في الانفتاح على المعارضة الإيرانية/ حسام عيتاني
يقول الأكاديمي الإيراني البارز حميد دباشي في كتابه “الربيع العربي” إن المعارضين الإيرانيين رفضوا منذ انطلاق الثورات العربية الأخذ عنها والاستفادة من دروسها، معتبرين أن الأصح هو أن يأخذ العرب من دروس الثورة الخضراء في 2009.
يلخص دباشي في هذه الجملة تعقيد العلاقات ليس بين الأنظمة العربية والحكم الايراني فقط، بل أيضاً بين المعارضين العرب وبين المناهضين لنظام طهران.
ورغم أن هذه المسألة ليست الموضوع المحوري في كتاب دباشي، إلا أنها من القضايا التي يمر السياسيون والصحافيون عليها مروراً سريعاً في الوقت الذي تصدر فيه نصائح متأخرة عن ضرورة الانفتاح على المعارضة الإيرانية. نصائح تجسدت في اجتماع رئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا مع رئيسة مجلس المقاومة الإيرانية مريم رجوي.
لا مناص من القول إن الخطوة غير موفقة لأسباب تتعلق بموقع رجوي، زعيمة “مجاهدي خلق” بعد “احتجاب” زوجها مسعود رجوي. لقد خسر “مجاهدي خلق” القسم الأعظم من نفوذهم داخل إيران بعد تحالفهم مع صدام حسين أثناء الحرب العراقية- الإيرانية، ثم شنهم هجوماً واسعاً داخل الأراضي الإيرانية بعد أيام من صدور قرار مجلس الأمن بوقف الحرب. أطلقت طهران على عمليتها المضادة اسم “مرصد” ولم تكتف بتدمير القوات المهاجمة، بل أرفقتها بإعدام الآلاف من مؤيدي “المجاهدين” المعتقلين في سجونها، خصوصاً في سجن ايفين سيء السمعة. بعد هذه المحاولة، انكفأ “مجاهدي خلق” إلى معسكر اشرف قرب بغداد وباتوا اليوم مجموعة من المتقدمين في السن الذين يتعرضون إلى مضايقات أجهزة الأمن العراقية الموالية لطهران. أما الحركة عموماً، فانحدرت من أيديولوجية اليسار- الإسلامي التي روج لها علي شريعتي، إلى ما يشبه الطائفة المغلقة التي تقدس آل رجوي. وغني عن البيان أن الارتماء في أحضان صدام حسين أثناء حرب اتخذت سمة الحرب الوطنية للدفاع عن استقلال إيران، اعتبر حتى من قبل أشد معارضي نظام الخميني تجاوزاً للخطوط الحمر، وإهانة للوطنية الإيرانية شديدة الاعتزاز بذاتها.
هذا باختصار، حاضر “مجاهدي خلق”. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل تفيد الثورة السورية علاقة مع هذا النوع من التنظيمات؟ مفهوم أن المرء لا يختار حلفاءه السياسيين خصوصاً في أوقات الأزمات، وأنه يبحث عن المساعدة من أنى أتت. المشكلة هي أن “مجاهدي خلق” لا يملكون ما يستطيعون تقديمه للثورة السورية. وما يقال عن تغلغلهم داخل النظام وقدراتهم الأمنية، كلام قديم يعود في أفضل الأحوال إلى التسعينيات عندما نجحوا في تنفيذ عدد من الهجمات الجريئة في الداخل الإيراني.
تفيد العودة إلى دباشي في تسليط الضوء على المزاج في أوساط المعارضة الإيرانية. فهذه، وإن كانت على خلاف حاد مع النظام، إلا أنها تبقى متأثرة بأجواء العداء التاريخي للعرب وبالآثار العميقة التي تركتها الحرب العراقية. ومن المحال نيل تأييدها للثورات العربية وللثورة في سوريا على وجه التحديد قبل قيام الناشطين العرب بمصارحة نظرائهم الإيرانيين حول طبيعة الوضع في بلدانهم وموقفهم من الإسلام السياسي وبالضبط من الجناح الجهادي- التكفيري منه. ذلك أنه يصعب تصور إبداء أي معارض إيراني تأييداً للثورة السورية في الوقت الذي تصدر فيه آراء من سياسيين سوريين معارضين من الصف الأول تتحدث عن الأجندة الصفوية- الشيعية والعداء للمجوس وتضع كل الإيرانيين في سلة واحدة هي سلة نظام المرشد والحرس الثوري.
ألف باء التوجه إلى الخصم تكمن في تفكيك جبهته والتمييز بين ألوانه ومكوناته وحساسياتها المتباينة ومخاطبتها بلغة المصالح قبل العواطف. لكن السؤال الآخر الذي ينهض هنا هو، هل من فائدة تُرتجى من الانفتاح على المعارضة الإيرانية؟ كلام دباشي، على سبيل المثال، يقول إن المعارضين الإيرانيين يتحفظون على الثورات العربية والتعامل معها تحفظاً مبدئياً قبل الانتقال إلى النقاش السياسي والعملي.
عليه، تكون مكاسب الانفتاح على الإيرانيين الرافضين للحكم الحالي، مرتبطة بابتكار الأسلوب المناسب من جهة، وبعدم الاعتقاد بقدرتهم على تقديم مساندة ملموسة للثورة السورية ما دامت الأوضاع في إيران على قدر عال من التعقيد وما دامت برامج المعسكرات المختلفة لا تختلف كثيراً عن بعضها البعض في ما يتعلق بالسياسات الخارجية. فالأساس الوطني، أو القومي، يبدو مشتركاً بين أكثرية القوى والاتجاهات ويتمتع بتماسك جدي.
وليس كشفاً القول إن اللقاء مع رجوي لن تكون له فوائد تذكر، باستثناء التأكيد على اهمية توسيع دائرة اصدقاء الثورة من خارج صفوف الحكومات والأنظمة.
موقع 24