فيديو السيلفي.. الأشكال الفنية الجديدة التي أنتجتها الثورة السورية
في سنة 2015، قامت فتاة سورية تدعى شذى سعيد بنشر فيديو على موقع “إنستغرام”، وهي تصوّر نفسها بتقنية فيديو السيلفي، وتتحدّث عن الازدحام المروري في الإمارات، بشكل وصفته معظم التعليقات بـ”المسخرة”، وسرعان ما تداول ناشطون الفيديو على موقع “فيسبوك”؛ والذي كان لافتًا للانتباه حينها هو عدد المشاهدين الذين تابعوا هذا الفيديو البسيط، بكل ما تعنيه كلمة بسيط من معنى، حيث تشعر أن وصول عدد المشاهدين لأكثر من ربع مليون شخص كان ضربًا من الجنون لا أكثر؛ ولكن ما كان يبدو شيّقًا حقًا هو تفاعل الناس مع هذا الفيديو، ولاسيما عندما بدأ الجمهور ينتجون مقاطع فيديو مصوّرة بالطريقة نفسها، للردّ على شذى أو السخرية منها، لتستطيع فيديوهات السيلفي البسيطة هذه أن تخلق على مواقع التواصل الاجتماعي شكلًا من التفاعل الفني لم تشهده سورية من قبل.
وذلك التفاعل دفعنا للتساؤل: هل يعتبر فيديو السيلفي شكلًا فنيًا جديدًا؟ وقادنا هذا السؤال بالضرورة للتساؤل عن المعايير الفنية وجدليتها، ولن يؤدّي ذلك سوى لإثارة المزيد من التساؤلات حول شرعية الفنون الهامشية، وعن إمكانية التخلّي عن نظرية هاورد بيكر في التقييم الفني، الذي يعطي السلطة للنقّاد والخبراء المختصيّن في الحكم والتقييم على المنتجات الفنيّة.
وبسبب ارتباط الظاهرة زمانيًا بالأحداث السياسية في المنطقة من ناحية، والثورة السورية التي أنتجت أشكالًا فنية جديدة لم يعهدها السوريون من قبل، وبسبب ارتباط الظاهرة بالتطور التقني الذي أدى لاختراع أدوات كالهواتف الذكية التي نستعملها بشكل يومي، والتي ساهمت بانتشار هذا النوع من الفيديو، فإن ذلك قادنا للتساؤل أيضًا: هل انتشر فيديو السيلفي في سورية بسبب الثورة السورية أم بسبب الثورة التقنية؟ إلا أن الإجابة بدت واضحة منذ البداية، فانتشار هذا النوع من الفيديو حول العالم يؤكّد أن للثورة التقنية الدور الأكبر بانتشار هذا النوع من الفيديو في سورية أيضًا؛ ولكن البحث في الأشكال الفنية الجديدة التي تزامنت مع ظهور فيديو السيلفي في سورية بدا هامًا للإحاطة أكثر بالمناخ الثقافي، الذي سمح لهذا النوع من الفيديو بالتداول والانتشار.
وممّا لا شك فيه أن الحراك الشعبي أثّر على الفن السوري كما أثّر على باقي جوانب الحياة الثقافية والاجتماعية في سورية، فجميع الأشكال الفنيّة السائدة، حاولت أن تقحم موضوعة الحرب وآثارها ضمن مضامين أغلب الأعمال التي تقدّمها، فالعروض المسرحية في سورية بدأت تجتهد لتُسخّر المسرح في خدمة التعبير عن الشارع السوري أو لنصرة فكر سياسي على آخر منذ اندلاع الأحداث، وما أن وصلنا إلى سنة 2013 حتى باتت تيمة الحرب مسيطرة بشكل كامل على معظم عروض المسرح السوري.
وما حدث في المسرح لا يختلف عمّا حدث في السينما أو حتى في المسلسلات التلفزيونية التي غمّست بالرسائل الوطنية، وكذلك في الفنون التشكيلية والبصرية التي بدت أكثر عفوية بطريقة التعاطي مع الواقع السوري؛ ولكن الاختلاف في المضمون أو المحتوى الذي تقدمّه الفنون السائدة في سورية لا يعني بالضرورة إنتاج أشكالٍ فنيّة جديدة.
لكن المقصود بالأشكال الفنيّة الجديدة، هو تلك الآليات التي لم تكن موجودة في سورية من قبل، ولا يعني الأشكال السائدة التي أثّرت الأحداث على مسارها؛ فالحراك الشعبي السوري أتاح للهوامش الفرصة للتعبير عن نفسها بطريقتها الخاصّة والمبتكرة والبعيدة كل البعد عن القوالب الجامدة والمعتمدة في التعبير الثقافي بالمفهوم المركزي السائد، والتراجع الملحوظ للفنون المركزية السائدة المهذبة، أمام تقّدم الفنون الشعبية الهامشية الصادمة، لم يكن متاحًا لولا توافر بعض الظروف، وفي مقدّمتها تقدّم وسائل الاتصال، وتزايد دور شبكة الإنترنت شعبيًا. ومن الممكن أن نقسم الفنون الجديدة التي ظهرت في سورية إلى فئتين:
الفئة الأولى جاءت كنتيجةً للدمج بين نمطين فنيين أو أكثر، كالمظاهرات مثلًا، التي تحتوي أنماطًا فنية متعدّدة كالغناء الذي يمارسه المتظاهرون والنصوص الشعرية التي يرفعها المشاركون بلافتاتهم، والتجمهر المسرحي، والحالة التشاركية التفاعلية الموجودة في عروض مسرح الشارع، بالإضافة للتصوير وإعادة بث الاحتفاليات؛ وتجلت أجمل الصور الفنية للمظاهرات في مدينة كفرنبل، التي ضمت لافتاتها رسومًا فنية وعبارات تمتزج فيها الشعرية بالسخرية.
وأما الفئة الثانية، فهي الفنون التي انتشرت بسبب استخدام أداة فنية جديدة، كالتدوين الإلكتروني، ومعارض الصور في العالم الافتراضي، يمكن أن ندرج أيضًا بهذه الفئة الغرافيتي أيضًا الذي لم يكن منتشرًا في سورية بسبب التشديدات الأمنية، إلى أن باتت جدران مدينة سراقب مثلًا معرضًا فنيًا؛ وتدرج بهذه الفئة أيضًا كاميرا السيلفي التي استفاد منها السوريون، لينتجوا آلاف الفيديوهات وليعبّروا عن أنفسهم بعيدًا عن المركزية التي تفرضها وسائل الإعلام التقليدية.
جيل