صفحات الناس

في الذكرى السنوية الثانية لارتكابها من قبل النظام السوري: شهادات حية يرويها ناجون من مجزرة كيميائي الغوطتين

 

 

علي الإبراهيم

يروي شهود عيان وناجون من مجزرة الكيميائي التي اقترفها النظام السوري في الغوطتين الشرقية والغربية في ريف دمشق لـ”إيلاف” اللحظات العصيبة التي عاشوها عقب الجريمة الكبرى، وكيف اضطروا إلى فتح المقابر وتشاركها نظرًا إلى عدد الضحايا الهائل. وأكد خبير كيميائي منشق عن الأسد أن المواد المستخدمة في الهجوم لا يملكها إلا النظام.

علي الإبراهيم: صرخت الطفلة هند متوسّلة أحد أفراد الطواقم الطبية “أنا عايشة، أنا عايشة!!”، ثم ارتفعت أصوات إخوتها الخمسة بالعويل. والدهم الشاب حبس أنفاسه وهو يقلب بنظراته بين سقف الغرفة الرطب وجدرانها التي تحمل آثار زبد ودم، دم يشير الى عدد المصابين، الذين مروا على هذه الغرفة الصغيرة ضمن المشفى الميداني في تلك الليلة.

بينما كانت الطواقم الطبية منهمكة في نقل جثث لأطفال ونساء قتلوا اختناقًا بالغازات السامة، ارتفع وقتها صوت الطفلة هند ذات السنوات العشر من بين المصابين لتعلن أنها على قيد الحياة، صرخة كانت لآخر ناجية من بين 600 شخص حالفهم الحظ بالعيش بعد مجزرة الكيميائي في غوطة دمشق في جنوب سوريا، والتي راح ضحيتها ما يقارب 1500 شخص قتلوا اختناقًا بالغازات السامة قبل سنتين، معظمهم من النساء والأطفال، تم توثيقهم بالاسم.

ففي الحادي والعشرين من آب/أغسطس 2013، تكشف إشراقة شمس هذا اليوم ما كان سرًا في الظلام. إطلاق 15 صاروخا محشوًا بغاز الأعصاب (السارين) السام، صواريخ أرض-أرض سقطت في بلدات الغوطة. لترتقي ارواح الضحايا لحظة ارتطام الصواريخ بالأرض، دقائق معدودة كانت كافية لزهق ارواح عائلات بكاملها، مطلق الصواريخ واع كل الوعي بما يفعله، وضحاياه لا يعرفون أصلا أن صواريخ قتلتهم.

في التفاصيل حدث أن تعرّضت وقتها كل من زملكا وعين ترما في الغوطة الشرقية ومدينة المعضمية في الغوطة الغربية إلى قصف بالاسلحة الكيميائية. حيث استيقظت تلك المناطق على كارثة إنسانية لا توصف، وخاصة في ظل الأعداد الهائلة التي توافدت إلى النقاط الطبية التي كانت تعاني من الحصار ونقص الكوادر والافتقار إلى أبسط التجهيزات اللازمة لمواجهة حالات مماثلة.

شهادات لناجين

محمد البيك شاب عشريني اصيب بشلل نصفي جراء استنشاق غاز السارين السام، هو واحد من المسعفين الذين نجوا من مجزرة الكيميائي، فخرج للعلاج في تركيا بعد الحادثة بشهور.

يروي لـ”إيلاف” اللحظات الأولى للمجزرة، حيث يقول “في الساعة الثانية إلا ربع صباحاً يوم الأربعاء كنّا نقوم بإسعاف المصابين إلى المشفى، وتم اسعاف حوالى 600 شخص إلى النقاط الطبية في النصف ساعة الأولى التي تلت القصف، ثم نزل صاروخ آخر في مبنى النقطة الطبية نفسها، والتي كنا متواجدين فيها، أدى إلى استشهاد العديد من المصابين ومعهم سبعة من كوادرالطاقم الطبي، كان ذلك في منطقة زملكا البلد، في ذلك اليوم شاهدت المئات من الضحايا، أكثر من 750 شهيداً. وأمّا المصابين فكثر على حد تعبيره.

شهود العيان الذين التقتهم “إيلاف” بشكل مباشر أو تواصلت معهم عبر سكايب أجمعوا على أن اللحظات الاولى للقصف سادتها حالة من الهلع والارتباك بين السكان بعد القصف، حيث اعتقد السكان أنه قصف بالهاون أو الراجمات، فقاموا بالنزول إلى الأقبية بدلا من الصعود للطبقات العليا، وهو ما ساهم في تفاقم الأمور قبل انجلاء الحقيقة لهم، وأكد الشهود أن معظم الوفيات حصلت أثناء نوم السكان، باعتبار أن توقيت الضربة كان بعد منتصف الليل، وهو ما زاد من أعداد الضحايا بشكل كبير، كما بينت الشهادات.

وحول الأعراض المرافقة للمصابين أكد محمد الشامي لـ”إيلاف” وهو مدير المشفى الميداني في منطقة زملكا “أن الحالات التي وصلت للمشفى الميداني يوم المجزرة  كانت مصحوبة بأعراض منها نزول رغوة من الفم مصحوبة مع الدم، وانتفاخ أجساد الضحايا بسرعة كبيرة، إضافة لسيلان الدم من الأنف والفم ، وتابع الشامي حديثه “كانت هنالك رائحة تشبه رائحة الغاز، أو الكبريت، ولكنك لا تشعر بالرائحة كثيراً، ثم تفقد الوعي، اثناء محاولاتي إسعاف الناس، فقدت الوعي وحملني الناس إلى النقطة الطبية”.

تشاركوا الموت والمقابر

مشاهد المجزرة لا تفارق الشاب معتز ديراني، وهو يروي لـ”إيلاف” تفاصيل تلك الليلة، كانت علامات الحزن بادية على وجهه، وهو يحدثنا عن دفن القتلى بشكل جماعي، حيث يقول “كنا نحتفظ بصور الضحايا، ومقاطع الفيديو لمن تسنى لنا تصويره، لكن مع الارتفاع السريع لحالات الوفاة التي حصلت بعد القصف بالكيميائي، وارتفاع عدد الشهداء للمئات، لم يبق للأهالي خيار إلا حفر قبور جماعية، وذلك لضيق الوقت، ولعدم وجود قبور تكفي لجميع الشهداء، فتشاركوا القبور بعد مشاركتهم استنشاق الكيميائي، ومن هذه المقابر الجماعية مقبرة زملكا الجماعية، التي قام أهالي الحي بحفر مساحة واسعة ودفن عدد من الشهداء ومنهم عائلات بكاملها”.

العميد الركن زاهر الساكت مدير مركز توثيق الملف الكيميائي في سوريا قال لـ”إيلاف” إن “النظام السوري هو من استخدم السلاح الكيميائي، وارتكب مجزرة بحق الاهالي، حيث تشير كل الادلة التي حصلوا عليها وقدموها للجنة الدولية الخاصة بالتحقيق من شهادات وخزع وعينات من التربة، إضافة الى عينات من الكبد والطحال، كذلك اخذ عينات الدم من المصابين الى وجود غازات سامة وكيميائية، فجميع الادلة كانت تؤكد استخدام النظام السلاح الكيميائي”.

وتابع الساكت حديثه “دخلت اللجنة الدولية غوطة دمشق بعد ايام من المجزرة، واخذت عينات، وفحصت المنطقة، لكنها لم تكن مخولة بتحديد مرتكب الجريمة، وانما فقط التأكد من استخدم هجمات بالسلاح الكيميائي ام لا، حيث خلصت إلى تقرير مفاده أن المنطقة تعرّضت لهجوم بالسلاح الكيميائي”.

