صفحات الناس

فقراء سوريا محرومون من “فاكهة الشتاء”/ مروان أبو خالد

 

“النار فاكهة الشتاء”، عبارة لطالما رددها سابقاً السوريون الفقراء، من دون أن يدروا أنهم سيحرمون من فاكهتهم هذه، أسوة بحرمانهم من جميع متطلبات الحد الأدنى من المعيشة. فتأمين التدفئة أمر مستحيل حالياً بالنسبة لهؤلاء، نظراً للغلاء الفاحش لجميع أنواع ومستلزمات التدفئة. فساعات تقنين الكهرباء الطويلة والتي تتراوح ما بين 12-18 ساعة يومياً، تمنع السوريين من الاعتماد عليها في التدفئة، ناهيك عن أن أسعار مدافئ الكهرباء ارتفعت بوتيرة قياسية، وباتت تتراوح اسعارها ابتداءً من 3 آلاف ليرة (15.4دولارا) للمدفأة الصغيرة، وصولاً إلى ما فوق 26 ألف ليرة (134دولارا) للمدافئ الكبيرة المزودة بـ “توربو” هوائي. وقد ارتفعت أسعار المدافئ الكهربائية، بعد توقف أكثر من 95% من المصانع المنتجة لها عن العمل، وهذا هو حال المدافئ العاملة على الغاز أيضاً، والتي وصل سعرها إلى 25 ألف ليرة (129دولارا تقريباً)، لكن يندر استخدامها نظراً لندرة توفر الغاز.

وليس حال المازوت ومدافئه التي كان يعتمد عليها السوريون في المقام الأول بالأفضل، فوسطياً تحتاج الأسرة السورية إلى 6 ليترات مازوت يومياً للتدفئة، وأمام نقص المازوت في المحطات الرسمية، فإن لا مجال لتأمينه سوى من السوق السوداء حيث لا يقل سعر الليتر حالياً عن 150 ليرة

(0.7دولارا). أي تحتاج الأسرة شهرياً لقرابة 27 ألف ليرة (139دولارا) لتأمين مازوت التدفئة، وهذا ما يفوق راتباً شهرياً لموظف من الفئة الوسطى، ويقارب ضعفي راتب موظف من ذوي الحدود الدنيا للأجر. ولا يقتصر الأمر على سعر المازوت فقط، فأسعار مدافئ المازوت بدأت بالارتفاع مع بدء فصل الشتاء، وحسب مصادر في سوق المدافئ، فإن سعرها الراهن يزيد ما بين 30-40% عن سعرها في الشتاء السابق. فتكاليف شراء مدفئة عادية مع ملحقاتها الآن لا يقل عن 15 ألف ليرة (77.3دولارا)، في حين تحلق المدافئ المنزلية الكبيرة ما فوق 80 ألف (412.3دولارا).

هذه الأسعار المرتفعة سببها التوقف شبه التام لصناعة المدافئ والتي يمتد عمرها في سوريا لأكثر من 100 عام، بعد أن دمرت الحرب معظم المعامل والورش خاصة في المناطق المشتعلة بحلب وريف دمشق. ويقتصر الإنتاج اليوم على بعض الورش العاملة في سوق المناخلية بدمشق فقط، والتي تبرر ارتفاع الأسعار بارتفاع سعر صرف الدولار الذي يؤثر على سعر المواد الأولية الداخلة في الإنتاج والتي بمجملها مستوردة كالحديد، الذي ارتفع سعره أكثر من خمسة أضعاف عما كان عليه قبل الأزمة ليصل إلى قرابة 150 ألف ليرة للطن (773دولارا). إضافة لتكاليف النقل والعمالة والكهرباء، مما جعل زيادة تكاليف إنتاج مدفئة واحدة تبلغ قرابة ستة أضعاف عما كانت عليه قبل الأزمة.

أما الحطب والذي اندفع السوريون لاستعماله خلال العامين الأولين من الأزمة، نظراً لرخصه، بات الحصول عليه صعبا بعد أن دخل تجار الحرب على خط المتاجرة به واحتكار بيعه، وقفز سعر الطن عدة أضعاف، ليتراوح حالياً ما بين 50-60 ألف ليرة للطن (257.7-309 دولارا تقريباً). ووسطياً تحتاج العائلة إلى 3 أطنان من الحطب خلال فصل الشتاء، أي ما بين 150-180 ألف ليرة (773-927.8دولارا تقريباً)، وهذا ما تعجز عن تحمله غالبية الأسر السورية. كما أن أسعار مدافئ الحطب تحلق عالياً، فالمدفئة المتوسطة الحجم تباع بنحو 10 ألاف ليرة (51.5دولارا) ويزيد السعر عن ذلك تبعاً للحجم والمواصفات.

والجدير بالذكر أن عمليات التحطيب تهدد الثروة الحرجية السورية بشكل كبير، فعلى سبيل المثال سجلت محافظة السويداء خلال العام 2013 أكثر من 30 ألف شجرة متضررة من عمليات التحطيب، أما خلال العام الجاري فقد سجل حوالي 11352 شجرة مقطوعة بالكامل، و5890 شجرة متضررة جزئياً والرقم مرشح للارتفاع أكثر مع اشتداد فصل الشتاء.

وتبدو الصورة أكثر كارثية في المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة، فالسوريون الذين ما زالوا متمسكين بالبقاء بمناطقهم ومنازلهم برغم اشتعال الحرب، يعانون صعوبات بالغة جداً في تأمين وسائل التدفئة، فالحكومة قد منعت تزويد تلك المناطق بالمحروقات، وهنا برز دور تجار الحروب الذين يدخلون المحروقات عبر التهريب ودفع الرشى للحواجز العسكرية، وتضاف هذه الرشى مع ما يسمونه بمخاطر التهريب إلى سعر المحروقات التي يبيعونها. وتختلف الأسعار حسب المناطق، ويتراوح سعر جرة الغاز وسطياً ما بين 8-10 ألاف ليرة(41.2-51.5دولارا)، وليتر المازوت يتراوح وسطياً ما بين 300-500 ليرة(1.5-2.5دولارا). وهذا ما يمنع غالبية السكان المفقرين عن شرائها للتدفئة نظراً لأسعارها النارية، يضاف لذلك انقطاع الكهرباء عن مناطقهم، فلا يبقي أمامهم إلا الدعاء عله يدخل بعض الدفء إلى قلوبهم المتجمدة برداً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى