صفحات العالم

في استحالة الانسحاب من سوريا

ساطع نور الدين

  تصاعد الحملة على تدخل حزب الله العسكري في سوريا يثير الحيرة فعلا. فالحملة تصدر عن قوى وجهات لبنانية مناهضة اصلا للحزب وسلاحه ودوره،ويفترض انها تعرف تاريخ الحزب وطبيعته ودوره ، ويرجح انها تدرك ايضا ان محاسن تورطه في الحرب السورية أكبر بكثير من مساوئه.

   في سياق هذه الحملة يجلد الحزب على مدار الساعة من قبل أولئك الذين اكتشفوا للتو ، وبشكل مفاجىء، انه غير وجهة سلاحه، وعدل عقيدته السياسية، وبدل هويته الدينية.. وهو يرتكب في سوريا المعصية الكبرى التي لا تحتمل المغفرة ولا تستحق التوبة.

 وبلغ الأمر بهؤلاء المحتجين على تورط الحزب حد المطالبة بسحب وحداته المقاتلة من سوريا، اي إعادتها الى لبنان، حيث يعتقد من قبل جمهور واسع انها تحولت منذ تحرير الجنوب في العام ٢٠٠٠ الى عبء فعلي على السياسة والاقتصاد والاجتماع اللبناني.. فضلا عن ان قدرتها على ردع العدو الاسرائيلي تضاءلت وتتضاءل يوما بعد يوم، لا سيما في أعقاب حرب العام ٢٠٠٦ التي أسفرت عن توسع الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، وعن تمدد وجود القوات الدولية في الجنوب.

  لبعض المشاركين في هذه الحملة دافع يبدو في ظاهره نبيلا، وهو السعي الى اخراج حزب الله من الحرب السورية من اجل استعجال سقوط نظام الرئيس بشار الاسد،  والحؤول دون تورط قوى لبنانية أخرى في تلك الحرب الى جانب معارضي ذلك النظام، ما يمكن يؤدي في نهاية المطاف الى اشتباك الجانبين في الداخل اللبناني.. مع ان هذا الاحتمال كان وسيبقى واردا من دون تورط اي طرف لبناني في ما يجري في سوريا.

   وعدا عن هذا الدافع، غير الواقعي أصلا، فانه ليس هناك منطق يبرر هذه الحملة التي لا يمكن باي حال من الاحوال ان تعزى الى الحرص المفاجىء على الحزب وسلاحه المثير للخلاف، خصوصا وأنها لن تساهم في بلوغ الهدف الضمني المنشود وهو فك ارتباط الحزب مع غالبية الطائفة الشيعية، بل ستؤدي الى العكس تماماً. والدليل موجود في اي مكان شيعي في لبنان بل وحتى خارجه.

 التعبير عن الرأي حق وواجب، لكن الاندفاع بالحملة الى الحدود القصوى التي تشمل التظاهر والاعتصام، يكسب الحزب حافزا إضافيا للقتال في سوريا وفي لبنان ايضا، ويرسخ في أذهان جمهوره نظرية المؤامرة التي أعدها الأميركيون والإسرائيليون مع شبكات تنظيم القاعدة من اجل تصفية وجود الشيعة او تهجيرهم في بواخر تنتظرهم في عرض البحر.

  عن خبث، لا عن جهل، تتصاعد الحملة على تورط الحزب الذي يعرف الجميع انه كان وسيبقى فرقة في الجيش السوري، وايضا في الجيش الايراني، تتلقى منهما التمويل والتسليح والتدريب لكي تقوم بعمليات خاصة لمصلحة هذين البلدين، التي تعارضت في اكثر من مناسبة مع المصلحة اللبنانية. والمعركة الراهنة التي يخوضها الحزب  ليست استثناء، ولا خروجا على المسار الذي ارتسم منذ ان اقتنع جمهور شيعي واسع ان دمشق وطهران هما مصدر قوته ومكانته ونفوذه في لبنان.

   لن تخدم الحملة المتصاعدة على الحزب اي غرض، سوى تأجيج توتر سائد: يستحيل اقناع الحزب، ولا جمهوره طبعا، بان تورطه في سوريا خطر اكيد على الطائفة الشيعية وعلى لبنان. والاهم من ذلك ان الاوان قد فات فعلا على مثل هذا المسعى. وما من قوة او فكرة تستطيع ان تعيد الحزب الى الحيز اللبناني. وباتت المهمة متروكة الى المعارضة السورية التي تتولى، عن اللبنانيين، اعادة الحزب الى حجمه الطبيعي، واعادة الجمهور الشيعي الى رشده.

   ليس لبنان بحاجة الى سبب اضافي للاشتباك الذي بدأ اصلا عندما خرج الحزب وجمهوره في الثامن من آذار العام 2005 لكي يقول شكرا للنظام السوري، ويرفض قرار اخراج  الجيش السوري من لبنان، ويطالب صراحة باعادة نشره على الجبال وفي منطقة البقاع.. في الوقت الذي كانت غالبية ساحقة من اللبنانيين من مختلف الطوائف تعلن نهاية تلك الحقبة السورية، التي لا شك في ان الحزب يحلم اليوم بل يتوقع بعثها من جديد.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى