في إعادة إعمار سوريا/ فايز سارة
لعله من المبكر الحديث عن إعادة إعمار سوريا، والسبب الواضح لهذا التقدير، أنه لا تتوفر بيئة لإعادة الإعمار لا بالمعنى السياسي ولا الميداني؛ فمن جهة أولى ليس هناك من حل سياسي متفق عليه بين الأطراف المنخرطة بأعماق مختلفة في القضية السورية، ومن الناحية الثانية، فإن عمليات الدمار والقتل والتهجير ما زالت مستمرة، بل إنها متصاعدة أيضاً، رغم ما يقال عن مناطق خفض التصعيد، التي جرى الاتفاق عليها، وتم الإعلان عن بدء العمل فيها.
وخطورة العمليات العسكرية، التي يشارك فيها الروس ونظام الأسد وإيران وميليشياتها إلى جانب التحالف الدولي، أنها تمتد في رقعة جغرافية واسعة من البلاد، ويقوم بها تحالف النظام وتمتد من الوسط في حمص نحو دير الزور وريفها في الشرق، ومن حمص باتجاه الشمال مروراً بحماة وإدلب وريف حلب، إضافة إلى عملياته في ريف دمشق، فيما تمتد عمليات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية من ريف حلب وصولاً إلى محافظتي الرقة والحسكة وبعض أرياف دير الزور، والدلالة الأساسية في خريطة العمليات العسكرية، أنها تضرب العصب البشري والاقتصادي لسوريا، وفيها أهم المناطق الزراعية ومناطق إنتاج النفط والغاز، وخزان المياه السوري، فأية إعادة إعمار يمكن أن تتم في سوريا في ظل هذه البيئة الراهنة؟
وسط البيئة الراهنة، يبدو الحديث عن إعادة الإعمار بعيداً عن الواقع، وهو في أحسن الأحوال، كلام سياسي يصب في أهداف، تؤكد أن القضية السورية وصلت إلى نهاياتها، وأن نظام الأسد انتصر وحقق أهدافه في إعادة السيطرة على البلاد، وأنه هزم قوى «التطرف والإرهاب» من معارضيه المدنيين والمسلحين، وأنه يفتح الباب أمام استعادة الحياة السورية إلى طبيعتها، وأن ثمة أطرافاً ولا سيما حلفاؤه من روس وإيرانيين ومن هم على علاقات مستورة معه، أصبحوا جاهزين للمشاركة في إعادة الإعمار بالتفاهم معه، وأن على الأطراف الأخرى الإقليمية والدولية، التي اختلفت مع النظام، واعترضت أو عارضت سياساته في القتل والتدمير والتهجير، أن تنضم إلى مسيرته في إعادة الإعمار للحصول على مكاسب، لكن بعد تصحيح مواقفها منه، وإعادة الاعتبار له عبر تطبيع علاقاتها معه، وهذا ما تكرر في مضامين كلمات رئيس النظام ووزير خارجيته وفي تصريحات الرئيس الروسي ووزير خارجيته في مرات كثيرة في الفترة الأخيرة.
وبالتوازي مع خط نظام الأسد وروسيا في الترويج السياسي لفكرة إعادة الإعمار، تواصلت خطوات إجرائية لتسويق الفكرة عبر إقامة ندوات ومؤتمرات لمناقشة الفكرة والبحث في احتمالاتها ومجالات الإعمار ومتطلباته، شاركت فيها دول ومؤسسات وشخصيات مقربة من نظام الأسد، برز منها لبنان وإيران، والتي كانت بين جهات شاركت رسمياً أو عبر شركات في معارض نظمتها دمشق خصصت لإعادة الإعمار، وفي دورة العام 2017 لمعرض دمشق الدولي الذي كانت دوراته قد توقفت منذ العام 2011.
وانتقالاً من الترويج السياسي والإجرائي للفكرة، لا بد من التوقف عند المعطيات الواقعية في موضوع إعمار سوريا، وباستثناء الظروف السياسية والميدانية التي تمت الإشارة إليها، فإن غياب الإمكانيات المادية لإعادة الإعمار، يمثل عقبة رئيسية ثالثة.
فتقديرات إعادة الإعمار، تؤكد الحاجة إلى ما بين 200 إلى 350 مليار دولار، ولا شك أن توفير هذا القدر من الأموال، يتجاوز قدرة النظام وروسيا وإيران والدول الراغبة في المشاركة مثل الأردن ولبنان والعراق، ويتطلب تعاوناً دولياً، لا تشارك فيه المؤسسات الدولية فقط، بل والدول الغنية وخاصة دول الخليج والولايات المتحدة وأوروبا، وكلها تتحفظ في موضوع إعادة الإعمار في ظل الوضع السوري الراهن، وتمتنع عن المشاركة في العملية، طالما لم يتم الوصول إلى حل سياسي، يضمن انتقالاً للسلطة، ذلك أن استمرار الأعمال العسكرية، سيؤدي إلى دمار الاستثمارات، وليس من أمان للاستثمارات، طالما بقي النظام الحالي.
كما أن إعادة الإعمار تتطلب قوة عمل تقوم بأعباء المشاريع، والواقع السوري، لا يوفر حالياً تلك القدرة، ليس بسبب انهماك معظم قوة العمل السورية في الأعمال العسكرية وشبه العسكرية في معظم المناطق فقط، بل لأن قسماً من السوريين، يتجاوز الخمسة ملايين نسمة لاجئون في بلدان الجوار والأبعد منها، ومعظمهم لا يمكنهم العودة في ظل الوضع الراهن، كما لا يمكن توفير قوة عمل أجنبية لمشروع إعادة الإعمار لأسباب متعددة بينها التكلفة العالية لقوة العمل الأجنبية.
والخلاصة المكثفة لفكرة إعادة الإعمار، كما يطرحها نظام الأسد وحلفاؤه والمقربون منه، أنها فكرة سياسية، لا تملك أي مقومات للتنفيذ، وهي واحدة من عمليات الكذب والتضليل، التي مارسوها، ويتابعونها للهرب من استحقاقات الواقع السوري، وضرورة سيره بخط مختلف في ثلاث نقاط أساسية؛ أولاها إيقاف العمليات العسكرية والأمنية استناداً إلى اتفاق له ضمانات دولية، والثانية التوصل إلى حل سياسي، يفضي إلى تغيير في طبيعة السلطة عبر مرحلة انتقالية، والثالثة إفساح المجال أمام عودة اللاجئين والمهجرين إلى بلدهم ومناطقهم لضمان مشاركتهم في تحمل أعباء إعادة إعمار سوريا.
الشرق الأوسط