صفحات المستقبل

في أحوال كرد سوريا وأرمنها/ عامر عبدالسلام

يرفع شفان (الشاب القادم من سوريا) بمزيج من الزهو والفخر العلم الكردي، وصورة الملا مصطفى بارزاني، قائد الحركة الثورية الكردية، في منزله الكائن بمدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق.

لا يرى شفان أي سبب للاستغراب من تصرفه، قائلاً: “إن العلم الكردي جزء منه، وكان يرفعه منذ طفولته، لكنه يعترف إن ذلك كان يتم بحذر شديد، ويقتصر على يوم واحد في السنة وهو يوم عيد “نوروز”، “كان ذلك يعتبر تحدياً للنظام السوري”.

الشاب شفان واحد من عشرات الشباب الكرد السوريين الذين لجأوا إلى إقليم كردستان العراق، بعد ظروف الحرب الدائرة في بلادهم، ولكنه يرى إنه التمس الحرية الحقيقية هنا في الإقليم، كونه شارك في أولى التظاهرات السلمية في بداية الحراك الثوري السوري بهدف الحصول على حريته في التعبير عن هويته الكردية، إلا إن الثورة كما يقول شفان “اتخذت مسارات أخرى بعد أن أصبحت مسلحة، مؤكداً إن البديل القادم في “سوريا الجديدة” لن يكون أفضل حالاً من نظام الأسد الحالي”، في إشارة إلى عدم اعتراف المعارضة السياسية بالحقوق الكردية المشروعة.

من جانبه يشير نوزاد (طبيب كردي سوري) إلى أنه لجأ إلى الإقليم بعد إن استطاع الهرب من قطعته العسكرية، مؤكداً رفضه مشاركة النظام في قمع أبناء بلده، لافتاً إلى أنه يعمل الآن بمهنته كطبيب في أرقى مشافي العاصمة أربيل، وأنه لم يتوقع فرص العمل الهائلة هنا في الإقليم وبمختلف الاختصاصات، مشيراً إلى إن الكثير من زملائه يعيشون حياة بائسة في مخيمات اللجوء في باقي البلدان المجاورة لسوريا كتركيا والأردن ولبنان ومصر.

عامل اللغة

المهندس ساكو (الأرمني القادم من سوريا، هرب من حلب في أواخر أيلول الماضي مع العائلة والأصدقاء في قافلة من تسع سيارات)، لا يعتبر أن اللغة الأرمنية مجرد عامل في إندماجه مع مجتمعه الجديد في ييريفان عاصمة أرمينيا، مشيراً إلى أن أصدقاءه من العرب السوريين في لبنان والأردن ومصر يتكلمون اللغة العربية ذاتها، إلا إنهم يعتبرون محطتهم في تلك البلدان إقامة مؤقتة، ويتم استغلالهم كونهم سوريين، على العكس من الوضع عليه هنا في أرمينيا، مشيراً إلى إن الحكومة الأرمنية تتحمل عبئاً كبيراً لمساعدة الأرمن السوريين.

يشار إلى إن أرمن سوريا هم مواطنون سوريون، وكانت سوريا ملاذاً آمناً للأرمن الذين فروا من الحروب والاضطهاد، كالإبادة الجماعية التي تعرضوا لها مطلع القرن العشرين، ووفقاً لمنظمات الشتات الأرمني، يقدر أن هناك 150،000 أرمني في سوريا، ويعيش معظمهم في حلب والقامشلي، ولكن في الواقع انخفض عدد السكان الأرمن في سوريا خلال السنوات العشرين الأخيرة، وهو، في الوقت الحاضر، يقرب من 100،000.

الامتيازات الأرمنية

وتتساءل سيفان سلاميان “هل توجد خيمة واحدة للاجئين السوريين على أراضي جمهورية أرمينيا؟” لتقارن بوضع السوري في بلاد العرب بعد الأزمة وأوضاع المهاجرين إلى أرمينيا، وتجد الفرق الشاسع بدليل الحصول على الجنسية الأرمنية بفترة قياسية، أو على الأقل الحصول على إقامة لمدة عشر سنوات مجاناً، بالإضافة إلى حق التعليم في الجامعات، مؤكدةً عدم وجود أي تمييز من قبل الإدارة الجامعية في التعامل مع الطلاب، وفي الحصول على مساعدات الدراسة.

وتضيف سيفان إن هناك عددا ممن سمتهم “الانتهازيين” من السوريين غير الأرمن المتواجدين بأرمينيا، معتبرةً إن نسبتهم ليست قليلة، وأنهم لم يأتوا مراعاةً للتاريخ واللغة المشتركة وإنما قدموا للعيش على حساب الدولة الأرمنية.

كما أنشأت مجموعة من الشباب الأرمني من أصل سوري صفحة على موقع التواصل الاجتماعي “الفايس بوك” بعنوان “أرمن سوريا في أرمينيا” وصل عدد المشتركين بعد أقل من شهر إلى أكثر من 4000 مشترك، ويتضح عند تصفحها أنها وسيلة تواصل واطمئنان على الأهل والأقرباء في سوريا، كما لنشر نعي المتوفين الأرمن الذين يسقطون في سوريا بشكل دوري، وتأمين فرص العمل للوافدين الجدد وتسيير أمورهم، من دون تجاهل جهود الحكومة الأرمنية بالتعاطي مع الأزمة السورية، وتأثيرها على الجالية الأرمنية هناك، ونشاطاتها في تأمين حياة كريمة للوافدين الجدد، مثل تخفيض أقساط الدراسة وتأسيس مدارس باللغة العربية.

والأرمن في سوريا هم أساساً من أتباع كنيسة الأرمن الأرثوذكس، مع أقلية من الأرمن الكاثوليك والإنجيليين، وتلعب الكنيسة دوراً مهماً في توحيد الأرمن في سوريا، وأصبحت حلب مركزاً مهماً للحجاج الأرمن في طريقهم إلى القدس.

ونقلاً عن موقع وزارة الشتات في أرمينيا، فأنها قامت بإصدار قانون متعلق بإجراءات الحصول على الجنسية للأرمن في دول الشتات، فقد قامت الحكومة بتسهيل هذه الإجراءات والشروط ويمكن متابعتها ضمن القانون الخاص بثنائية الجنسية، بالشروط والأوراق التالية: “1000 درام أرمني، أي ما يعادل 2.5 دولار أميركي، وجواز السفر، وشهادة المعمودية، وشهادة الميلاد، والدليل على أنك أرمني، وفي كثير من الحالات في الشرق الأوسط فإن شهادة المعمودية وإخراج القيد تفي بالغرض”.

وبالنسبة لدول الشرق الأوسط، وبخاصة سوريا، أصبح من الممكن حالياً تقديم الطلب والحصول على الجنسية من دون الحاجة لزيارة أرمينيا من أجل إستلامها نظراً للظروف الاستثناية التي تمر بها سوريا، كما تكفلت إحدى شركات الطيران الأرمينية بتسيير رحلات مجانية بين حلب ويريفان.

حي “حلب الجديدة” في أرمينيا

كما قامت الحكومة الأرمنية بإنشاء حي سكني أطلقت عليه اسم “حلب الجديدة”، وذلك لتوطين أكثر ما يمكن من أبناء الجالية السورية من أصول أرمينية، الذين فروا من الحرب في بلادهم.

ونقل موقع “أوراسيانت” الأرمني عن إن السلطات أطلقت اسم حلب على الحي السكني، “حتى يشعر اللاجئون الجدد وكأنهم لا يزالون في سوريا”.

وأوضحت وزارة المغتربين الأرمن في تعليمات لها عن الحاجات الأساسية للأرمن السوريين، وأكدت استعدادها لإستقبال الطلبات الخاصة للراغبين في السكن في الحي المذكور، وتم تسجيل طلبات 600 عائلة سورية لشراء هذه الشقق وهم في غالبيتهم يدفعون فقط 50% من قيمة العقارات، في الوقت الراهن، وفقاً لما نشره راديو أرمينيا العام على موقعها الالكتروني.

الخوف من تكرار سيناريو العراق

ويعيش نحو 100 ألف أرمني في سوريا، وهم جزء من عدد أكبر من السكان المسيحيين، الذين يخشون أن يواجهوا أعمالا انتقامية في بلادهم من قبل المتعاطفين مع المعارضة، لأن الكثير منهم يدعمون نظام الرئيس بشار الأسد.

ويخشى كثير من الأرمن أن تتكرر أحداث العقد الماضي في العراق، حيث استعر العنف الطائفي بعد الاطاحة بصدام حسين في العام 2003، واضطر السكان المسيحيين إلى الفرار. ويدفع الأرمن السوريون حالياً، مثلَ غيرهم من أبناء مدينة حلب، ثمناً باهظاً منذ حطّت الحرب رحاها الدامية في عاصمة الاقتصاد السوري، التي احتضنتهم منذ هروبهم الكبير من المذبحة، التي ارتكبها العثمانيون قبل نحو مئة عام.

العاطفة الكردية

وبالعودة إلى أربيل يمكن سماع لغتين مختلفتين فيها تجاه اللاجئين السوريين: واحدة سياسية وأخرى شعبية. والنبرة تجاه اللاجئين السوريين غالباً ما تسودها اللغة الشعبية، فاللجوء السوري هو حالة طبيعية، إذ يؤكد الناس في إقليم كردستان العراق أنهم عاشوا الظروف ذاتها في مخيمات تركيا وإيران في حقبة صدام حسين.

ويؤكد الصحافي دانا أسعد (رئيس تحرير موقع أوينة) “هناك تعاطف كبير بين الكرد أينما كانوا، الكل هنا في إقليم كردستان يتذكر مواقف كرد سوريا تجاه الكوارث والقتل العام الذي لاقاه كرد العراق على يد نظام صدام حسين، وكيف خرجوا في مظاهرات مؤيدة لنا. الآن، أتت الفرصة والوقت المناسب لرد الجميل لهم واحتضانهم في اقليم كردستان، وهذه المواقف ليست حصراً على كرد سوريا والعراق فقط بل حتى الأجزاء الأخرى من كردستان الكبرى، فالكل يتذكر عندما هاجر مئات الآلاف من كرد العراق إلى إيران وتركيا عام 1991، كيف كان موقف الكرد هناك وكيف مدوا يد المساعدة لنا”.

ويضيف دانا أنه على الصعيد السياسي “بالتأكيد فإن كرد سوريا يتعرضون لمشاكل قانونية ومضايقات أمنية من قبل السلطة الحاكمة في إقليم كردستان ويعود هذا للمشاكل السياسية بين الأحزاب الرئيسية في سوريا في تأييدهم لنظام أو للمعارضة، وهذا ينعكس على كيفية معاملتهم للكرد اللاجئين من سوريا إلى كردستان العراق”.

بدورها ترى هيلين (المهندسة القادمة مع زوجها إلى الإقليم) إن مساحة كردستان واقتصادها يتحمل مثل هذا النزوح السوري، مؤكدةً إن الحالة الاجتماعية وطبيعة الكرد المتشابهة يسهل من موضوع الاندماج بشكل أكبر، مشيرةً إلى أنها لم تجد أي تيارات سياسية متطرفة تريد أو تحاول وقف النزوح السوري، وإن عملية إغلاق الحدود في الفترة الأخيرة جاءت بقرار سياسي بحت تجاه بعض السياسيين الكرد غير المرغوب فيهم في الإقليم.

وتؤكد هيلين إن الكرد السوريين متعاطفون تجاه قضايا الإقليم المحلية، لافتةً إلى أنها وأغلب أصدقائها عبروا عن تضامنهم مع أهالي ضحايا التفجير الذي تعرض له مبنى الأمن العام في أربيل.

وأضافت هيلين: “نحن الكرد وضعنا الأسوأ من بين الجميع، إذ لا توجد لدينا أي حقوق”، مشيرةً إلى أنَّ نصف الكرد السوريين لا يملكون بطاقات هوية، وكذلك لا توجد لديها ولدى عائلتها أي أوراق ثبوتية، ولذلك لم يتمكَّنوا أيضًا من السفر إلى بلدان أخرى، بل يطمعون في رحمة الرئيس الكردي مسعود بارزاني وحسب.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى