صفحات العالم

فيتو روسيا والصين.. هل تستمر الثورة؟


 باسم الجسر

لماذا اتخذت روسيا والصين هذا الموقف السلبي المتشدد من المسألة السورية في مجلس الأمن؟ وماذا بعد أن اصطدم المشروع العربي – الغربي للحل برفض النظام السوري له وشل يد مجلس الأمن في معالجته؟

لقد ضاعف النظام السوري، أثناء مناقشات مجلس الأمن، وبعد الفيتو الذي عطل أي حل، قمعه العنفي للمتظاهرين المطالبين بإسقاطه. وبات عدد الضحايا يعد بالمئات يوميا، بعد أن كان بالعشرات. ولكن إلى متى يستطيع النظام الاستمرار في قمعه الدامي هذا؟ وإلى أي عدد من القتلى وأي كمية من الدمار سيصل، كي يعتبر أنه تغلب على ما يسميه بـ«المؤامرة الدولية» ضده؟ وهل سيتراجع السوريون المنتفضون عليه بعد أن خذلتهم موسكو وبكين؟ وهل ستنفض الدول العربية والدول الكبرى والمجتمع الدولي يدها مما يحدث في سوريا، وهو خطير وفظيع، أيا كان الوصف الذي يطلق عليه أو الحكم على أسبابه؟

من الواضح بل والأكيد أن الانتفاضة الشعبية في سوريا المستمرة والمتصاعدة منذ أشهر، لن تتوقف. بل إنها سوف تزداد عنفا وشمولا، يوما بعد يوم. وإن مؤيديها وداعميها، عربيا ودوليا، لن يتخلوا عنها ويتركوا ساحة الشرق الأوسط حلبة تسرح وتمرح فيها موسكو وبكين وطهران. بل من المرجح أن تعود الحرب الباردة بين الشرق والغرب إلى هذه المنطقة من العالم، كما كانت عليه في القرن العشرين، بشكل أو بآخر. فموسكو بوتين ليست موسكو ستالين أو خروشوف. وبكين اليوم هي غير بكين الأمس، وكثيرون هم الذين يعتقدون أن وراء موقف العاصمتين الشيوعيتين سابقا، مجرد مصالح اقتصادية، ومناورة تكتيكية، قابلة للتفاوض عليها مع واشنطن والاتحاد الأوروبي.

ولكن المشكلة الحقيقية ليست فيما حدث في مجلس الأمن وتجميد الفيتو الروسي – الصيني لمشاريع الحلول التي طرحت أمامه، بل هي أيضا في المواقف العربية من المحنة السورية. فهناك ثلاث أو أربع دول أعلنت وقوفها مع الانتفاضة الشعبية الثورية، بينما هناك دول أخرى التزمت الحياد – أو ما سمي بالنأي – بين النظام والشعب الثائر. وهناك من يبدو عليها أنها تؤيد النظام، ولو سرا. ولا غرابة. فالأنظمة العربية الجديدة التي قامت بعد ما سمي بالربيع العربي، لم تقبض بعد على مقاليد الحكم ولم تتمكن من وضع وتنفيذ سياسة عربية وخارجية واضحة المعالم والأهداف. وفي هذا «الجو العربي» الغامض الملامح والمجهول الآفاق، يصعب الحديث عن ضغط عربي فعال على النظام السوري. وهذا ما يعرفه النظام السوري الحاكم جيدا ويستفيد منه.

ولكن هل ستستسلم الدول الكبرى والأنظمة العربية الإسلامية الجديدة لهذا «الانتصار الدبلوماسي» الذي سجله حلف موسكو – بيكين – طهران، عليها؟ كلا بالطبع.

وسلاح الضغوط الاقتصادية الدولية على دمشق ما زال فعالا ومرشحا للتصعيد. فهل يستطيع النظام السوري تحمل نتائجه فوق ما يتحمل من ضغط الجماهير الثائرة؟ وماذا تستطيع طهران وموسكو أن تعوضا دمشق به اقتصاديا، إذا اشتد طوق العقوبات الاقتصادية؟ إن إيران تعاني هي أيضا من العقوبات الاقتصادية الدولية، كما أن النظام الروسي معرض لمعارضة شعبية تهزه. ومدى أو حجم مساعدتهما للنظام السوري محدودان، بينما شرعية المعارضة السورية تمتد دوليا.

المشكلة ما زالت هي ذاتها منذ أن اندلعت الانتفاضة الشعبية على النظام الحاكم في سوريا. أي أن الشعب الأعزل الثائر لا يستطيع الانتصار عسكريا على النظام إلا بعد حرب أهلية وتدخل عسكري دولي. وهذا ما لا يريده السوريون والعرب والمسلمون ولا المجتمع الدولي. ولكن تطبيق النظام القائم، فعلا، للإصلاحات الدستورية، سيؤدي، حتما، إلى قيام حكم ديمقراطي منبثق عن انتخابات حرة، أي إلى قيام نظام حكم جديد. ولسنا نرى بين هذين الاحتمالين مخرجا ثالثا.

إن سوريا، والعرب عموما، دفعوا بالأمس ثمن الحرب الباردة بين الشرق والغرب. وهم يدفعون، اليوم، ثمن الصراع المتجدد بين موسكو وواشنطن، ولكن بعد أن أضيف إليه «ملح» المشروع الإيراني للهيمنة على الشرق الأوسط. ومن اللافت بل والمذهل، أنه في كل هذه العقود التي كان العرب خلالها يدفعون الثمن، كانت إسرائيل تستفيد من هذا الصراع، من الجانبين. تستورد بشرا من روسيا، ومالا وأسلحة من الغرب، وتنمو وتتوسع، بينما نحن نتقاتل وننقسم على بعضنا وتتفتت دولنا وتتباعد بدلا من أن تتقارب وتتوحد.

ما يجري في سوريا ليست مأساة أو محنة سوريا فحسب، بل إنها مأساة الأمة العربية بأسرها. بل إنها مأساة الإنسان العربي الحالم بأمجاد الماضي والمشيح بوجهه عن العالم والعصر الجديدين. وعسى يكذبنا «الصيف العربي» المقبل؟!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى