فيديوات الأزمة السورية: عنفٌ “يوثِّق” عنفاً
رشـا الأميـن
مع انطلاقة الثورة السورية في آذار 2011 اجتاحت مواقع الشبكة العنكبوتية فيديوات مصوّرة توثّق يوميات وأحداث هذه الثورة. وفي الأشهر الأولى من عمر الأزمة السورية كانت تلك اللقطات المصوّرة بغالبيتها الساحقة تهدف إلى إظهار قمع النظام السوري للتظاهرات وتعميم قضية الثورة. إلا أن احتدام النزاع وتحوّله تدريجياً نحو اقتتال داخلي تطور إلى حرب أهلية مستعرة، حوّل طابع هذه الفيديوات، التي راحت تعكس الطابع العنفي للمواجهات بين النظاميين والمعارضين.
ما إنْ تكتب في محركات البحث على الانترنت كلمات مفاتيح حول سوريا، حتى تخرج إليك كمية هائلة من الفيديوات، خصوصاً على موقع “يوتيوب” كما على مواقع التواصل الإجتماعي، غالبيتها غير مسموح لمن هم دون 18 سنة مشاهدتها وفق تصنيفات هذه المواقع. وكان أبرزها فيديو ظهر أخيراً يصوّر رجلاً من المعارضة السورية يقتلع قلب وكبد أحد عناصر النظام السوري، ويضعه في فمه.
وفي فيديو آخر، يظهر شابٌ حيّ مدفون تحت التراب باستثناء رأسه، وإلى جانبه عنصر من الجيش النظامي السوري بلباسه العسكري وآخر بلباس مدني، يوجهان إليه كلام تعنيفٍ، ثمّ يطمران ما تبقّى من وجه الشاب، حتى اختفائه تحت التراب.
الجلّاد والضحية هم ضحايا
يشرح الطبيب النفسي جوزف خوري عن سبب تصوير الجاني ارتكاباته: “الفكرة الأساسية في الحرب هي الوضع المعنوي للمقاتلين، بغضّ النظر عن الإمكانيات العسكرية والمادية، والهدف الأساسي من هذه الفيديوات التي يقوم بتصويرها الجاني، تدمير معنويات الطرف الآخر، وهذا ما يحصل”.
ويؤكد خوري في حديث الى موقع “NOW” أنّ “الجندي عادةً لا يهتم بفكرة موته عندما يخرج الى الحرب، وخصوصاً الآن في سوريا، حيث الذين يقاتلون تحت شعار الدين لا يخافون الموت، لكن بعد العنف المنتشر والتنكيل بالجثث، بات المقاتل يعي شكل موته، ما يدمّره معنويّا، إذ إن الجاني يصوّر وينشر كي يهدّم معنويات المشاهد الذي يكون ربمّا المقاتل من الطرف الآخر”.
أمّا عن الضحية التي تصوَّر، فيقول خوري: “في النتيجة الجاني والضحية هما ضحيتان. هذا ما يحاولون إظهاره في الفيديوات”، مشيراً إلى أنّ “في سوريا ما زال عنوان “الضحية” تعبير لشحذ الهمم ولاستعطاف الرأي العام العربي والعالمي، عسى أن يلعب دوره بمساعدة فريق ضد فريق”.
وبالنسبة لكميات الفيديو المصوّرة والمنتشرة، اعتبر خوري أن “المجتمع السوري يُظهر بذلك صورةً عن نفسه للمجتمعات الأخرى، ولن تمحى هذه الذاكرة المجرمة، لأن الفيديوات لن تحذف عن الإنترنت”، مضيفاً: “الفيديوات جعلت الأولاد السوريين اللاجئين منهم، قابلين للعنف على أساس طائفي”، ويتابع: “لم يبقَ عند الضحية أي مكونات إنسانية وأضحت تواجه العنف بعنف مضاد خرج عن إطار الوعي والعقل في بشاعته وهمجيته”.
“الفيديوات التي تُظهِر الصور الوحشية من طرف النظام تحمل رسالة واضحة تحت عنوان: إفعلوا وقولوا ما شئتم سنحرق البشر والبلد مقابل الأسد”، وفق ما يعتبر المصوّر السوري عبد الله الحكواتي في حديث الى موقع NOW، مضيفاً: “إذا دققنا في أغلب الفيديوات المسرّبة من قبل النظام نجد أنّها تحمل قاسماً مشتركاً هو اللهجة العلوية التي، هي برأيي، هي لجرّ الطرف الثائر للتحول طائفياً بسبب التعذيب والقتل”.
من جهة “الجيش السوري الحر”، يقول حكواتي: “أغلب فيديوات العمليات العسكرية هي من أجل رفع المعنويات عند الناس، وإذا وجد العنف يكون بشكل عرضي غير ممنهج وبشكل محدود واستثنائي، فالفيديوات المنشورة من قبل كتائب المعارضة ممكن أن تكون بشعة وفيها أنواع من التشفي بالقتل، وهي معدودة ومبنيّة على ردة فعل وفي إطار الدفاع عن النفس لا أكثر”، لافتاً أن “الوحشية في الصور ممنهجة من قبل النظام وذلك لبث الخوف والرعب”.
حكواتي، الذي يبلغ من العمر 35 سنة من مواليد حماه ويقيم في حلب، كان يعمل قبل الثورة في المسرح، لكن بعد اعتقاله الأول بتاريخ 17/آذار/2011 خرج من الأمن العسكري وعمل في الحراك المدني وفي تصوير المظاهرات والاعتصامات، كما عمل على تقارير إخبارية، وبعد الاعتقال الثاني في 6/9/2011 مع كاميراته، بدأ العمل بالتصوير الاحترافي والعمل على أفلام وثائقية قصيرة. “بالنسبة لي بدأت بتصوير الدمار اعتباراً من اليوم الأول لمعركة حلب”، يقول حكواتي، لكنه يعتقد أن “تصوير الضحايا يشوهني ويشوه وجه الضحية”. يؤكد حكواتي ان “الصورة تنقل المُشاهد إلى مكان الحدث”، ويذكر أنه في أحد الأفلام القصيرة التي عمل عليها استطاع أن يُظهر “بشاعة النظام السوري” من خلال دقيقتين و11 ثانية.
ويختم حكواتي “بعد تشردي أكثر من سنة ونصف وإصابتي مرتين ووجود 16 شظية داخل جسدي، كل هذا يدفعني أكثر لأنقل الصورة الحقيقية على الأرض بعيداً عن العاطفة. أنا أؤمن بفكرة أن الصورة تتحدث عنك، وفهمتُ مع الوقت أن العنف يولّد عنفاً، فعنف النظاميين يولّد العنف عند المعارضين”.
موقع لبنان الآن