فيديو إرهاب باريس… وسوريا/ روجيه عوطة
لوهلة، يظن المرء أنه يشاهد فيديو من فيديوات الإعتداء على المتظاهرين في سوريا، لكنه، سرعان ما ينتبه إلى أن وقائع الجريمة الدائرة أمامه لا تجري في دوما، أو درعا، أو حمص…بل في باريس. المصورون مدنيون، صودف حضورهم على سطح إحدى البنايات القريبة من مقر صحيفة “شارلي إيبدو”. أما المعتدون، فهم إرهابيان، يتحركان في الشارع لإطلاق النار، وقتل المزيد من الضحايا، وبذلك، يحيلان إلى ممارسات جنود بشار الأسد.
نرى شهود العيان مختبئين، يصورون الهجوم المسلح بشكل يمنع القتلة من اكتشاف وجودهم. أحدهم، يقول للجاثيين من حوله: “لا تتحركوا”، وواحد آخر يسأل “ما هذا؟”. ربما، اعتقد أن الحاصل في الطريق مجرد إعداد لفيلم أو تصوير له. فالإرهاب البارحة ضرب باريس مثلما يضرب الأمن البعثي المناطق السورية، إلا أن المصورين، في سوريا، يدركون أنهم يسجلون إرتكابات جيش الأبد (الأسد)، إقترافات لا لبس في فاعليها، في حين أن المصورين، في فرنسا، سألوا عن الواقعة، وعن مرتكبيها الملثمين، “وماذا يحصل؟ ومن هم هؤلاء الذين قتلوا 12 شخصا؟”.
ظهر الإرهابيان في الشريط، وهو واحد من الأشرطة المصورة الثلاثة (أنقر هنا لمشاهدة الثاني والثالث)، كأنهما ممثلان أكثر من كونهما ملثمَين. هذا لا يطرح استفهاماً تشكيكياً حول هجومهما، إن كان مزيفاً أو مركباً، على ما حاولت أن تروج له إحدى المواقع الإلكترونية. لكنه، ينطلق من يُسر تحركهما في ساحة جريمتهما، إذ دخلا إلى مركز الصحيفة، قتلا رسامين محددين بعد وقبل أن يردوا موظف الاستقبال وعنصر البوليس جثتين.
الشارع كان خالياً سوى منهما، ومن محاولتهما القضاء على أحد الشرطيين بالرصاصة القاضية، في الرأس، ثم، توجههما نحو السيارة، والإنطلاق نحو مخبئهما المجهول.
هنا، خرج الإرهاب من صورته إلى جريمته من دون أن يفارق الأولى ويكشف نفسه في الثانية. انتقل من تصويره الميديوي، الذي تشيعه وسائل الإعلام عنه، إلى واقعته الدموية، ممارساً إياها بكل شدة وبرودة في الوقت نفسه. فبدا كل متطرف من المتطرفين كأنه يرتكب فعله بقوة دقيقة، ومرد ذلك، غياب ذعره من الموت، الذي، في لحظة الهجوم، كان خلفه، من دون أن يرعبه، على العكس، يستخدمه لقتل “العدو الكافر”.
لقد أتى الإرهابيان من أمام موتهما. لم يكترثا به، ولم يخشيا التصدي لهما من قبل البوليس، الذي لم يحضر سوى بعد وقوع الهجوم. هذا، ما حولهما إلى ممثلين، بحيث أنهما، بوصفهما خارجين على القانون الرسمي ومنه، لم يقضيا على ضحاياهما فحسب، بل عطلا مجريات عملهم أيضاً. إذ ظهر يسيراً، من الممكن أن يقوما به في أي وقت، من دون أي رادع أو عائق.
هؤلاء، الذين لطالما كان إرهابهم محصوراً في التصوير الاعلامي، ما عادوا قادرين على البقاء داخله. لم يبارحوه. نقلوه، لدرجة أن جريمتهم بين مركز “شارلي إيبدو” والشارع، برزت استديويو، نتيجة تحركهم في ساحتها وخروجهم اليسير منها.
يحيل فيديو هجوم باريس إلى أحد فيديوات إرهاب الأبد في سوريا، لكن ذلك لا ينفي أنه يتضمن إرهاباً من نوع آخر، هو إرهاب الموت. قتلة الأسد لا يتلثمون، قتلة باريس يفعلون ذلك. قتلة الأسد يمثلون نظامهم، قتلة باريس يمثلون صورتهم. وباختصار، قتلة الأسد يرتكبون أبدهم بحق المعارضين، وقتلة باريس يقترفون موتهم بحق من يعتبرونهم “أعداءً”.
لا مجال الآن إلى مدّ الإحالة أبعد من الفيديو، والبحث في علاقة مظهره مع صلة أبد العالم وموته، ومع الحدث الإرهابي، الذي يقع فجأةً، ومن خارج تصويره الإعلامي ومن داخله على حد سواء. لقد ضرب الموت فرنسا ولا يزال الأبد يرهب سوريا، وفي البلدين، هناك الكثير من الناس اغتيلوا، صحافيين ورسامين وغيرهم… فالسلام عليهم.
المدن