لفت الساكت الذي كان ضابطًا في مركز الحرب الكيميائية قبل انشقاقه عن هذا النظام، بالقول “إن المواد المستخدمة في الهجوم لا يمتلكها سوى النظام، فغاز السارين وغاز الكلور وغيرها جميعها يتم استيرادها من ايران عبر العراق، وصولا الى النظام، وتوجد في مخازن خاصة، ليقوم بعدها بتجهيزها عبر صواريخ وبراميل، ومن ثم استخدامها ضد الاهالي، والغريب في الأمر أن المجتمع الدولي يعلم ذلك، ولم يتحرك بشكل جدي حتى يومنا هذا”.

وفسر الساكت سبب توقيت القصف ليلاً “بان الارض تكون باردة في هذا الوقت، فتبقى سحابة الغاز مضغوطة لبعض الوقت، وهو ما يسمح لها بالانتشار وقتل عدد اكبر، وقال ان آثار الغاز تزول من التربة بعد 8 ساعات على الاكثر، وهذا يعطي النظام فرصة بعدم الكشف عن تورطه في العملية.

وأكد الساكت وجود حالات تمكنت من عبور الأراضي السورية إلى دول الجوار أجرت مقابلات مع هيئات ومنظمات دولية وحقوقية، وتحدثوا عن الأعراض التي عانوا منها إثر إصابتهم بالغازات السامة، وخرجوا بتقرير قدم إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لكن دون جدوى تذكر”.

تقارير تؤكد

وفي وقت سابق أكدت تقارير صادرة من الأمم المتحدة على وجود أدلة جديدة تثبت تورط النظام السوري في الاعتداء الكيميائي على غوطة دمشق في آب/أغسطس 2013. حيث ذكر التقرير أن مفتشي الأسلحة الكيميائية في سوريا عثروا على آثار لمادة تسمى هيكسامين لا يخزّنها إلا النظام وبكميات كبيرة.

وبحسب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فإن الحكومة السورية كانت قد أعلنت عن حيازتها 80 طنًا من مادة الهيكسامين من ضمن المواد التي وافقت على تدميرها بعد قرار مجلس الأمن رقم 2018، والذي فرض إجراءات أكثر صرامة ضد نظام الأسد تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، في حال لم يلتزم النظام بتسليم ترسانته الكيميائية  للمنظمة، الإ أن دمشق وافقت على ذلك وسلمت جزءا من اسلحتها.

وكان ناشطون وثقوا اكثر من مئتي هجوم كيميائي بالغازات السامة شنتها قوات النظام السوري في مناطق مختلفة من سوريا بعد قرار الامم المتحدة رقم 2018، حيث كان آخرها في بلدة سرمين في محافظة ادلب في شمال سوريا.

من الجدير ذكره أن مجلس الأمن تبنى منذ ايام وتحديدًا في الثامن من آب/ أغسطس 2015 القرار رقم 2235 الذي يعطي الضوء الأخضر لإنشاء آلية تحقيق مشتركة لتحديد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.

إلى ذلك عبّر مدير مركز توثيق الانتهاكات في سوريا بسام الأحمد لـ”إيلاف” عن أمله بأن تؤدي هذه الآلية الجديدة والقرارات إلى وضع نهاية لهذا الفصل المؤلم وغير الإنساني من معاناة الشعب السوري في حال كانت هناك رغبة في استعادة الثقة في جهود الأمم المتحدة للتخلص من نظام الأسد.

من جانبه قال مدير الشبكة السورية لحقوق الانسان فضل عبد الغني في تقرير نشر يوم أمس حول ذكرى مجزرة الكيميائي إن “كل الأدلة والمؤشرات تؤكد أن المسؤول عن مجزرة الغوطة والهجمات الأخرى هو قوات النظام السوري، التي تمتلك سلاح الطيران، إضافة الى القدرة على التخزين واستخدام الوسائل والآليات لتنفيد الهجوم”. وأضاف أن “قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2235 فيه نوع من المماطلة وإعطاء المهل الإضافية لنظام الأسد، للاستمرار في مجازره بحق الشعب السوري”.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى