صفحات العالم

فضيحة أميركية في سوريا/ موناليزا فريحة

 

 

من المقاتلين الستين الذين دربتهم واشنطن لمقاتلة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، لم يبق إلا اثنان. أجل، تحصي التقارير الواردة من تركيا مقاتلين اثنين فقط هما كل من سلم من “الكتيبة” التي يفترض أن تعزز الحملة الدولية لتقويض “الدولة الاسلامية” تمهيدا للقضاء عليها، على حد قول الرئيس الأميركي باراك أوباما.

العام الماضي، طلبت الإدارة الأميركية من الكونغرس 500 مليون دولار لتسليح المقاتلين السوريين المعتدلين وتدريبهم، على ان يكون ثلاثة آلاف منهم جاهزين للمعارك بحلول هذه السنة. وبعدما تعذر تجنيد أكثر من 60 مقاتلاً مستعدين لمحاربة “داعش” من دون قوات النظام السوري، دفع بهم مدربوهم الأميركيون منتصف تموز الى الحرب دونما ضمانات للحماية، إلا طبعاً الوعود الكلامية بـ”حماية الحلفاء” على الأرض. ومذذاك خطف من خطف وقتل من قتل وهرب من هرب. أما المأساة الكبرى فتكمن في إقرار مسؤولين أميركيين، استناداً إلى صحيفة “النيويورك تايمس”، بأن واشنطن لم تتوقع هجوماً من “جبهة النصرة” على هؤلاء المقاتلين، كأن تنظيم أبو بكر الجولاني فريق للدفاع المدني وليس فرعاً من تنظيم “القاعدة” تدرجه واشنطن نفسها على لائحة المنظمات الإرهابية.

برنامج تدريب المعارضة ليس الفضيحة الوحيدة في السياسة الأميركية في سوريا. التسوية التي أمكن التوصل إليها بين واشنطن وأنقرة بعد طول انتظار ليست أكثر تماسكاً. فتح قاعدة أنجرليك أمام مقاتلات الائتلاف الدولي يعتبر خطوة مهمة في “استراتيجية” القضاء على “داعش”، لكونها تقصّر المسافات على مقاتلات الائتلاف التي تأتي من الخليج والتي صارت قادرة على الانطلاق من مدينة حدودية مع سوريا، وتالياً توفر ملايين الدولارات. وهي مهمة خصوصاً لأن مشاركة تركيا في الائتلاف الدولي المناهض لـ”داعش” تعزز السياسة الاميركية حيال هذا التنظيم المتشدد ويُفترض ان تساهم في قطع طريق امداد رئيسي له بالعتاد والمجندين. لكن ما حصل ويحصل على الارض هو العكس تماماً، اذ انه يزيد اضعاف المواجهة مع “داعش”. فبدل ان يدعم الاتفاق المقاتلين المؤيدين للائتلاف، ويطمئن المزيد منهم للانضمام إلى المعركة، ها هو أعطى الضوء الأخضر لأنقرة لقصف “وحدات حماية الشعب” الكردية.

وبذلك تستغل تركيا الاتفاق لاضعاف الشريك “الارضي” الأكثر فاعلية للائتلاف المناهض للتنظيم. وعلى هذه الحال، ستصير المنطقة الآمنة التي يفترض ان تكون خالية من “داعش” لتضييق الخناق عليه تمهيداً للقضاء عليه منطقة خالية من الأكراد، بجهد تركي ومباركة أميركية !

تدريب مقاتلين وتجهيزهم ودفعهم الى مصيرهم في مواجهة جحافل المسلحين في سوريا ليس إلا إخفاقاً ذريعاً متوقعاً لبرنامج تدريب المعارضة. وربما الأفضل أن تقفل أميركا معسكراتها للتدريب قبل أن تدفع بمزيد من الأرواح إلى الهلاك. أما السماح لأنقرة بتصفية حساباتها مع الأكراد وقتل حلفائها على الارض فهو سابقة تضاف إلى السياسات الاميركية الجوفاء لسوريا.

النهار

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى