صفحات الرأي

في اختبار الديموقراطية

ماجد كيالي

ثمة من يرى في عزل الرئيس المصري محاولة لتصويب مسار الثورة، واستردادها، وردّة فعل على محاولة “أخونة” الدولة والمجتمع، والاستئثار بالسلطة. وبديهي أن هذا الكلام ينطلق من اقتناعات مسبقة مفادها أن تيار الإسلام السياسي لا يؤمن بالديمقراطية، ويرى فيها نوعاً من هرطقة، ومجرد سلّم للصعود إلى الحكم، بدعوى أن الإسلاميين، الذين يرفعون شعار “الحاكمية لله”، يعتقدون أن الشرعية تأتي من الشريعة.

ورغم عدم صوابية التعميم، والإطلاق، يبدو هذا الكلام على قدر عال من الصدقية بدليل تجارب الإسلام السياسي في إيران والسودان وغزّة وأفغانستان والعراق ولبنان (حزب الله)، لجهة الهيمنة على الدولة والمجتمع، لاسيما بوسائل القوة، لكن الإنصاف يقتضي التنويه بحقيقتين: الأولى، ومفادها أن لوثة السلطة ليست حكراً على الإسلاميين فقط، فهي تشمل التيارات العلمانية واليسارية والقومية، أيضاً. ذلك أن النظم التي انبثقت من هذه التيارات هي التي رسّخت الاستبداد في العالم العربي. أما الثانية، فتفيد بأن تجربة انخراط الجيش في السياسة لا تبشر بالخير البتّة، إذ تفضي إلى الهيمنة على الحكم، وخلق ديكتاتوريات عسكرية، ونظم استبدادية؛ وبديهي أن نموذج سوار الذهب في السودان هو استثناء من هذه القاعدة حتى الآن.

الآن، يُخشى أن يؤدي ماحصل في مصر إلى الإضرار بسلامة العملية الديموقراطية، لاسيما مع سكوت جزء كبير من الطيف الديموقراطي/ العلماني عن الممارسات التعسّفية، وغير المفهومة، إزاء الرئيس وحزبه، ويخشى أكثر أن ينشأ عن هذه الخطوة الصادمة نوع من القطع بين تيارات الإسلام السياسي ومسار تطبّعها مع الأفكار السياسية/ المدنية، المتعلقة بالدولة والمواطنة والديموقراطية.

والحال، فإن حسم هذين الأمرين يعتمد، أولا،ً على ما سيحصل من جهة التيارات المدنية/العلمانية، باستعادتها زمام المبادرة من الجيش، واستيعاب ردّ فعل الإخوان، وجذبهم مجدّدا إلى دائرة العمل السياسي، والعودة الى المسار الديموقراطي. وثانياً، على نضج جماعات الإخوان ومراجعتهم لمسؤوليتهم عما جرى، واستنباط العبر المناسبة منه، بأمل أن يأتي ذلك على شكل انحياز للتجربة التركية المثمرة، بدلاً من سلوك طريق التجربة الجزائرية، التي أضرّت بتيارات الاسلام السياسي كما اضرّت بالجزائر وشعبها.

عموماً، فقد بيّنت التجربة بأن التيارات “العلمانية” (وضمنها اليسارية والقومية والليبرالية) لن تتحّرر من عصبياتها الأيديولوجية والهوياتية، التنميطية والمغلقة والمسبقة، حتى تتحرّر من “فوبيا” الإسلام السياسي، ولن يتحرّر الاسلام السياسي حتى يتحرّر من فوبيا التيارات العلمانية أو المدنية، وبالتالي من توهّماته حول ذاته، وضمنها اعتباره ذاته وكيلاً حصرياً للدين. تحرّر التيارات الدينية والمدنية، الاسلامية والعلمانية، من حال العداء والنفي وعدم القبول المتبادل، هو شرط تحرّر الجميع وشرط الدخول في السياسة، وتالياً الديموقراطية.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى