صفحات الناس

في البقاع: مخيمات لجوء وخيم تعليم وشكاوى من منظمات دولية/ ريّـان ماجـد

 

البقاع – على الطريق العام لمنطقة بر الياس البقاعية، وقف أولاد ينتظرون الباص ليأتي ويُقلّهم الى المدرسة. “ممكن يروحوا ثلاث أو أربع مرات بالشهر إذا طلع في محل بالباص، وإذا لاء بيرجعوا على خيمهم، أغلب سكان هيدا المخيم من دير الزور”، أخبرنا شاب سوري يعمل في الإغاثة هناك.

يقدَّر عدد السوريين الذين لجأوا الى البقاع منذ اندلاع الثورة في سوريا والمسجلين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بـ 400 ألف لاجئ، إلّا أن الرقم الفعلي أكبر، لأن التسجيل ليس ممكناً للجميع نظراً لصعوبة الحصول على موعد

. “يُعمَّم على اللاجئين رقم للمفوضية كي يتصلوا به ويحددوا موعداً للمقابلة. صاحب الحظّ هو الذي يتمكنّ من التواصل مع العاملين فيها، إذ إن الخطّ مشغول دائماً، وأوقات كثيرة لا أحد يجيب. يُعطى الموعد بعد شهر أو شهرين من الاتصال. وعلى الشخص الذهاب هو وعائلته الى زحلة، مقرّ المفوضية، ويسجّل لديها. لا يستفيد جميع المسجلين من المعونات الغذائية التي تقدّم، لأن منهم من لا يتمتّع بالمعايير التي حدّدتها المفوضية، وهي معايير ليست واضحة كثيراً”، تابع الناشط السوري.

كثر التقيناهم في المخيمات التي زرناها في بر الياس، أخبروا أنهم انتظروا طويلاً للحصول على الموعد وعندما ذهبوا الى مقر المفوضية، رفضوا إعطاءهم المعونات اللازمة في الوقت الذي أخذتها عائلات أخرى وضعها لا يختلف عن وضعهم.

من حلب وريفها والرقة وإدلب وحمص ودير الزور ودرعا وريف دمشق وغيرها من المناطق السورية، قدموا الى البقاع الأوسط. سكن جزء بسيط منهم في بيوت جاهزة وأخرى قيد الإنشاء، والجزء الأكبر توزّع على مخيمات كانت تفيض مع كل شتاء بسبب الأمطار.

“استأجرتُ أراضيَ ونصبت عليها خِيماً. أنا مسؤول عن 274 عائلة سورية موزّعة على خمسة مخيمات. آخذ 60 ألف ليرة في الشهر، أي نصف إيجار من كل عائلة على الخيمة، في الوقت الذي يصل فيه إيجار الخيمة في أماكن أخرى الى الـ 170 ألف في الشهر أو أكثر (إذ إن أصحاب الأراضي يرفعون سعرها في بعض الأحيان أضعاف ما تستحقّ). هناك عائلات تعيش على مساعدات الأمم المتحدة، وأخرى يعمل أفرادها لكي يتمكنوا من العيش”، قال بلال الساروط، المزارع اللبناني و”شاويش” هذه المخيمات الخمسة. إذ إن لكل مخيم في البقاع الأوسط شاويشه، يكون هو المسؤول عنه وعن “ضبطه”.

كُتبت تحقيقات كثيرة عن أدوار “الشواويش” وعن بعض الممارسات الاستغلالية التي يقوم بها عدد منهم حيال اللاجئين واللاجئات، وسمعنا أخباراً عن سيطرتهم على المخيمات واستفادتهم من حاجة الساكنين فيه وأوضاعهم، وقيل أيضاً إنهم يأخذون المال من عائلات لتسجيلها وإنهم يميّزون في المعاملة. لكنّ “هذه الممارسات لا تنطبق على الجميع، لأن منهم من يقوم بدور إيجابي ومساعد”، علّق ناشط سوري آخر التقينا به هناك.

تعمل الفتيات السوريات، اللواتي تترواح أعمارهن بين الـ 15 و الـ 25 عاماً في الزراعة. ينزلن الى السهل يومياً، يشتغلن في حدود الخمس ساعات ويأخذن مقابلها ستة آلاف ليرة لبنانية. “كانت تأتي في السابق فتيات سوريات من الرقة والدير والحسكة للعمل في زراعة الخضرة والبطاطا والبصل والثوم، ويرجعن من بعد انتهاء الموسم الى قراهنّ، لكن الآن زادت الأعداد كثيراً والكل ينزل الى السهل”، أكمل الساروط.

