فورة سعودية/ علي العبدالله
لم تكتف المملكة العربية السعودية بتشكيل التحالف العربي مع كل من مصر والمغرب والاردن والسودان والامارات العربية المتحدة وقطر والبحرين، ومشاركة الصومال لوجستيا بفتح مجالها الجوي وموانئها أمام قوات التحالف، الذي أطلقته يوم 25/4/2015، لمواجهة التمدد الإيراني في اليمن، بدعم حركة أنصار الله المشهورة بالحوثيين وحليفهم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، فعادت وأعلنت يوم 15/12/2015 عن تشكيل التحالف الاسلامي المكون من 34 دولة من دول منظمة التعاون الاسلامي لمواجهة “داعش” عسكريا وفكريا، وأضافت إليه يوم 30/12/2015 تحالفا مع تركيا تحت اسم “مجلس تعاون استراتيجي”.
جاءت اندفاعه المملكة السياسية والعسكرية في مناخ شديد الخطورة والسيولة ترتب على تطورات وتغيرات إقليمية ودولية عاصفة. فقد قادت ثورات الربيع العربي التي فجرها الشباب العربي ضد الاستبداد والفساد إلى إسقاط أنظمة(مصر، تونس، اليمن) كانت جزءا رئيسا من معادلة إقليمية تحظى برضاها ورعايتها، ودفعت، هذه الثورات، إلى حراك شعبي في المملكة، خاصة في الأوساط الشيعية المهمّشة شرق البلاد حيث خرجت تظاهرات شعبية تطالب بالإصلاح والمساواة بين المواطنين ووقعت صدامات وسقط ضحايا وجرحى وجرت اعتقالات قادت إلى إعدامات لعدد منهم بمن فيهم الشيخ نمر باقر النمر الذي اعدم منذ يومين، وفي محيطها الخليجي، البحرين، وبروز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش) وسعيه لآخذ الشرعية الدينية بتمثيل السّنة والتحدث باسمهم عن طريق تبني مظلوميتهم والتحريض على الأنظمة في الدول الإسلامية التي فشلت في حمايتهم وتمكينهم من حقوقهم السياسية والاقتصادية ونجاحه في استقطاب شباب سعودي إلى صفوفه ودفعهم إلى العمل المباشر ضد النظام القائم مشكلا تحديا للمملكة، التي تعلن عن تسنّمها دورا قياديا في العالم الإسلامي السّني، ومثيرا الهواجس والمخاوف من عودة العمليات الإرهابية التي عانت منها كثيرا طوال عقدين قبل أن تنجح في احتوائها والقضاء على خلاياها النائمة، وقد فاقم في حدة معركة الشرعية التوتر الطائفي بين السّنة والشيعة وانكشاف الضعف السعودي في مواجهة التمدد الإيراني وأذرعه الطويلة في عدد من بلدان العالم العربي وإعلانه تحقيق الانتصار بالسيطرة على أربعة عواصم عربية(بغداد، دمشق، صنعاء، بيروت)، وقد زاد الطين بلة توجه الإدارة الأمريكية لإجراء مراجعة عميقة لإستراتيجيتها الكونية ولإعادة نظر في سلم أولوياتها حيث ربطت تدخلها العسكري المباشر بتهديد المصالح القومية الأمريكية فقط، والتدخل دفاعا عن مصالح الأصدقاء والحلفاء في إطار تحالف جماعي تتحمل فيه هذه الدول العبء الرئيس، واعتبار منطقة المحيط الهادي أولويتها الراهنة في ضوء الصعود الصيني وبدء الصين في التعبير عن ذلك بفرض حدود للأجواء والمياه الإقليمية ووضع اليد على جزر متنازع عليها مع عدد من الدول الحليفة للولايات المتحدة، وتركيزها على إغلاق ملف البرنامج النووي الإيراني لتتفرغ للصين. وهذا وضع المملكة أمام تحديات حماية أمنها الوطني ومصالحها القومية فلجأت إلى صد ارتدادات الربيع العربي بلجم الموجة عبر دعم ثورات مضادة في مصر وتونس واليمن من جهة والبحث، من جهة ثانية، عن بديل للحماية الأمريكية بالانفتاح على الروس والصينيين والفرنسيين وعقد صفقات تسلح وأخرى لبناء مفاعلات ذرية معهم قبل أن تطلق مشروعها الخاص بالرد المباشر على التهديد الإيراني في اليمن عبر تشكيل التحالف العربي وإطلاق “عاصفة الحزم”.
تكمن نقطة ضعف تحرك المملكة السياسي والعسكري في الفرضيات التي تنطلق منها وفي الإطار المفاهيمي الذي تروج له فمنطلقها الرئيس، وكعب آخيلها في الوقت عينه، اعتقادها أنها مؤهلة لقيادة العالم الإسلامي السّني، اعتقاد نابع من حقائق ليس لها يد فيها كونها ارض الحرمين الشريفين(مكة والمدينة)، ما جعلها تقاوم أي نظام يرفع شعارات إسلامية كي لا ينازعها على تجسيد النموذج الإسلامي ويضعف شرعية قيادتها للعالم السّني، وما ترقد عليه من ثروات نفطية درّت عليها عوائد مالية كبيرة سمحت لها باستخدام دبلوماسية الشيكات للتأثير على المواقف السياسية والتطورات الاجتماعية في كثير من دول العالمين العربي والإسلامي، وهذا دفعها إلى التعامل مع الأنظمة والقوى المحلية والإقليمية والدولية بمزيج مضطرب من الإحساس بالقوة والضعف، ما افسد فرص التفاهم طويل المدى مع دول وأنظمة عربية لا تقبل التصرف من موقع الدونية وجعل العلاقات معها قلقة متأرجحة ومثالها الأوضح السودان في بداية “ثورة” الإنقاذ، التي شارك فيها ونظّر لها الدكتور حسن الترابي، ومصر في عهدي محمد مرسي وعبدالفتاح السيسي الأول بسبب إسلامية نظامه والثاني بسبب توقعه اعتراف الدول العربية بمصر كقيادة للعالم العربي، وهذا دفع السعودية إلى إهمال مشروع تشكيل قوة تدخل عربي، طرحتها مصر كمدخل لإعادة الاعتبار للنظام الإقليمي العربي ولاستعادة دورها المتصور، فماتت الفكرة، وهذا دفع الأخيرة إلى عدم الاندفاع وراء المبادرات السعودية، حيث كان دورها هامشيا في التحالف العربي، وعدم اكتراثها بالتمدد الإيراني الذي يقلق السعودية ويقض مضجعها، وأما مثالنا الثاني فتركيا التي شكل نظامها الديمقراطي بقيادة حزب إسلامي نموذجا ملهما للقوى الاجتماعية العربية ما أثار فزع السعودية، وخاصة بعد تحالف تركيا وقطر ودعمهما لجماعات الإخوان المسلمين الذين اقلقوا النظام السعودي بتبنيهم مقولة ولاية الأمة على نفسها وحقها في محاسبة الحاكم وعزله، ودفعها إلى العمل على عزل تركيا عربيا وإسلاميا، قبل أن تضطر إلى الانفتاح عليها لمواجهة التغول الإيراني والتدخل الروسي في سوريا، والعمل على جذبها إلى التحالف الإسلامي أولا(تركيا تتحمس لمشاريع ذات طابع إسلامي لأنه يستبعد أولوية العامل العربي للمنطقة ويسمح لها ليس بالمشاركة على قدم المساواة مع دول الإقليم وحسب بل وبالمطالبة بدور وازن لحركات الإسلام السياسي المتحالف معها) والاتفاق معها على تشكيل مجلس تعاون استراتيجي تاليا لدفعها لإعطاء أولوية للعلاقة معها على حساب العلاقة مع قطر التي سبق واتفقت معها على إقامة قاعدة عسكرية تركية على أراضيها، باستغلال حاجتها إلى بديل للنفط والغاز الروسي الذي يمكن أن تقطعه روسيا في سياق تصعيدها ضد تركيا ردا على إسقاطها القاذفة الروسية، في حين يشكل إطارها المفاهيمي القائم على منطلقات الفكر الوهابي المغلق ثقبا اسود جاهز لابتلاع أي تفاهم مع العالمين العربي والإسلامي وتقليص مساحة شبكة الأمان لأنها لا تتسبب بمفاصلات مع الآخر وحسب بل وتقدم أرضية عقائدية للحركات الإرهابية التي تحشد المملكة لمحاربتها. ما يستدعي إعادة نظر شاملة للخروج من إسار المنطلقات والمفاهيم المقيدة لإقناع مواطني المملكة أولا بنظام يستحق الدفاع عنه واقناع الدول العربية والاسلامية بجدوى التحالف والتعاون معه ويقنع دول العالم بقطع الجذر المشترك مع الحركات الارهابية.
المدن