صفحات العالم

فضيحة المعارضة السوريّة/ حـازم صـاغيـّة

حين يبدي الرأي العامّ الغربيّ قلّة الحماسة التي أبداها حيال التدخّل في سوريّا، وحين تصوّت أكثريّة مجلس العموم البريطانيّ ضدّ المشاركة في ضرب نظام بشّار الأسد، يكون ذلك امتحاناً كبيراً رسبت فيه المعارضة السوريّة رسوباً مدوّياً. ويمكن القول بصورة إجماليّة إنّ نقص التأييد وضعف التفويض الشعبيّ سيحدّان من الضربة وفعّاليّتها.

والحال أنّ المعارضة السوريّة التي غرقت في تفاصيلها الصغيرة، بالشخصيّ منها والسياسيّ، تجلّى نشاطها في المساجلات ما بين السوريّين، وكلّها مكتوب بالعربيّة، وفي يقظة فايسبوكيّة وتويتريّة تواكب الأحداث بطريقتها. أمّا مخاطبة الغربيّين، بلغاتهم وبحساسيّاتهم، فكانت آخر الهموم.

هكذا بدل أن يتحرّك في الغربيّين نوع من شعور بالذنب يدفعهم إلى التضامن، تكفيراً عن فتورهم وبرودتهم حيال الدم السوريّ، زاد نأيهم عن موضوع عجز حاملوه عن إيصال رسالة واحدة مفيدة.

أمّا الذي وصل فكان نشاط القاعدة والتكفيريّين ممّن لا تستطيع المعارضة أن تواجههم، بل الذين دافعت عنهم في حالات كثيرة سابقة. والشيء نفسه يصحّ في الصمت عن كلّ ما قد يخاطب الحساسيّات الغربيّة: لم تُقل كلمة واحدة مثلاً في ما خصّ استعادة الجولان وإنهاء هذا النزاع الشرق أوسطيّ الذي لم يستفد أحد منه إلاّ التسلّط البعثيّ والأسديّ. لم تُقل كلمة حاسمة في ما خصّ كسر الطابع المركزيّ، “العربيّ”، لدولة تسوس مجتمعاً تعدّديّاً. لم يُنتج ما يُعتدّ به في خصوص التجربة التاريخيّة للنزعة الإمبراطوريّة التي توّجها حافظ الأسد من دون أن تكون حكراً عليه.

والحقّ أنّ أداء هذه المهامّ وجعلها متاحةً للعالم كان في وسعه أن ينشئ مصادر أغنى لتعامل ديمقراطيّ مع أقليّات سوريّا الدينيّة والإثنيّة (أكراد، علويّين، مسيحيّين…) ومع جوارها (لبنان، الأردن…) أيضاً، كما يؤسّس لإلزامات سياسيّة وأخلاقيّة تتّخذ شكل المواثيق التاريخيّة.

ولا يُفسّر هذا الفَوات الهائل بضعف الكفاءة وحده، وهو ضعف مؤكّد تكاثر عدد المعبّرين عنه. ذاك أنّ صورة بليدة عن النفس والعالم كانت تساند ضعف الكفاءة هذا. وبدل أن يؤدّي العجز عن الحسم العسكريّ، على امتداد عامين ونصف العام، إلى تعظيم أهميّة العنصر الخارجيّ، استيقظت الإيديولوجيا البعثيّة في معارضيها تشكيكاً سهلاً بالعالم، وأحياناً إصراراً على “مواقفنا المبدئيّة” و”ثوابتنا” (القوميّة طبعاً) في مواجهته. هنا أيضاً تقلّصت الرؤية إلى حدّ المطالبة بالسلاح والمزيد من السلاح لجيش عجز، هو الآخر، عن التحوّل جيشاً.

لقد سبق لكاتب سوريّ راحل اسمه ياسين الحافظ أن شدّد على ضرورة التمتّع بـ”وعي كونيّ”، مختلفاً في هذا عن معظم مجايليه العرب الذين لم يكترثوا بفهم العالم وفهم موقعنا منه. هذا الوعي الكونيّ هو أوّل ضحايا تلك المعارضة السوريّة.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى