يريدون اجراءات بناء الثقة تؤدي الى وقف للنار؟ هل يريدون حلاً سياسياً أم يريدون تغيير التوازن على الأرض وإنجاز حل عسكري وتأسيس دولة صغيرة (جيب جغرافي) للنظام في شمال غربي سورية؟».
وأضاف: «ما هو الهدف النهائي لروسيا؟ لا نعرف. لكن ما نعرف ان ما يقومون به على الأرض، ليس مصمماً لتحقيق هدفهم المعلن وهو محاربة «داعش». معظم هجماتهم هي ضد المعارضة المعتدلة وفصائل أخرى غير «داعش». دعمهم المتواصل لنظام (الرئيس بشار) الأسد، يدفع المزيد والمزيد من السنّة المعارضين الى احضان «داعش». هم يقوون «داعش» ولا يضعفونه».
وسئل هاموند عن صحة قوله إن الروس يسعون الى «دويلة علوية» في حين ان الغالبية في مناطق النظام هي سنّية، فأوضح: «كنت اتوقع انه ربما بات النظام يرمي الى هدف محدود وهو تأسيس جيب (دويلة) في شمال غربي سورية في قلب مناطق النظام أكثر من البحث عن استعادة كامل الأراضي السورية. اذا كان هو الهدف، هذا ليس متوافقاً مع رأي اميركا وبريطانيا ودول الخليج وهو الابقاء على وحدة سورية وضرورة استعادة المناطق من داعش».
وتابع ان الرئيس فلاديمير بوتين يترك خياراته مفتوحة اي «ترك المسار السياسي قائماً من دون تقدم ملموس، تدخل عسكري مستمر لتغيير ميزان القوة على الارض لمصلحة النظام واستعادة المزيد من الاراضي، استخدام العملية السياسية كورقة التين، وتركها كخيار بديل. في حال لم تحقق العملية العسكرية اهدافها، سنرى ان الروس سيعودون الى المسار السياسي مستقبلاً»، مضيفاً انه «اذا ارادت روسيا صفقة سياسية، يمكن ان تقوم بذلك فوراً. لديها القوة لفرض الضغط على النظام ولديها القوة لفرض الضغط الأقوى على الأسد لديها القوة للتأثير على الدول الأخرى في «المجموعة الدولية لدعم سورية» للوصول الى صفقة تحافظ على نفوذ ومصالح روسيا في سورية. لكن يبدو ان روسيا تريد حالياً ان تعرف المدى الذي يمكن ان تصل اليه الحملة العسكرية التي تقوم بها ضد مناطق المعارضة والمدنيين». وحذر من ان «الروس يسعون الى سحق المعارضة وسحق الأمل بمسقبل سورية. هذا ليس ما كانوا يقولونه في بداية العملية. العالم سيراهم انهم حماة الأسد وليسوا محرري الشعب السوري».
الحياة
حل تمليه القوة/ ميشيل كيلو
للمرّة الألف، ليست روسيا راغبةً في حل يطبق قرارات مجلس الأمن الدولي التي سبق أن وافقت عليها، وخصوصاً منها وثيقة جنيف، والقرار 2118 الخاص بتطبيقها. ولكن، لديها حل للمعضلة السورية من شعبتين: واحدة سياسية، تقترح دمج معارضين في النظام الأسدي الذي يمكن لصورته أن تشهد بعض التبدل، لكي تستمر بنيته في شكلها الحالي. وأخرى عسكرية، تريد سحق الجيش الحر والقضاء عليه، وتحقيق حل عسكري صرف، ليس فيه أي طرف آخر غير النظام. لن يبقى بعده أي التباس حول هوية المنتصر، يجري تطبيقه منذ أربعة أشهر ونصف الشهر، بعنفٍ لا هوادة فيه، يطاول جميع المناطق التي يمسك بها الجيش الحر أو رابط فيها، والتي فتح الجحيم الروسي شدقيه، وصبَّ عليها ناراً تحرق آلاف السوريات والسوريين شهرياً، جلهم من المدنيين الذين تنقض عليهم صواريخ وقنابل تطلق عن قرب، ومن آلاف الكيلومترات، لا تترك لهم زرعاً أو ضرعاً، وتدمر ما ومن نجا من إجرام أسدي استهدف الشعب، طوال فترة ما بعد الثورة.
واليوم، يقول وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إن بلاده “لن توقف عملياتها الجوية قبل تحقيق الانتصار على الإرهابيين”. ويضيف، بلغةٍ مفعمة بالسرية والغموض، إن لدى موسكو أفكاراً بشأن وقف إطلاق النار لن تفصح عنها قبل مناقشتها مع الأميركيين الذين يبدو أن موافقتهم عليها ضرورية، لتنفيذها تحت عباءة تفاهمهما على سير الأمور في بلادنا، الأمر الذي يفسر صمت واشنطن على غزو الجيش الروسي سورية، واحتلاله مناطق بنى قواعد جوية في غربها البعيد عن سيطرة داعش، وبقيامه بقصر حربه على الجيش الحر. قال لافروف بصراحة: لن يكون هناك حل سياسي، وأكد بتبجح أن العمليات العسكرية الروسية ستستمر حتى تحقيق الانتصار على الإرهابيين، أي على الجيش الحر. هدف قصف سلاح الجو الروسي الذي يركز كل طاقته عليه، ولم يستهدف، ولو بالخطأ، تنظيم داعش على بعد كيلومترات قليلة من مواقعه شمال حلب، بما أن التنظيم يسهم، هذه المرة أيضاً، في حصار مقاتلي الثورة وحشرهم بين فكي كماشةٍ، طرفها الآخر جيش النظام، شريكه الذي يفيد من وجوده ودوره في مناطق المعارك الحاسمة، حيث يضغط، بكامل قوته، على الثوار، ويهاجمهم ويقطع طرق إمدادهم ويضيق الخناق عليهم، ويخفف ضغوطهم عن جيش الأسد ويقوّض مقاومتهم له، بينما تشارك قوات سورية الديمقراطية “جداً” في المعارك، إلى جانب الروس والإيرانيين وتابعهيم. وتتولى احتلال المناطق التي تخطط لإقامة كيان عنصري ومعادٍ للعرب والكرد، وسواهم من السوريين فيها، فما يجري من معارك وتقاسم أدوار لا يقيم وزناً لمؤتمر جنيف الذي يعقد بإدارة شخصٍ، اسمه استيفان دي مستورا، ومتواطئ كبير على شعب سورية وثورته هو جون كيري، وكذاب هو بشار الجعفري، لقلوق المخابرات الإيرانية ومرتزقتها.
ليس في مخططات الروس والإيرانيين تطبيق ولو قرار واحد من القرارات الدولية الخاصة بتحقيق حل سياسي في سورية. في المقابل، هم يطبقون حلاً عسكرياً تمليه قوة مفرطة جداً تستهدف جدياً وجود الشعب السوري، لن تقوى أية نزعة سلمية على التصدي لها، ولا بد من الرد عليها بقوة وطنية منظمة، ومبنينة، تنبع من تصميم الشعب على بلوغ حريته. أما “جنيف” الذي يدمره الروس، عن سابق عمد وتصميم، بقنابلهم، وتلقي تصريحات مسؤوليهم في سلة المهملات بالقرارات التي يقال إنه سيتم تطبيقها، لبلوغ حل سياسي، فإنه سيبقى وراءنا، إلى أن نعيد ترتيب أوضاعنا ونصد غزاة وطننا، من مرتزقةٍ روس وإيرانيين، ويتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود في ميادين القتال.
العربي الجديد
مسخرة روسية في جنيف/ بشير البكر
منذ بدايتها، لم تكن هناك مؤشرات على أن مباحثات جنيف سوف تفضي إلى حل للقضية السورية، يتكلل بتحقيق مبادئ جنيف 1 التي نصت على إقامة هيئة حكم انتقالي ورحيل بشار الأسد، بل إن حصيلة خمسة أيام من اللقاءات لم تكن مبشرة، في وقت جرى التعويل عليها لتكون مدخلاً لمفاوضات تدوم حتى يوليو/تموز المقبل، على أن تضع هيكلية تسوية بين المعارضة والنظام.
كان هناك طرف معطل، وأطراف تتفرّج أو تكتفي بالتصريحات والبيانات الإعلامية. والطرف المعطل بشهادة الجميع هي روسيا، صاحبة القرار الأول والأخير في سورية، وتبين خلال الأيام القليلة من المباحثات أن المفاوض عن معسكر النظام السوري هو نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، أما من يحمل صفة رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، فليس أكثر من كومبارس يتم تلقينه الدور الذي يلعبه.
قامت استراتيجية الروس على رفض وقف إطلاق النار، واللجوء إلى التصعيد العسكري، لإيصال رسائل واضحة إلى قاعات المباحثات، فحواها أن الحديث للميدان أولاً. وقد تمكنوا، قبل انعقاد جنيف بوقت وجيز، من تحقيق إنجازات ميدانية لصالح النظام على جبهات الجنوب والساحل وحلب. وفي كل يوم يمر، صاروا يقضمون جزءاً أساسياً من الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة التي وافقت على الدخول في عملية جنيف، في حين أنهم يحيدون داعش حتى الآن. ومن معاينة خط العمليات العسكرية وخططها، يتبين أن اتجاه الروس هو استعادة ما يعرف بسورية المفيدة من يد المعارضة، الأمر الذي تحدث عنه وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، صراحةً، عندما قال، يوم الثلاثاء الماضي، إن الروس يعملون لإقامة “دويلة علوية” لبشار الأسد. ولكن، لكي تعيش هذه الدويلة، لا بد أن تشمل رقعتها كل مصادر الثروة.
رفض الروس إدخال المساعدات، واستمرت حرب التجويع، بل استخدموا الغذاء والدواء أسلحة قتل، فمن لا تصل إليهم صواريخ الطائرات والبوارج الروسية، يتم قتلهم عن طريق الحصار ومنع الغذاء والدواء. ووصل العار الروسي إلى حد معاملة المدنيين على نحوٍ يقارب الممارسات النازية في الحرب العالمية الثانية، بتسوير بلدةٍ مثل مضايا بالأسلاك الشائكة. ولم يحرج الروس أن مدينةً، مثل دير الزور، يحاصرها طرفان، النظام وداعش، بحيث يمنعان عن قرابة نصف مليون مدني الطعام والدواء.
تصرّف الروس تجاه جنيف باستهتار شديد، واستخدموه ورقة مناورة، لرفع الحرج عن أنفسهم وعن النظام. ولذا، وضعوا شروطاً تعجيزيةً، قبل أن يتراجعوا عنها، مثل تشكيلة وفد المعارضة، وكشف عدم تمسكهم بمشاركة الوفد المحسوب عليهم في الأيام الأولى من جنيف عن حساباتٍ سياسيةٍ دقيقة. ولذلك، أوعزوا إلى كل من هيثم مناع وصالح مسلّم بأن يتريثا قليلاً، وأقنعوهما بأن دورهما سيأتي لاحقاً، أي بعد أن تكون روسيا قد أنهت وجود المعارضة على الأرض. وطالما أن عملية جنيف ستمتد حتى يوليو، فسيكون مناع ومسلم من رجالات المرحلة اللاحقة التي سيتم تكريسها لمحاربة إرهاب داعش.
ليس هذا مخططاً من وحي الخيال، بل حصل علانية في جنيف، ويقوم به الروس في الميدان. ومن المؤسف أن هذا المخطط يتقدم بسرعة شديدة، على وقع الخطب الإنشائية لوزير الخارجية الأميركية، جون كيري، والتصريحات العنترية لحلفاء المعارضة الذين لم يسلحوها بالسلاح النوعي، من أجل الدفاع عن المناطق التي تسيطر عليها.
ولا يقل المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، تواطؤاً عن كيري، حين يقدم ضمانات للمعارضة من أجل حضورها للمحادثات، ثم يعلن تعليقها من دون تحميل الروس المسؤولية عن فشلها.
هناك درس بسيط جداً من فشل الجولة الأولى من جنيف، هو أن عودة المعارضة إلى المباحثات من دون استعادة المبادرة العسكرية لا جدوى منها، وهذا الدرس للسعوديين والأتراك، قبل الهيئة العليا للمفاوضات.
العربي الجديد
بين “بنادول” الجعفري و”الفيتو” التركي/ خورشيد دلي
حقيقة، وخلافاً لموجة الردود الساخطة والمندّدة من مثقفين وسياسيين كرد، لا أعرف هل ينبغي توجيه الشكر إلى رئيس وفد النظام السوري إلى مفاوضات جنيف، بشار الجعفري، عندما قال إنه ينصح بتناول حبة بنادول لمن يريدون تقسيم سورية، في إجابته عن سؤال لمراسل قناة روداو الكردية، بشأن مطالب كرد سورية بالفيدرالية، فالثابت، في كلام الجعفري، أن تصريحه، وإن حمل شيئاً من السخرية والاستهزاء، إلا أنه لم يخرج عن موقف النظام من القضية الكردية، بل وعن القرارات الدولية، إذ هناك 13 قراراً دولياً صادراً عن مجلس الأمن الدولي، تؤكد جميعها الحفاظ على وحدة سورية. وأبعد من هذا، فإن موقف المعارضة السورية المتمثلة بالائتلاف لم يختلف كثيرا عن موقف النظام، لجهة رفض مطلب الفيدرالية، إذ رفض في أثناء انضمام أحزاب من المجلس الوطني الكردي إليه إدراج هذا المطلب في وثيقة الانضمام، بل ظل على الدوام يرفض مثل هذه المطالب، وينتهج سياسة التأجيل، بحجة أن مثل هذه القضايا يجب أن تُبحث لاحقاً.
ربما أراد الجعفري القول، وبطريقة غير مباشرة، إن الفيدرالية مجرد وهم، ويجب نسيانه. وهنا، ينبغي، وللإنصاف، القول مرة أخرى، إن الحق ليس على الجعفري، بل على الكرد، إذ إن شكل وجودهم في جنيف يعبر عن الطريقة الكارثية لممارسة الكرد السياسة، عكس ممارستهم القتال على الأرض، فبدلاً من أن يكونوا وفداً واحداً، وبرؤية واحدة، يطرحون مطالبهم على الجميع، نجدهم مقسمين بين وفدي النظام والمعارضة ووفد مجلس سورية الديمقراطية. ولو كان هناك وفد رابع لوجدنا فيه ممثلين عن الكرد. هل هي لعنة الانقسامات السياسية والحزبية التي دمرت الكرد قبل كل شيء وتلاحقهم أينما كانوا؟ سؤال ربما تجد الإجابة عليه في وجود قرابة خمسين حزباً كرديا اليوم في سورية (هل من تفسير منطقي لهذا العدد الخرافي؟)، وكذلك في الانقسام الشديد الحاصل بين مجلس غربي كردستان، المحسوب على النظام السوري وإيران وروسيا، والمجلس الوطني الكردي المحسوب على إقليم كردستان وتركيا.
وعند الحديث عن تركيا، لا بد من التطرق إلى الاستماتة الكبيرة التي أبدتها أنقرة لمنع حزب الاتحاد الديمقراطي من المشاركة في جنيف، وهل كان مثل هذا الإصرار ينسجم مع الشعارات التركية التي قالت، وتقول، إن جميع السوريين يجب أن يشاركوا في مستقبل سورية، بل هل كان الموقف التركي في صالح تركيا نفسها؟ ربما حجة تركيا أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. ولكن، ألم تدخل الحكومة التركية نفسها في حوارٍ مع حزب العمال الكردستاني؟ وإذا ما أدركنا أن حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري “وحدات حماية الشعب” يسيطر على معظم المناطق الحدودية السورية مع تركيا، ألم يكن من مصلحة تركيا الانفتاح على هذا الحزب والتعاون معه، سواء لمواجهة تعاظم خطر داعش عليها كما تقول، أو حتى لوضع هذا الحزب تحت الاختبار، لجهة التأكد من وجود علاقة بينه وبين النظام؟ مع أن المؤتمر لا يوحي بأي أمل لإنهاء المأساة السورية المفتوحة، إلا أنه بين “بنادول” الجعفري في جنيف و”الفتيو” التركي قبل جنيف. ثمّة لعنة تلاحق الكرد، وهي خسارة ما يكسبونه على الأرض في محافل السياسة وغرفها المغلقة، وإلا كيف يمكن تفسير أن الدعم الأميركي والروسي الكبير لحزب الاتحاد الديمقراطي لم ينجح في وضعه على طاولة جنيف؟ لعل الجواب يأتي في سياق السياسة القديمة، التي تقوم على استخدام الكرد ورقة أمنية في هذا الظرف أو ذاك، إلى أن تتقلب دورة الأقدار على وقع المصالح الدولية، فتتكرّر المأساة الكردية التي تحدث عنها الشاعر الكردي الراحل، شيركو بيكس، كثيراً وطويلاً.
العربي الجديد
خطة موسكو العسكريّة للتفاوض/ عبدالناصر العايد
تنطلق خطة روسيا في عملية التفاوض السورية الجارية في جنيف الآن من بديهيتين: الأولى، عدم قدرتها على حسم الصراع عسكرياً لمصلحة نظام الأسد، وجلّ ما تطمح إليه هو تحسين وضع قواته وليس تحطيم الثورة، وتحتاج لإنجاز ذلك إلى عمل مختلط عسكري وسياسي واستخباراتي، وهذا يقتضي بعض الوقت. والثانية، أن المفاوض الذي لا يقف خلفه مقاتل مفاوض ضعيف، لذلك تركز جهودها على جبهات الصراع لتحييد قوى المعارضة المقاتلة، باستخدام القوة الجوية الروسية المتفوقة، التي تقوم بعملها في منتهى الشراسة، مستفيدة من ضباب العملية التفاوضية وتحت غطاء مهلتها الزمنية، لانتزاع أنياب المعارضة السياسية ومخالبها بالتدريج، وإضعافها وترويضها تمهيداً لاستسلامها، الذي قد يأتي بصيغة نصف انتصار على مائدة التفاوض، على أن يكمل النظام عملية الإجهاز على الحالة الثورية شيئاً فشيئاً، بأساليبه وأدواته الخاصة.
وقد بدأت تتّضح في الأيام الأخيرة ملامح الخطة العسكرية الروسية في سورية، التي تركز على فصائل الثوار والقوى الإسلامية، وتستهدف قياداتها ومفاصل قوتها ومواقعها الأكثر استراتيجية. فالتوسع جارٍ لقضم مواقع الجيش الحر في الجبهة الجنوبية، وهي أقوى حصون ما يوصف بالمعارضة المعتدلة، وتحرك القوات الروسية على جبهة الساحل لتخفيف الضغط على النظام في هذه المنطقة الحساسة، كما تقوم بزج مزيد من الميليشيات حول حلب شمالاً لقطع خطوط الإمداد قرب الحدود التركية، التي تشكل المتنفس الوحيد للثوار، وأخيراً تستخدام أسلحة التدمير الفائقة ضد تجمعات المدنيين المؤيدين للثورة، وترتكب في حقهم المجازر الجماعية، لخفض المناعة الذاتية للمجتمع السوري، والحد من دعمه الثوار، بإشاعة حالة من الرعب واليأس بين صفوفه.
يجري ذلك كله بالتزامن مع عملية إعادة هيكلة لقيادات جيش النظام، وتنظيم صفوفه وأولوياته العسكرية مجدداً، من دون المغامرة بنشر قوات على مساحات شاسعة قد تجعلها عرضة لحرب العصابات مجدداً، تلك الحرب التي ابتلعت عشرات الآلاف من مقاتلي النظام من دون جدوى. وبطبيعة الحال، مع استثناء «داعش» من أي مجهود جدي، فهو الفزاعة التي يجب الحفاظ عليها لإرهاب المجتمع الدولي، وتفادياً لجر روسيا إلى حرب أيديولوجية تغيّر مسار الخطة كلياً.
ويتوقع الروس أنهم قادرون في المدى الزمني المقرر للمفاوضات، وهو ستة أشهر، على إنهاء معظم جيوب المقاومة في الجنوب والساحل، وتشتيت فصائل الشمال أو دفعها شرقاً نحو «داعش»، فيما تغلق الفصائل الكردية المتحالفة معها الحدود التركية، وفي ظلّ هذا الوضع سيطرح على ممثلي الثورة العرض الأخير الذي سيكون في مثابة أمر واقع لا بديل عنه، وهو في أفضل الأحوال منح بعض الحقائب الوزارية غير السيادية للمعارضة، مقابل انخراطها في محاربة «داعش» و «جبهة النصرة» تحت إمرة النظام، الذي سيصفي مع مرور الوقت، ومع بقاء السلاح في يده فقط، مخرجات التفاوض الهزيلة، ويستعيد وضعية السيطرة على السوريين مجدداً، بعد كسر إرادتهم.
إزاء هذه الاحتمالات السلبية العالية الإمكانية، ليس أمام المعارضة السورية سوى التمسك بالثوار المقاتلين، ليس بإبقائهم في وفد التفاوض فحسب، بل بتقويتهم من النواحي كافة، والعمل على جمعهم وتوحيدهم في جبهة واحدة، واستجلاب كل دعم ممكن لهم، سواء بالطرق الذاتية أو من معسكر أصدقاء الثورة المتضررين من التدخل الروسي، الذين يجب إقناعهم بأن المفاوضات في الواقع تسير على سكتين متوازيتين، بل إن الخط الديبلوماسي لا معنى له في حال سمح بالقضاء على المكون العسكري للثورة.
ويأتي في الدرجة الثانية من حيث الأهمية، عدم السماح لروسيا باتخاذ التفاوض غطاء لعملها الدموي في سورية، والانسحاب احتجاجاً على هذه النقطة بالذات. فلا يمكن موسكو أن تكون خصماً وحكماً في آن واحد، ونقض العملية الحالية برمتها من خلال المطالبة باستبدال دي ميستورا، الذي اتضح في شكل سافر أنه منحاز الى نظام الأسد وحلفائه.
ويأتي في الدرجة الثالثة من حيث الأهمية، تكوين قيادة سياسية وعسكرية للثورة، على خلفية الرصيد الشعبي والسياسي الثمين الذي أحرزته الهيئة العليا للمفاوضات، واتساع المشاركة فيها الذي شمل قوى سياسية وعسكرية للمرة الأولى، ما يمكنها من المناورة استراتيجياً في المضمارين العسكري والسياسي، عبر إطلاق حرب تحرير شعبية، تخوضها المعارضة السياسية جنباً إلى جنب مع القوى العسكرية الموحدة، وانتظار تغير الرياح المحلية والإقليمية والدولية. فالحقيقة الساطعة اليوم، أن مصير الفصائل المسلّحة هو الإبادة بالتقسيط إذا ما بقيت على تشتّتها، فيما ينتظر قوى المعارضة السياسية صك الخنوع على طاولة جنيف إذا ما بقيت على ما هي عليه من قصر نظر، وتنافس مدمر على سلطة قد لا يحصل عليها أي من تلك القوى إطلاقاً.
* كاتب سوري
الحياة
هل ستنجح المفاوضات السورية؟/ سلامة كيلة
بدأت المباحثات حول سورية مساء 29/1، وقرّر وفد المعارضة المفاوض المشاركة في “اللحظة الأخيرة”، بعد أن حصل على “تعهدات” من أميركا، ومن مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، تعلقت بتأكيده على تطبيق المسائل الأولية التي وردت في قرار مجلس الأمن رقم 2254، والتي تتعلق بوقف قصف المدنيين واستخدام البراميل المتفجرة، ووقف حصار المدن، وإطلاق سراح النساء والأطفال المعتقلين. بمعنى أن الوفد ظل متمسكاً بأن تتحقق هذه البنود من القرار الأممي، قبل بدء المباحثات، كونها “فوق تفاوضية”، كما ينص القرار، وملزمة بصفتها هذه.
هل سيتحقق ذلك قبل بدء المباحثات؟ وهل سيستمر وفد المعارضة فيما إذا لم يتحقق؟ هذه مشكلة أولى يمكن أن تستغرق أسابيع، وربما أكثر قبل أن تتحقق، أو ربما لن تتحقق. وبذلك، تُلاحظ المباحثات من زاويتين، تتعلقان بالموقف الروسي وبالوفد المرسل من النظام، وما يمكن أن يطرحه، أو يقبل به، وهو الممثل لنظام يرفض مبادئ جنيف1، التي من المفترض أنها أساس المفاوضات، على الرغم من السعي الروسي إلى تهميشها، من خلال بياني فيينا 1 وفيينا 2، وحتى في قرار مجلس الأمن نفسه.
لهذا، يبدو أن مصير المفاوضات متوقف على ما يريده الروس منها، وحدود دور النظام الذي بات خاضعاً لسيطرة روسية كذلك. فهل يريد الروس إنجاح المفاوضات، أو أنهم يعتبرونها “تضييعاً” للوقت من أجل تحقيق تغيير جوهري على الأرض، يفرض ما يقرّرونه هم، بغض النظر عن موقف المعارضة، وموقف “الدول الداعمة” لها؟ الجواب على هذا الأمر يفضي حتماً إلى الإجابة عن المسألة الأخرى التي تتعلق بالنظام.
فروسيا تعمل على صياغة المفاوضات السورية، حيث إنها تحاول فرض “معارضة” تستنسبها لمحاورة النظام هي، في الواقع، ليست معارضة، لأنها تتشكل من قوى لم تكن مع الثورة، وظلت على علاقة مع النظام، مثل جبهة التحرير والتغيير التي شارك زعيمها في الحكومة بعد الثورة بعام تقريباً، وخرج منها لكي يُصنَّع كمعارضة، ومثل حزب الاتحاد الديمقراطي الذي ظل على علاقةٍ مع النظام، وتسلّم المناطق في الجزيرة السورية منه، وكل همه هو السيطرة على المنطقة، وفرض سلطة “كردية” عليها، وآخرون يريدون أدواراً أو موهومون. كما أن روسيا تأتي بالنظام نفسه الذي يرفض الحل أصلاً، ويركّز كل نقاشه على “الحرب على الإرهاب”، باعتبار أن هذا هو الهدف الأساس من المفاوضات، على أن يفسح لمشاركة المعارضة في حكومةٍ موسعة. وهي الصيغة التي توافق روسيا عليها، وتعمل على فرضها كما يبدو.
تتمثل المشكلة في أن جنيف يُعقد بناءً على القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن، القرار
“تقوم القوات الروسية التي تقصف وتقاتل على الأرض بمحاولة سحق الثورة، مع تلهي العالم بالمفاوضات” الذي أكد على “الوقف الفوري” للقصف بالبراميل المتفجرة وقصف المدنيين، ورفض حصار المدن وفك الحصار عنها. وهو القرار الذي وافقت روسيا عليه، وقال النظام إنه وافق عليه كذلك. لكن، حين تجري المطالبة بالتقيّد بذلك، قبل بدء المفاوضات يُعتبر ذلك “شروطاً مسبقة”، على الرغم من أنها قرار أممي يُفترض أن الموقعين عليه يلتزمون به على الأقل. لكن روسيا لا تلتزم بذلك، وبالتالي، ما أهمية مفاوضاتٍ لا يجري الالتزام بأساساتها، أي بالمطالبة بالوقف الفوري لقتل المدنيين وحصارهم. فهي مستمرة في القصف والقتل، وبتغيير ميزان القوى على الأرض، عبر كسب مناطق كانت خارج سيطرة النظام، وتسيطر عليها كتائب مسلحة.
أن تجري المفاوضات في ظل استمرار القصف والقتل والحصار والاعتقال هو السياسة التي تتبعها روسيا، وهو ما يعني أنها لا تريد مفاوضات جادة، ولا تسعى إلى تحقيق حل سياسي، فمن يرد الوصول إلى حل يقم بخطوات “ثقة”، خصوصاً أنها واردة في قرار أممي وافقت عليه. لهذا، يمكن القول إن روسيا تريد التفاوض “تحت القصف” لكي تحقق منظورها الذي يقوم على بقاء النظام بما فيه بشار الأسد، ودمج بعض أطراف المعارضة في النظام ضمن “حكومة وحدة وطنية”، وتكريس وجودها العسكري ومصالحها الاقتصادية والإستراتيجية التي ستنطلق منها، لمحاولة الهيمنة على “الشرق الأوسط”.
هنا، ليس من معنى للمفاوضات، لأنها غطاء على سياسات فعلية تريد الحسم العسكري. وربما تكون مدخلاً لصنع “معارضة” تصبح هي المفاوض مقابل النظام القائم، وتقبل الصيغة المطروحة. وهذا يعتمد على الوضع على الأرض، أي على تغيير ميزان القوى العسكري، عبر القضم المستمر لمواقع قوى الثورة.
وإذا كانت روسيا تعمل على تصنيع معارضة، وتهميش المعارضة القائمة، والتي باتت تشارك معها كتائب مسلحة، بعضها أصولي، فإن ما جاءت به روسيا هو وفد بشار الأسد، الوفد الذي يمثل المجموعة المسيطرة على النظام، والتي قررت، منذ البدء، “خوض الصراع إلى النهاية”، وترفض أي حل وسط، بل تتمسك بإخضاع الشعب، حتى وإنْ أدى ذلك إلى قتله وتدمير البلد. وهو يعلن رفض الحل السياسي، ولا يعترف بمبادئ جنيف1، ولا بالمعارضة سوى من يقبل أن يشارك في “حكومة وحدة وطنية”.
مشاركة هذا الوفد تعني أن لا طائل من المفاوضات، وأنها عبثية، لأن وفد النظام سوف يعود كما فعل في مؤتمر جنيف2 إلى التركيز على أولوية محاربة الإرهاب، والالتحاق بالنظام لتحقيق ذلك. وبالتالي، سوف تكون المفاوضات “مضيعة للوقت”، بلا نتيجة سوى تمرير الزمن، بينما تقوم القوات الروسية التي تقصف وباتت تقاتل على الأرض بمحاولة سحق الثورة، في ظل تلهي العالم بالمفاوضات، العالم الذي لا يعارض قتل الشعب ولا تدمير البلد، وليس معنياً بمصير الأسد. والعالم هنا يشمل “أصدقاء سورية” أيضاً.
ما يمكن أن يوحي بأن الحل بات ممكناً يتمثل في مسألتين. تتعلق الأولى بوقف القصف والقتل والتدمير والحصار وإطلاق سراح كل المعتقلين، وبالتالي، بدء المفاوضات في “جو مريح”، يعطي الأمل بأن روسيا عازمة على القبول بحل وسط. والثانية الإتيان بوفدٍ يمثل طرفاً في النظام يريد الحل السياسي، ويوافق على مبادئ جنيف1، ويعرف أن بشار الأسد ومجموعته باتا من الماضي. حينها، يمكن توقع نجاح الحل السياسي، وقبول طرفي “الصراع” بحل وسط. فالثورة قبلت بتغيير فئة من النظام، وليس إسقاطه، والنظام قبل مشاركة المعارضة في بناء دولة جديدة، على أسس جديدة، تبدأ بإعادة بناء الأجهزة الأمنية والجيش والقضاء، وصياغة دستور جديد مقدمة لانتخابات حرة.
ما زال الروس لا يريدون الحل الوسط، وهم يعتقدون أنهم قادرون على حسم الصراع وإبقاء النظام، كما راهنت إيران وأدواتها. لكن، لن يكون مصير روسيا مختلفاً، على الرغم من أنها تعتقد أنها قوة عظمى، وتريد وراثة أميركا في السيطرة على “الشرق الأوسط”. ربما سيتحدد مصيرها في سورية لتفشل في تحقيق ذلك.
العربي الجديد
جنيف..والاسطوانة المشروخة/ علي العبدالله
لم تتوقف محاولات روسيا فرض رؤيتها للحل في سوريا، فالى جانب تركيز جهدها العسكري ضد فصائل المعارضة المسلحة، وقصفها العنيف للمدنيين في المدن والبلدات والقرى السورية، سعت الى تفشيل الهيئة العليا للمفاوضات من خلال التحفظ على نتائج مؤتمر الرياض أولا، باعتباره لم يحقق شمولية التمثيل لاستبعاده أطرافا من المعارضة، والطريف في موقفها انها تلح على دعوة الكرد الى المفاوضات، وهي تعني حزب الاتحاد الديمقراطي وتعتبره الكرد، وهو حزب من بين أحزاب كردية كثيرة، لا يغير من تناقضها كونه اكبر هذه الأحزاب وأقواها، وعلى تشكيلة وفدها المفاوض تاليا بذريعة مشاركة ارهابيين فيه، في اشارة الى فصيلي جيش الاسلام وحركة احرار الشام، والعمل على تفخيخه بمعارضين يتبنون رؤيتها السياسية، لخلق تناقضات وشقاق داخله تظهره ممزقاً وغير قادر على عقد اتفاق مع النظام تمهيدا لفرض حلها أو لدفعه الى الانسحاب وتحميله مسؤولية فشل المفاوضات مايبرر مواصلة التدمير الممنهج للمدن والبلدات والقرى وسحق المعارضة المسلحة ودفعها الى الاستسلام.
وقد كانت خطوتها الأخيرة في محاولاتها لفرض شروطها ورؤيتها اعلان بيان وزارة الخارجية، صدر بعد مكالمة هاتفية بين لافروف وكيري، عن وجود اتفاق روسي أميركي على قراءة موحدة للقرار الدولي رقم 2254 هذه القراءة، وفق البيان المذكور، تقول:”انه بموجب ما يطالب به القرار جرى التأكيد على ضرورة البحث التفصيلي خلال المحادثات بين السوريين في موضوع التصدي للإرهاب٬ وتخفيف المعاناة الإنسانية٬ بما في ذلك إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة٬ وكذلك (بحث) التحضيرات لإصلاحات سياسية على أساس التوافق المتبادل بين الأطراف السورية”. فالاولوية، بنظرها، لمحاربة الارهاب، حتى قبل رفع الحصار وفتح طرق لدخول الاغاثة ووقف القصف العشوائي، والبحث في اصلاحات سياسية دون تحديد طبيعة هذه الاصلاحات، ما يجعلها عُرضة للتغيير حسب تطورات المشهد السياسي والعسكري، ودون ربطها بجدول زمني، وهذا يترك المفاوضات مفتوحة زمنيا بحيث يسمح لها وللنظام بمواصلة القصف والتدمير لان القرار الدولي ربط وقف اطلاق النار بتقدم العملية السياسية. كلام كرره رئيس وفد النظام الذي التقى المندوب الروسي في مقر الامم المتحدة في جنيف قبل اجتماعه بالمبعوث الدولي.
يعكس بيان وزارة الخارجية الروسية طبيعة الحل الذي تتبناه موسكو والهدف الذي تسعى الى تحقيقه من خلال المفاوضات، حل خارج قرار مجلس الامن رقم 2254، وخارج بيان جنيف1، ما يعني انها صوتت على القرار لا لتساهم في تنفيذه عبر رعاية مفاوضات سورية سورية كما تدعي بل لتحويله الى منصة لاطلاق النار على المعارضة واهدافها، فمنطوق القرار الدولي واضح في مطالبته بعملية انتقال سياسي عبر تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، ومحتوى رسالة الدعوة التي وجهها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الى الوفود حاسمة في هذا الشأن كذلك، والتي جاء فيها:”وكرّر مجلس الأمن أنّ الحل المستدام الوحيد للأزمة الراهنة في سورية يقضي بإرساء عمليّة سياسيّة شاملة بقيادة سوريّة، تتناسب مع الطموحات المشروعة للشعب السوري.
لبلوغ هذه الغاية، طالب مجلس الأمن الأمين العام أن يعمل، بفضل وساطته الحميدة وجهودي الشخصيّة، على تسهيل المحادثات حول عمليّة انتقاليّة سياسيّة ملحّة، تستند إلى بيان جنيف الصادر في العام 2012، وتتماشى مع بيان فيينا الصادر في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) عن المجموعة الدولية لدعم سورية. وأشار مجلس الأمن إلى نتائج محدّدة ينبغي تحقيقها، أهمّها إرساء حكم ذي مصداقيّة وشامل وغير طائفي، ووضع جدول زمني، وإطلاق عمليّة صياغة دستور جديد ضمن مهلة ستّة أشهر، وإجراء انتخابات حرّة وعادلة بعد صياغة الدستور الجديد، على أن يتحدّد موعدها ضمن فترة 18 شهراً بعد ذلك، وتكون خاضعة لإدارة الأمم المتّحدة وإشرافها”.
يبدو ان روسيا تعّول على الميدان لفرض شروطها على طاولة المفاوضات، فقد نجحت في وقف تدهور قوة النظام ورفعت من معنويات قواته وعصبيته، وتراهن الآن، وخاصة بعد المكاسب العسكرية الأخيرة التي حققها النظام، على دفع المعارضة للرفض وتحمّل مسؤولية فشل المفاوضات، فتضمن بذلك صمت المجتمع الدولي عن قصفها، الذي يبحث عن مخرج سريع لوقف الهجرة والتخلص من الارهاب، والذي لم يعد يكترث لمعاناة السوريين، وتتذرع به لاستكمال سحق الفصائل المسلحة باستخدام قوة نارية مضاعفة، وتحدثت عن ارسال طائرات من نوع سو 35 متطورة الى سوريا، وتحقيق حسم عسكري يحررها من المساومة مع القوى الاقليمية والدولية حول الوضع النهائي في سوريا وحصتها فيه.
ليس امام وفد المعارضة السورية لافشال التكتيك الروسي الا التمسك بمنطوق القرار الدولي رقم 2254 وربطه الواضح للحل ببيان جنيف1 واعتماد تكتيك الاسطوانة المشروخة التفاوضي، أي تكرار المطالب دون تغيير حتى تتحقق، فوجود مرجعية ثابتة ومحددة يخفف من أثر اختلال ميزان القوى، وكسر جدار الجليد مع بقية المعارضة، وخاصة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، لتخفيف حدة التوتر والتنافر وتكريس مستوى من التفاهم يفتح أفقا لتنسيق المواقف وتطوير آليات التعاون، وهذا يستدعي تحرك المعارضة لدعم الوفد المفاوض بحملات اعلامية واعتصامات في مدن العالم يبرز القتل والدمار الذي تسبب به النظام وحلفاؤه، وعبر تعديل المشهد السياسي والعسكري من خلال تمتين وحدتها وتماسكها وكسب قوى جديدة الى جانبها من جهة والعمل على توحيد الفصائل المسلحة في تشكيل واحد وتحت اسم واحد، الجيش السوري الحر مثلا، لتحقيق الصمود في وجه آلة الدمار الروسية، وتبني تكتيك عسكري جديد يعتمد على الخفة والحركة وعدم الثبات في المواقع لانهاك الخصم، وتبني موقف سياسي يدعم وفد المفاوضات ويوسع مجال المناورة أمامه، والتحرك مع الأشقاء والاصدقاء لكسب دعمهم وتأييدهم لمطالب المعارضة في عملية انتقال سياسي تضع سوريا على طريق التغيير الديمقراطي. فالمواجهة السياسية ليست اقل خطورة واهمية من المواجهة الميدانية وتحتاج الى تبصّر وتخطيط ومراقبة تطورات المواقف السياسية والميدانية، واعطاء الاولوية للداخل السوري، ومراجعة دائمة للتصورات والتقديرات والخطط.
المدن
لماذا ستفشل مفاوضات جنيف؟/ رضوان زيادة
بعد مرور خمس سنوات على الانتفاضة السورية، بات من السهل أن ننسى أناشيد “سلمية .. سلمية” التي تردّد صداها في شوارع سورية، أشهراً عدة عام 2011، قبل أن تخلي الساحة لصوت الانفجارات وإطلاق الرصاص. ولم تتحول الثورة فعلياً إلى صراع مسلح، إلا في يناير/كانون الثاني 2012. إن نسيان تلك التظاهرات السلمية الضخمة التي لم يحمل فيها المحتجون إلا اللافتات وأغصان الزيتون يقودنا إلى فهم خاطئ لمفاوضات جنيف التي من المفترض أن تقود إلى نهاية الصراع في سورية.
الآن، وبعد مرور خمس سنوات، لم تختلف المواقف الدولية من سورية والصراع عليها، فبالنسبة إلى القوى الغربية، بدت الثورة السورية مصدر إزعاج دولي، أكثر من كونها أولوية في السياسة الخارجية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودولاً عدة أخرى واصلت التزامها بإرسال مساعدات إنسانية لدعم أكثر من أربعة ملايين لاجئ سوري مسجل، يعيشون في مخيمات في الأردن وتركيا ولبنان، إلا أن الدول الغربية لم تلتزم بنهج ثابت وحاسم لإنهاء الصراع. أعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، منذ أغسطس/آب 2011 أنه “آن الأوان أن يتنحّى الرئيس الأسد جانباً”. وحتى الآن، وبعد أكثر من أربع سنوات ونصف، لا يزال النظام متماسكاً بصورة عامة، وإن كان قد تعرّض لضربات متلاحقة. بقيت إدارة أوباما تعارض بعناد أي إجراء من نوع فرض الحظر الجوي، يمنع القصف اليومي بالبراميل المتفجرة أو إنشاء مناطق آمنة، تكون ملاذاً آمناً للاجئين السوريين.
سورية، بالنسبة إلى المسؤولين الأميركيين، بأقلياتها العرقية ومراكزها السكانية الكثيفة وريفها المحافظ، لا تزال تعتبر في السياسة الخارجية كارثةً إنسانيةً ومستنقعاً عسكرياً من الأفضل تجنبه، مهما كانت الضغوط، ولاسيما في ضوء التجربة المروّعة للولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان. وفي أعقاب هجمات الأسلحة الكيمياوية في الغوطة الشرقية في أغسطس/آب 2013، لاح في الأفق أن الولايات المتحدة باتت على وشك التدخل عسكرياً في سورية. ومع ذلك، كان الأميركيون على استعداد لاغتنام أي فرصةٍ لتفادي مثل هذا التدخل، ووافقوا، في نهاية المطاف، على اتفاق بوساطة روسيةٍ قضى بتسليم سورية أسلحتها الكيميائية.
ما جرى هو العكس تماماً، فروسيا، وبحجة محاربة الإرهاب، تدخلت عسكرياً، وبكل ثقلها في سلاح الجو في قصف مواقع المعارضة، من أجل إتاحة الفرصة لمليشيات الأسد بالتقدم، كما جرى في ريف اللاذقية، واكتفت الولايات المتحدة بموقع المتفرج، كما هو عليه مقعدها في السنوات الخمس الماضية.
إن عودة سورية إلى الحياة الطبيعية مستحيلة في المدى المنظور، ومن سخرية القدر الاعتقاد
“للأسف، تبدو مفاوضات جنيف مسرحيةً، إخراجها مؤلم، ونهايتها ليست معروفة” أن مفاوضات سياسية سوف تقود إلى نزع صلاحيات الأسد السياسية والأمنية، فالأسد الذي فعل بسورية، اليوم، ما لم يفعله أي محتل أو غاز أجنبي من قبل لا يحتاج إلى مفاوضات سياسية كي يقوم بتسليم السلطة.
يقوم مبدأ حل النزاعات، في تعريفه البسيط والأولي، على تحديد الأطراف الرئيسية في الصراع في البداية، ومن ثم إيجاد آلية للحوار أو التفاوض أو حل دائم بين هذه الأطراف؟ هذا المبدأ هو الذي تقوم عليه فكرة حل النزاعات عبر العالم، وكما تطورت في النزاعات الدولية وغير الدولية. طبعاً هناك طرائق مختلفة للتفاوض وللحل السياسي، لكنها كلها لا تخرج عن المبدأ الرئيسي، وهو ضرورة إشراك الفاعلين الرئيسيين في الصراع، في عملية الحل، ومن دون استثناء.
