في أن الجميع ضد “داعش”/ مصطفى زين
لم يعد «داعش» مجرد تنظيم مجرم هبط من السماء في العالم العربي وتمدد إلى كل بقعة فيها مسلمون. ولم يعد وجوده مقتصراً على بقعة جغرافية محددة. فهو موجود في القارات الخمس. يوقظ خلاياه النائمة ساعة يشاء. وحاضر في كل الحروب الإستراتيجية. وفي رسم معالم مرحلة ما بعد القطب الواحد. وهو حجة لإعلان الصداقة والعداوة بين الدول الكبرى. وأداة لتفكيك الصغرى، وإعادة رسم خرائطها على أسس طائفية ومذهبية لتسهيل السيطرة عليها وإلحاقها بهذه الإمبراطورية أو تلك. ولديه تأثير قوي في السياسات الإقليمية والدولية، وحتى في الانتخابات المحلية. كل فريق يستخدمه لمصلحته ويصم أعداءه بالتعاون معه أو بالتراخي في محاربته.
ليخيف معارضي بقاء لندن جزءاً من الاتحاد الأوروبي (ستطرح المسألة على الاستفتاء في حزيران/ يونيو المقبل)، ساوى وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون بين أبو بكر البغدادي وبوتين. وحذر مواطنيه من أن موافقتهم على الخروج من الاتحاد ستكون أفضل خبر تتلقاه «موسكو والرقة». باراك أوباما، في رحلته «الوداعية» إلى الخليج، ذكّر الجميع بأنهم مسؤولون عن محاربة هذه الظاهرة، وعليهم معالجتها «فكرياً» بأنفسهم، مع مساعدات عسكرية سخية من واشنطن. ونصح بالتعاون بين الدول الإقليمية للقضاء عليه، خصوصاً في العراق، من خلال دعم بغداد مادياً وسياسياً. وعندما حط في لندن، حمل معه طيف «داعش»، وركزت محادثاته مع كاميرون على التنظيم. وبدوره حذر البريطانيين من مغادرة الاتحاد الأوروبي ومن التقوقع في جزيرتهم، كي يكون لهم دورهم الكبير في السياسة الدولية، خصوصاً أن العالم «يواجه تحديات خطيرة… فإرهاب داعش يخلق عدم استقرار ويسبب آلاماً فظيعة في سورية والعراق وما بعدهما»، على ما قال كاميرون.
باختصار، الجميع يتحدث عن خطر «داعش»، والجميع يستخدمه في الدعاوة السياسية، داخلياً وخارجياً. كلهم خائف من هذا الوحش المتمدد على مساحة العالم. أما عن التحالفات العسكرية ضده فحدث ولا حرج. فالحشود والأساطيل والطائرات وحاملاتها وقواعدها في بحار المنطقة وبرها، فضلاً عن التنظيمات المحلية، لا تعد ولا تحصى. لكن أبو بكر البغدادي يجلس سعيداً في قصر «الخلافة». يأمر بالذبح والشنق والحرق، وتدمير هذا المعلم التاريخي وذاك الضريح، مطمئناً إلى أن خلافات الحلفاء على تقاسم الحصص تمنعهم من هزيمته. لنأخذ الموصل مثالاً. الجيوش الأميركية (يقولون إنهم مدربون) والتركية والكردية والعراقية، فضلاً عن الإيطالية والبريطانية والأسترالية والفرنسية والروسية… وغيرها كثير، كلها في العراق وسورية، وكلها ضد «داعش»، لكن ليس من إرادة سياسية للقضاء على التنظيم، والحجج كثيرة لكنها لا تقنع طفلاً صغيراً.
الحياة