هناك فتاة عملت في مكان “للحدادة”، خسرت أصابع يدها اليمنى الأربع خلال قيامها بعملها، مقابل عشرة آلاف ليرة في اليوم. الصبيان الصغار يعملون أيضاً في الحاويات وفي “لمّ البلاستيك” والحديد، مقابل ألفي ليرة.

في طريقنا الى “مخيم الصالح”، التقينا بولد يجرّ عربة تكبره حجماً، محمّلة بعبوات بلاستيكية. عمره لا يتعدّى العشر سنوات، ذهبت أمّه الى سوريا وبقي هو مع إخوته، “بدّو يشتغل ليطعميهم”، قال الناشط السوري.

أرض المخيم كانت “كلّها طيناً ووعراً وجوراً فنّية”، أخبر عاصم حمشو، واحد من مؤسسي جمعية “ألفابيت للتعليم البديل”. قدمت مجموعة من الشباب السوري الى المنطقة منذ ثمانية أشهر، وضعت بحصاً تحت الخيم، قامت بحملة تنظيف وتنظيم لهذا المخيم ولعدّة مخيمات أخرى. ونظراً لوضع الأطفال الذين يعملون ويعيشون ظروفاً صعبة، وهم محرومون من حقّهم في التعلّم، قرّرت هذه المجموعة إنشاء مراكز تعليمية داخل المخيمات وأسّست جمعية “ألفابيت”، القائمة حتى الآن على جهد شخصي ومبادرات وتبرعات فردية.

على “الموتوسيكل” أو “الموتور” ينقل يومياً، أحد الناشطين السوريين في هذه الجمعية، كتباً ودفاتر وقرطاسية ليوزّعها على خِيم التعليم. “من بعد الخطّة الأمنية التي نفّذت في البقاع أخيراً، لم يعد بالإمكان التنقل كما قبل، إذ إن الموتورات أصبحت ممنوعة”.

“الهدف أن يكون في كل مخيّم مركز للتعليم”، قالت رنيم ابراهيم، إحدى مؤسسات الجمعية. حتى الآن هناك سبع مدارس في سبعة مخيمات، كلّها ملوّنة ومرسوم عليها ومجهّزة بوسائل تدفئة وشاشة عرض وفيديو. زُيّنت بعبارات “من حقي أن أتعلم وألعب وأعيش بسلام”، “العلم نور، غداً يوم أجمل”، “لنركض معاً”، “نحن نحب الحياة”.

يأتي الى الخيم للتعلّم والقيام بنشاطات ترفيهية كالموسيقى والرسم، الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الخمسة والثالثة عشرة. “هناك أطفال يستيقظون الساعة الخامسة صباحاً، يذهبون للعمل في جمع البلاستيك، ويأتون من بعدها الى الصف الساعة الثامنة”. أخبرت رنيم.

“يتحسنون بشكل ملحوظ يوماً بعد يوم” قالت إحدى “الآنسات” وهي قدمت من داريا، في ريف دمشق. “نحن كتير كتير مبسوطين أنو عم نروح نتعلم بالخيمة” قال أحد الأولاد الواقف على باب الخيمة ينتظر دوره للدخول، واضعاً حقيبته الجديدة على ظهره.

لدى سؤالنا عن دور المنظمات الدولية التي تعمل هناك، بدأت الشكاوى تتتالى من اللاجئين والمسؤولين والناشطين: “يضعون الآرمات أو الخيم بإسمهم. لكن على الأرض لا يقومون بواجبهم، فقط ليظهروا أن المخيم مدعوم من منظمات الأمم المتحدة لكن الواقع مختلف. ادعمونا وحطّوا يللي بدكن ياه”، “هناك منظمات أتت ووزّعت خزانات ماء في مخيمات معينة ولم تفعل الشيء نفسه في المخيمات التي الى جانبها، وكذلك فعلت في الشتاء بالنسبة لتوزيع بطاقات المازوت”. “يوجد فساد إداري في بعض المنظمات، وهناك موظفون يتعاملون بفوقية مع اللاجئين. لماذا يشتغلون في العمل الإنساني إذاً؟”. “مخيمات تستفيد من المساعدات وأخرى لا، والأمر مرتبط بمعرفة أشخاص فيها لعاملين في بعض المنظمات”. “يأتي موظفون، يسجلّون عائلات لإعطائهم معونات، ثم يذهبون ولا يعودون” ….

عندما دخلت السيارة التي تقلّ ناشطي “ألفابيت” الى أحد المخيمات، ركض الأولاد وداروا من حولها، ضحكاتهم ملأت وجوههم. “إجت سعدية”. هكذا أسموا السيارة. “هي تنشر السعادة”، قالت لنا إحدى البنات، عمرها 12 عاماً، اضطرت لترك المدرسة عند موسم الحصاد للعمل في السهل، وهي عادت أخيراً إليها.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى