فلسطينيو سوريا في ظل نظام الأسد
سركيس نعوم
اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في سوريا لم يسمع العالم العربي عنهم إلا مرتين منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية على النظام الحاكم فيها. المرة الاولى عندما قررت قيادة النظام توجيه رسالة تحذير الى من تتهمهم بتشجيع الانتفاضة اي اميركا واسرائيل في الخامس عشر من ايار الماضي وفي الثاني والعشرين منه. وكانت الرسالة حض السوريين على تحريك جبهة الجولان الراكدة بقرار رسمي منذ عام 1974، وإفهام مَن يلزم بأن حرباً اقليمية واسعة قد تندلع في حال الاصرار على اسقاط النظام المذكور. وحصل التحريك بالفعل وسقط جراءه قتلى وجرحى. وشارك فيه لبنان ايضاً وسقط فيه ضحايا لكن المفاجأة كانت ان غالبية الذين حرّكوا الجبهتين السورية واللبنانية مع اسرائيل كانوا فلسطينيين بعضهم مقيم في سوريا وبعضهم في لبنان. إلا أنه كانت هناك مفاجأة ثانية هي ان الفلسطينيين الذين توجهوا بحماسة بالغة نحو حدود ارضهم المغتصبة شعروا بعد انتهاء مهمتهم الرسمية انهم استٌعمِلوا اداة ايصال لرسائل معينة وبكلفة كبيرة. فكان رد الفعل في سوريا هجوماً فلسطينياً عشوائياً على مكاتب تابعة للفصائل الفلسطينية التي يعتبرونها سورية سياسة وقراراً وتنفيذاً أسقط بدوره قتلى وجرحى. اما في لبنان فكان رد الفعل امتناع فلسطينييه عن تحريك الجبهة مرة ثانية لأنهم رفضوا ان “يُلدغوا من جحر مرتين” ولأن الممسكين اللبنانيين بها احجموا عن تسهيل التحريك خلافاً للمرة الاولى لأسباب عدة جوهرية، بعضها اقليمي غير عربي. لكن ذلك دفع البعض في لبنان وخارجه الى التساؤل عن “الوضع الفلسطيني” داخل سوريا. اما المرة الثانية التي سمع العالم العربي فيها عن فلسطينيّي سوريا فكانت عندما قصفت قواتها مخيمهم على الساحل السوري.
هل من جواب عن تساؤل كهذا؟
عند جهات فلسطينية متابعة لكل ما يتعلق بالشتات الفلسطيني وخصوصاً في العالم العربي. وموضوعية في الوقت نفسه، جواب يفيد ان الفلسطينيين في سوريا فئات ثلاث. الاولى، وهي الأوسع شعبياً تنتمي الى حركة “فتح”. ونشاطها السياسي محدود بنسبة كبيرة بسبب الخلافات الحالية بين الاخيرة والنظام السوري حول قضايا كثيرة اهمها الطريق لحل قضية الشعب الفلسطيني. فهي ايدت الطريق التي انتهجها الراحل ياسر عرفات واستمرت تساند ما انتجته طريقه وفي مقدمها السلطة الوطنية الفلسطينية. اما النظام فانتهج سياستين واحدة ممانعة وأخرى مستعدة لسلام معقول. وقد يكون من أسباب الخلاف او الاختلاف بين شعبية “فتح” داخل مخيمات سوريا ونظام سوريا محاولة الاخير ومنذ عقود الامساك بالقرار الفلسطيني، وتشغيل المؤسسات والفصائل الفلسطينية عنده، وذلك بغية الافادة منها لتضخيم دوره وحجم بلاده على حساب الجميع. وربما ايضاً بهدف غير مباشر هو استعادة الحقوق الفلسطينية والعربية المغتصبة. اما الفئة الثانية فهي الفصائل الفلسطينية المؤيدة لسوريا، بل العاملة وفقاً لسياستها وخططها واجنداتها وحتى تعليماتها، وشعبيتها فلسطينياً غير واسعة. وهي راضية بالدور الذي تقوم به، لكن قد يكون داخلها شعور كبير من الضيق وربما التبرم جراء القبضة السورية الصارمة.
ماذا عن حركة “حماس” الاسلامية الاصولية؟
انها موجودة وبقوة في اوساط فلسطينيي سوريا، وقد استفادت كثيراً من سياسة الرفض التي انتهجت ومن توافقها مع سياسة الممانعة السورية بل مع “اجندة” النظام السوري وحليفه النظام الايراني. وقبل الخوض بشيء من التفصيل في وضعها السوري لا بد من ايضاح هويتها السياسية أو خلفيتها الايديولوجية، لأنها ومع ما يجري في سوريا منذ قرابة سبعة اشهر توضح كثيراً ما تعانيه هذه الحركة من مشكلات وهموم. “حماس” هذه، تقول الجهات الفلسطينية المتابعة نفسها، جزء من جماعة “الاخوان المسلمين” التي نشأت في مصر في النصف الاول من القرن الماضي. بل انها جزء من “الاخوان المسلمين” المصريين عملياً. فلهذه الجماعة ذات الانتشار الواسع او على الاقل المهم في العالمين العربي والاسلامي وحتى في العالم الاوسع حيث يعيش مسلمون، مرشد عام واحد يكون عادة مصري الجنسية. اما مثيلاتها خارج مصر فلكل منها امين عام او ما شابه. ويعني ذلك امرين. الاول، ان حماس “فلسطين” التي ليس لها مرشد عام ولا مسؤول اعلى آخر على غرار الجماعات الاخرى تتبع “اخوانياً” لمصر. والثاني، انها تلتزم عملياً سياسات “الاخوان” كلها ومواجهاتهم ومعاركهم وحتى حروبهم.
ماذا عن “حماس” ايضاً؟
النهار