لماذا هذا المبدأ الرئيسي لم يحترم في مفاوضات جنيف 3 التي من شأنها أن تقود إلى الحل السياسي في سورية. في الحقيقة، الإجابة البسيطة أن الأطراف الرئيسية في الصراع، وهنا نتحدّث عن الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية، كون الصراع في سورية وعليها تحول إلى صراع محلي – إقليمي – دولي، والأطراف الدولية الأكثر تأثيراً في القضية السورية اليوم، وهما روسيا والولايات المتحدة، لديهم مصالح متضاربة في حل القضية السورية. فبالنسبة لروسيا، لا يعني استئناف مفاوضات جنيف سوى تغطية على تدخلها العسكري المباشر في سورية لصالح نظام الأسد، وجرائمها المستمرة بحق المدنيين في مناطق سورية المتفرقة، فهي لديها الحجة الآن بالقول إنها تدعم العملية السياسية في سورية. أما بالنسبة للولايات المتحدة فتضع القضاء على داعش أولويتها، وهي تدرك أن تحقيق ذلك بدون حل قضية الانتقال السياسي في سورية مستحيل، فإنها تريد القول، ولو مراوغة، إنها لا تهمل أزمة السوريين ومعاناتهم بتركيزها على داعش، وإنما تدعم حلاً سياسياً في سورية.
لكل من الولايات المتحدة وروسيا إذاً مبرراتها الخاصة في دعم مفاوضات جنيف، على الرغم من أنهما يعرفان أن العملية لن تقود إلى أي شيء حقيقي، في النهاية، لكنهما ليسا على استعداد على اتخاذ خيارات أخرى، أو بالأحرى أصبحت خيارات الولايات المتحدة محدودةً في ظل التدخل العسكري الروسي.
سيستغل نظام الأسد حضوره في جنيف منبراً إعلامياً لاتهام المعارضة بالإرهاب، كما اعتاد ذلك، منذ اليوم الأول للثورة، وسيحاول التملص من كل الاستحقاقات الدولية والالتزامات، خصوصاً المنصوص عليها في اتفاق جنيف الأول وقرارات مجلس الأمن، فيما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وخصوصاً النساء والأطفال والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة.
خبرت الولايات المتحدة نظام الأسد، وأصبحت تعرفه جيداً، لكنها لا تنوي تغيير طريقة تعاملها معه طبعاً. وذلك كله على حساب الشعب السوري الذي سيعيش مع عام جديد من الألم، بانتظار تغيير الإدارة الأميركية في واشنطن، وقدوم إدارة جديدة تضع من أولوياتها حل الأزمة السورية، حتى ولو تطلب الأمر استخدام القوة ضد نظام الأسد.
للأسف، تبدو مفاوضات جنيف مسرحيةً، إخراجها مؤلم، ونهايتها ليست معروفة، ومشاهدوها كثيرون، لكن ممثلوها يلعبون أدوارهم بدمائهم.
العربي الجديد
القيامة السورية أمام بوّابة جنيف/ عبدالباسط سيدا
هناك حكاية كردية تتحدّث عن رجل رأى بأم عينيه كيف أكلت الذئاب حماره، وكان هو الشاهد الوحيد. وحينما عاد إلى القرية، بدأ يسأل من صادفهم عمّا إذا سمعوا بالحادثة، فكان جوابهم بالنفي، ما عزّز التفاؤل لدى المسكين، ودفع به إلى القول: إن شاء الله الخبر ليس صحيحاً.
ما ذكّرني بهذه الحكاية الطريفة ما نواجهه راهناً من مواقف تسلّمنا إلى المنطق الذي بنيت عليه، بغض النظر عن الوظيفة والسياق. فمنذ اليوم الأول للثورة السورية، نعاني السلبية المراوغة للمجتمع الدولي، والولايات المتحدة تحديداً في مواجهة ما تعرّض ويتعرّض له الشعب السوري من قتلٍ وتدميرٍ وتشريدٍ، كما نُقابل بسياسة التغافل عند إقدام النظام على استخدام كل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، وبتجاهل مريب لواقع إقدام النظام على فتح البلاد أمام الجيوش والميليشيات الأجنبية، لتشن حربها على السوريين.
ومن اللافت المعروف لدينا جميعاً، أن الإصرار الدولي على منع وصول مضادات الطيران إلى المقاتلين منعهم من حق الدفاع عن النفس في مواجهة طيران النظام، والطيران الروسي لاحقاً، وكان تفسير ذلك، وما زال، وجود رغبة في المحافظة على تفوق النظام الجوي منعاً لانهياره الذي كان سيحدث في 2012 لولا حصول النظام على كل أنواع الدعم من حلفائه، وحصولنا على الدعم الأقل من المقنّن من جانب حلفائنا. كما أن قصة الخط الأحمر الذي أعلنه الرئيس أوباما بخصوص الكيماوي، وتجاوزه له، باتت من الحكايات المكررة التي يعرفها القاصي والداني.
أما اللقاء المحبط بين وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري والمنسّق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، فكان موضوع مناقشات ومداخلات متشائمة متوجّسة، حتى جاءت توضيحات السفير المسؤول عن الملف السوري في الخارجية الأميركية مايكل راتني، لتبيّن بأن ما حصل كان نتيجة سوء الترجمة، وأن الموقف الأميركي ما زال هو هو دعماً للمعارضة، وتشجيعاً على الاشتراك في جنيف لإحراج النظام وحلفائه. وذكرتنا هذه الرسالة بدورها بما قرأناه حول مراسلات حسين – مكماهون، بعد انكشاف أمر اتفاقية سايكس بيكو قبل قرن، وهي الاتفاقية التي رسمت ملامح المنطقة على مدى قرن كامل على الصورة التي تتناسب مقاساتها مع حسابات المستفيدين.
لكن الضغوط الترغيبية على الهيئة العليا للمفاوضات استمرت، ومن جميع الأطراف، بخاصة الوزير كيري. وهناك وعود بالعمل على تنفيذ البنود ذات العلاقة بالجانب الإنساني في القرارات الأممية، وهي وعود تشبه في نكهتها وطبيعتها تلك الوعود التي حصلنا عليها مراراً وتكراراً. مع ذلك اتخذت الهيئة العليا قرار التوجه إلى جنيف، والدخول في العملية التفاوضية التي لم نتهرّب منها يوماً قط، بل وجدنا فيها دائماً المدخل الوحيد لمعالجة القيامة السورية، والحد من تداعياتها على المستويين الوطني والإقليمي، بل حتى على المستوى الدولي نفسه.
مفاوضات جنيف ستنطلق، إن لم نقل إنها انطلقت، بقرار من الراعيين الأميركي والروسي. الأول منكفئ متردد منسحب، والثاني مندفع هائج جامح، يقاتل إلى جانب النظام بعلانية لا تشوبها شائبة، بعدما استمر على مدى خمس سنوات في تعزيزه بكل أنواع الدعم.
وفد النظام يستقوي بدعم حلفائه، وبأسطورة «داعش» التي أسهم مع غيره في فبركتها، وتسويقها، والاستفادة منها. أما وفد المعارضة فيستقوي بتضحيات السوريين والسوريات وقضيتهم العادلة، التي وضعت الجميع على المحك، وكشفت زيف المزاعم، وبينت مدى تهافت التشدق بحقوق الإنسان والأطفال والنساء والشيوخ في عالم المصالح المتوحشة.
التفاؤل مطلوب دائماً، ولكنه هنا لا يمتلك المقوّمات الأساسية التي كانت ستسبغ عليه، ولو قسطاً يسيراً، من المشروعية بالنسبة إلى مفاوضات جنيف في حلتها الجديدة، مقارنة بجنيف 2. فالمواقف الدولية تغيّرت، والمعادلات الإقليمية باتت أكثر تعقيداً، والوضع الميداني اكثر حساسية، بينما الموقف الأميركي أكثر سلبية وتراجعاً وانشغالاً.
لكن في المقابل، تمكّنت المعارضة من لملمة قواها إلى حدٍ ما بعد اجتماع الرياض، واستطاعت تشكيل هيئة عليا للمفاوضات تمثّل مختلف القوى السياسية والعسكرية، ومختلف المكوّنات المجتمعية السورية، وشكل كل ذلك رداً قوياً على أولئك الذين كانوا، وما زالوا، يراهنون على تفتيت المعارضة. ولعل هذا ما يفسر جانباً من حالة اللاتوزان التي تهيمن على هؤلاء، وتدفع بهم نحو أطروحات عصابية، يكشفون عبرها عن حقيقة دوافعهم، وماهية علاقتهم بأتباعهم.
لقد تردّدت المعارضة كثيراً قبل اتخاذ قرار التوجه إلى جنيف، لعدم ثقتها بالعملية التي لا توحي مقدماتها وآلياتها بإمكانية تحقق شيء إيجابي، يخفّف قسطاً من معاناة السوريين التي تستعصي على أي وصف. لكن القرار بالمشاركة اتخذ في نهاية المطاف بعد مداخلات ومناقشات بينية مطوّلة، وعلى أثر تقاطر الوعود الوردية التي تأتي عادة في اللحظات الحرجة لتتناثر لاحقاً، وتغدو كقوس قزح يخدع العيون من دون البطون.
أنظار السوريين جميعهم متوجهة نحو جنيف، على أمل إيجاد حلٍ واقعي مقبول للكارثة التي ألمت بهم، نتيجة الإرهاب المزدوج للنظام وللمتشددين.
الآمال ضعيفة جداً، لكن الغريق يتعلّق بقشة كما يُقال. وهذا ما يفسر جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع في جنيف. السوريون سيكونون مادة للمفاوضات بكل أسف مع أن الموضوع يخص سورية وأجيالها المستقبلية القادمة. المجتمع الدولي هو الذي أوصل الوضع إلى ما هو عليه الآن، ومسؤولية هذا المجتمع أن يتحمّل وزر ما تسبّب به، ويتدخل بفاعلية لإنهاء محنة السوريين وعذاباتهم. الولايات المتحدة تتحمّل المسؤولية الأساس، لأنها القوة الأكبر القادرة على مساعدة السوريين إذا شاءت وأرادت. فهل سنشهد التزاماً بالوعود المقطوعة أميركياً كما يتمنى شعبنا؟ أم علينا أن نستعدّ لما هو أقسى وأسوأ وأكثر ايلاماً؟ هذا ما سيكشفه لنا الزمن القادم.
* كاتب وسياسي سوري
الحياة
نساء دي مستورا/ عمر قدور
بعد أول لقاء له بوفد نظام بشار، مساء الجمعة الماضي، أبلغ الموفد الدولي ممثلي الدول الغربية بأن اللقاء كان إيجابياً، وأشار على نحو خاص إلى أن وفد النظام يضم أربع نساء. لا نعلم ما إذا كان بلاغ المبعوث الأممي قد صيغ من قبل بشار الجعفري، رئيس وفد النظام، أسوة بتقارير المنظمة الدولية في دمشق التي انكشف مؤخراً تدخل النظام بصياغتها، بل اعترفت الأمم المتحدة بصفاقة بذلك التدخل معتبرة إياه من بديهيات عملها مع “الحكومات”. لكن إشارة دي مستورا إلى تمثيل النساء تأتي لتمنح وفد النظام أفضلية وفق المنطق الغربي، المنطق الذي لا تغيب عن أولويته قضية مثل الجندر، وربما تحصل البراميل المتفجرة والغارات الروسية على الأفضلية ذاتها لأنها لا تميز بين الضحايا على قاعدة الجنس.
كان في وسع النظام أن يجعل غالبية وفده من النساء، لمَ لا؟، فالعبرة كما يعلم المسؤولون الدوليون في أن قرار الوفد لا يعود أصلاً إلى أعضائه، وربما لا يعود حتى إلى رئيس النظام. ولدى النظام، لو شاء ذخيرة مما يُسمى “لبوات الدفاع الوطني”، بخاصة منهن اللواتي تدربن على أيدي الحرس الثوري في إيران، ويستطيع النظام أن يباهي بهن ليظهر مع حليفه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بأنهما الأجدر بتمكين المرأة من معارضة بائسة لا تمتلك فيالق من المحاربات. لدى النظام أيضاً ذخيرة من الوجوه الإعلامية النسائية التي تملأ شاشاته. مذيعة داريا التي اشتُهرت بتسجيل تتجول فيه بين جثث الضحايا، وتحاول استنطاقهم ليست الوحيدة، فهناك أيضاً المذيعة التي يقطر وجهها فرحاً في تسجيل انتشر مؤخراً، وهي تستمع إلى ضيفها الذي يمتدح قائد المخابرات الجوية لاستخدامه البراميل المتفجرة، وتوفيره على الخزينة كلفة الصواريخ المجنحة. أما مستشارة رئيس النظام، التي صرحت على محطة CNN الأميركية بأن المعارضة اختطفت أطفالاً “علويين” وأطلقت عليها الغازات السامة في غوطة دمشق، فهي بلا شك تستحق التقاعد في وظيفة أممية معتبرة، كأن تُعيّن مكان دي مستورا نفسه.
دي مستورا لا يعلم، بحسب كلمته للشعب السوري، من يقصف السوريين، ويبدو أنه لا يعلم أيضاً من يعتقل النساء والأطفال في سوريا، على رغم تسريبات تفيد بأن النظام وافق على إطلاق سراح ما يزيد عن مائة امرأة وطفل كبادرة حسن نية. منظمة الامنستي كانت قد أطلقت قبل شهرين مبادرة دولية لمطالبة النظام بالإفراج عن رانيا عباسي وأطفالها الأربعة، ومع أن رانيا عباسي هي بطلة العرب في الشطرنج إلا أنها ليست من النمط الذي تستهوي دي مستورا الإشارة إليه. ما لا يستهوي دي مستورا بالطبع أن تحضر في جنيف مجموعة من النساء تمثل المتضررات من الدرجة الأولى والثانية، فهناك أمهات وزوجات ما يزيد على 300 ألف رجل قتلتهم قوات النظام، وهناك أمهات وزوجات ما يزيد عن 200 ألف معتقل لدى النظام. ذلك بصرف النظر عن عوائل كاملة من النساء والأطفال، يعتقلهم النظام بلا توجيه أي تهمة، وهم بمثابة رهائن فقط لأن الأزواج أو الأبناء مشاركون في النشاط أو القتال ضد النظام.
مع ذلك، الطامة الكبرى في اختيار نساء خارج وفد النظام، تحت مسميات المجتمع المدني وتمكين المرأة، فهنا تُستبعد نساء ومنظمات عملت بدأب خلال سنوات من أجل تمكين المرأة في أقسى الظروف، سواء في مخيمات الجوار أو في المناطق المحررة الواقعة تحت القصف. تحت زعم الحيادية، يتم انتقاء نساء منهن من كنّ يعملن إلى وقت قريب في مشاريع أسماء الأسد التي غايتها الوحيدة إيهام الغرب بوجود مظاهر متحضرة للنظام، ومنهن من لم يكن لهن أي جهد باستثناء حضور المؤتمرات التي نظمها فريق المبعوث الدولي، فضلاً عن موظفات لدى الهيئة الأممية لا يُستبعد أنهن شاركن في تنقيح التقارير لتصبح ملائمة للنظام بموجب إقرار الأمم المتحدة السابق ذكره.
بعض التقديرات يذهب إلى أن مجموع النساء السوريات المتضررات من الصراع يصل إلى حوالى مليون امرأة. في مقدمة الأضرار يأتي الضرران العاطفي النفسي والاقتصادي، إذ فقدت تلك النسوة معيلهن، ونسبة كبيرة فقدت حتى المأوى. هذه قد تكون الفئة الأكثر تضرراً، والتي لن تردّ لها حقوقها عبارات عمومية عن المساواة هنا أو هناك. ما يرد لها حقوقها الأساسية هو تحقيق حد أدنى من العدالة من أجل التعويض العاطفي والنفسي، وحد إنساني مقبول من التعويض المادي. ذلك وحده ما قد يخفف من وطأة المشاكل التي ستنجم عن اختلال التوازن العددي بين الجنسين في المستقبل القريب، وذلك ما سيكون العتبة الضرورية لتحفيز النساء على بناء مستقبل سيتحملن العبء الأكبر فيه بحكم اختلال التوازن.
في غضون ذلك، تحتاج سوريا دستوراً عصرياً ديموقراطياً، ينص على المساواة التامة أولاً بين المواطنين بوصفهم كذلك، ويلغي التمايزات الحقوقية، بما فيها التحفظات التي أصر عليها النظام لدى توقيعه العديد من المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق المرأة. وإذا كان المبعوث الدولي نزيهاً حقاً فليعلن على الملأ تحفظات النظام على تلك المواثيق، وليعلن على الملأ أيضاً انتهاكاته الخاصة بالمرأة والموثقة من قبل منظمات دولية. أما هذه العنصرية في اختيار نمط وحيد للنساء، نساء منفصلات عن الواقع السوري، فهو أمر لا ينسجم سوى مع فرض تمثيلهن على السوريات أسوة بمحاولة فرض التسوية الكبرى على السوريين جميعاً.
إنها لعبقرية لا تأتي سوى من المجتمع الدولي، ففي حين تعاني مئات آلاف النساء من عدم وجود الغذاء لأطفالهن، في المناطق المحاصرة وفي المخيمات، هناك ثلة من النسوة في جنيف يكاد فهمهن لدورهن يكون على النحو التالي: اتخاذ المسافة البعيدة ذاتها، من القاتل والضحية.
المدن
بشار الجعفري رجل أمن في مهمة دبلوماسية/ بشير البكر
تتضارب الروايات حول مكان ولادة بشار الجعفري مندوب سورية لدى الأمم المتحدة، فالمعلومات الرسمية تقول إنه من مواليد دمشق في 14 إبريل/نيسان من عام 1956، ولكن روايات أخرى تنسب مكان ميلاده إلى مدينة أصفهان في إيران. ويدلل أصحاب هذه النظرية على صحتها، بالقول إن الجعفري يعلن في مجالسه وبين أصدقائه عن أصوله الإيرانية التي لا تقبل الجدل، وحياته الشخصية وثقافته تُفسّر ذلك، فهو متزوج من سيدة إيرانية، ويتحدث الفارسية بطلاقة ورسالته للدكتوراه في العلاقات الدولية كانت حول الإسلام الشيعي. ويؤكد هؤلاء أن صلات الجعفري بالجهاز الأمني الإيراني هي التي أوصلته إلى منصب مندوب سورية في الأمم المتحدة.
بدأ بشار الجعفري مشواره الدبلوماسي الفعلي عام 2006، حين تم تعيينه ممثلاً لسورية لدى الأمم المتحدة خلفاً لفيصل مقداد، الذي شهد صدور أخطر القرارات ضد سورية، القرار 1559 في عام 2004، الذي مهّد للانهيار اللاحق المتمثل باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، في 14 فبراير/شباط 2005، ومن ثم انسحاب القوات السورية من لبنان في 26 إبريل/نيسان من نفس السنة.
ورغم أن الجعفري تقلّد هذا المنصب في فترة حسّاسة، إلّا أنه لم يبرز فعلياً على مسرح مجلس الأمن، إلا في الفترة التي صارت تصل فيها أخبار المجازر، التي يرتكبها نظامه في عام 2011، إلى مسامع المجتمع الدولي، فتحوّل إلى مندوب للنظام ضد الثورة. وعُرف عنه مرافعاته المليئة بالتزوير والمغالطات والتلاعب بالوقائع، ولدى مراجعة شريط الجلسات التي عقدها مجلس الأمن من أجل مناقشة التطورات في سورية خلال السنوات الماضية، تبرز شخصية الجعفري الفعلية البعيدة عن الدبلوماسية والهدوء، فهو في أغلب الأوقات كان محارباً بلا هوادة من أجل تبييض سجل النظام الأسود.
تتّسم مسيرة الجعفري منذ أوائل الثمانينيات حين بدأ دراسة الماجستير في باريس، ومن ثم العمل في السفارة السورية، بمرتبة سكرتير ثالث، بأنه كان عبارة عن موظف في أجهزة أمن النظام أكثر من كونه دبلوماسياً. ويُسجّل عليه ناشطون سوريون في مجالات السياسة والصحافة وحقوق الإنسان في باريس، خلال تلك الفترة أنه كان يتولى مراقبة نشاطات السوريين المعارضين ويرفع التقارير عنهم. وحين تولّى منصبه الدبلوماسي، وظّف العديد من الطلاب السوريين الدارسين في فرنسا، لمراقبة نشاط زملائهم والشخصيات السياسية السورية المعارضة التي كانت تقيم بباريس، مثل الراحل أكرم الحوراني، ولهذا السبب فإنه تولّى لاحقاً منصب مدير إدارة المنظمات الدولية في وزارة الشؤون الخارجية في دمشق، الذي ظلّ يشغله حتى عام 2004.
ويؤكد عارفون بدهاليز العمل الحكومي في سورية، أن هذه الإدارة هي عبارة عن خلية أمن تشرف عليها وزارة الخارجية، وتُشكّل أحد الأذرع الأمنية التي تتحرك في الميدان الدبلوماسي، ولكون الجعفري بات يحتل مركزا متقدماً في الجهاز الأمني ذي الطبيعة الدبلوماسية تمّت تسميته عام 2006 سفيراً فوق العادة في مجلس الأمن.
رغم قصر مشواره في دائرة الضوء، تبيّن أن الجعفري يحتلّ موقعاً راسخاً في جهاز الرئيس السوري بشار الأسد، وداخل محيطه وضمن دائرته الخاصة جداً، ويشاركه أسراره الشخصية، وبالإضافة إلى ذلك فهو يتحلّى بجملة من الخصال والصفات التي تعكس عمق انتمائه إلى بنية النظام الحاكم في دمشق، مثله مثل البطانة الديبلوماسية وضباط أمن النظام المعروفين الذين ظلوا يخدمون النظام ويشكلون نواته الصلبة، على غرار بهجت سليمان وعلي مملوك وبثينة شعبان ووليد المعلم.
ومن هنا يتبيّن أن انتداب الجعفري لمهمة ممثل سامٍ في مجلس الأمن لم يكن من أجل الدفاع عن مصالح سورية، بقدر ما هو للدفاع عن النظام الذي كان يشعر في عام 2006 أن أوقاتاً صعبة تنتظره على الصعيد الدبلوماسي. ففي ذلك الوقت كانت التحضيرات في أوجها بصدد المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري، وكل الأدلة والمؤشرات تقود إلى اتهام مباشر للرئيس السوري وعدد من ضباطه، ولذلك كان يحتاج إلى محام خاص يدافع عنه في المحافل الدولية، ولم يجد أفضل من الجعفري.
ولكن التطورات التي تمّت بعد ذلك والصفقات الإقليمية والدولية التي حصلت، أبعدت كأس سمّ المحكمة الدولية عن رئيس النظام السوري، الذي تولّى الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي مهمة تنظيفه. وبدلاً من أن يُساق إلى محكمة الجنايات الدولية، عاد طليق اليد إلى المشهد الدولي، وهذا ما يُفسّر سلوك العنف الذي مارسه بحق الثورة السلمية التي انطلقت في مارس/آذار 2011.
وعلى العموم لم يتغير طابع مهمة الجعفري كثيراً في الأمم المتحدة، فهو بقي في نفس سياق الدفاع عن النظام الذي كان متهماً باغتيال الحريري ورفاقه، وصار ضالعاً في جريمة قتل قرابة نصف مليون سوري، وتهجير ثلثي شعب سورية وتدمير حوالي 50 في المائة من عمرانها وبناها التحتية. ورغم أن التهمة واضحة هنا ولا تحتاج إلى فرق دولية للتحقيق، فإن الجعفري عمل ليسقط عن النظام الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب، الأمر الذي استدعى منه قدراً كبيراً من التزوير والوقاحة والتمثيل المسرحي. ولم يجد الجعفري حرجاً من إنكار كل ما حصل على الأرض بحق المدنيين السوريين، وتسويق الرواية التي لجأ إليها قبله الإسرائيليون، وهي تهمة “الإرهاب” الذي أراد، حسب زعمه، القضاء على الأقليات.
ويمكن أن يقف المرء عند ثلاثة أكاذيب مشهورة للجعفري، الأولى حصلت عام 2013 أمام جلسة خصصها مجلس الأمن لبحث الوضع الإنساني ووضع الأطفال في الأزمة السورية، ونُسب لقائد “لواء التوحيد” عبد القادر صالح، كلام يعاكس تماماً ما قاله على شاشة قناة “العربية”، واصفاً إياه بـ “الإرهابي”. وأكد الجعفري أن هذا “الإرهابي” قال رداً على سؤال حول مصير الأقليات في سورية من غير أتباع الدين الإسلامي، “إما أن يعلن أفراد تلك الأقليات إسلامهم، أو يدفعوا الجزية، أو نقتلهم بالسيف”.
وبالعودة لبرنامج “نقطة نظام” للإعلامي حسن معوض والذي تحدَّث عنه الجعفري، فإن رد عبد القادر صالح كان حرفياً: “أصبحتُ أتمنى أن أكون من الأقليات لكثرة ما يتم ذكرها، إننا متأكدون أن الأقليات ستعيش حياة طيبة أكثر بكثير من الحياة التي عاشتها تحت الحكم الحالي”. وأكد: “أننا نحترم حقوقهم، وإلى الآن لم يظهر ولن يظهر أي تصرُّف يُهين الأقليات أو يهضم حق أي منهم”. والكذبة الثانية تتعلق بإنكار الجعفري استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية في أغسطس/آب 2013، وظل لعدة أيام يردد روايات ملفقة قبل أن يصمت أمام نتائج التحقيق.
أما الكذبة الثالثة فهي حديثة العهد، وتتعلّق بالوضع الإنساني الكارثي وحرب التجويع التي يشنها النظام السوري وحزب الله في بلدة مضايا. وفي الثاني عشر من الشهر الماضي نفى الجعفري وجود أزمة إنسانية في البلدة، واتهم قنوات تلفزيونية بـ”الفبركة الإعلامية”، وقال إنه “لا صحّة مطلقاً لوجود أزمة إنسانية في مضايا، كما لا يوجد أي نقص في المساعدات الإنسانية”. وكعادته آثر الصمت حين بدأت عملية إغاثة البلدة.
الجعفري ممثل مسرحي، ولكن الدور الذي يلعبه يليق بمسرحية شكسبيرية بطلها يرقص بين المقابر تطارده صور الضحايا الأبرياء، ولا يسعفه الوقوف على منبر الأمم المتحدة ليتطهر من الأوزار.
العربي الجديد