في الزمن المنفلت من المعايير والأخلاق/ فلورنس غزلان
مع وحدتي وخفوت الحلم، مع فقدان الرغبة في الحياة، مع جروحي النازفة النزقة في غورها وكثافتها..تنخر الروح في ليل يمتليء بالفراغ…إلا من غمام العيون..في بيت ترحل أهدابه كل يوم نحو فضاء جديد ..خالٍ من أرض ثابتة يقف عليها…يلهث مع رياح عاتية تذروه حيث تسمح لها الحدود باللجوء ، وحيث يغفل عنه قطاع الطرق، تحكمه المصادفات وتلهو به المفاجآت المُحَّملة بالأخطاء الكارثية والمكرورة…في ثنيات الزمن المنفلت من عيارات التاريخ ومقاييس الأمم الناضجة…لأن ماحول بيتي فَجٌ يخلو من سمات النُضج ..فيلجأ للنحيب..كتعبير طفولي عن الضياع..جميلة هي الطفولة عندما تتحول لملجأ في عالم كبار لم تكبر…أٌدخل يداي في جيوب معطف يدل على منبتي …أبحث فيها عن دفءٍ مفقود في عالم الغربة المستوطنة نفوس الهاربين من الموت، الموت النفسي..الموت المعنوي…وقبله الموت الحقيقي…الملاحِق لكل من ولد فوق أرضٍ رخوة تعوم فوق بحر من رمالٍ متحركة..حولها الاستبداد ظلماً وظلاماً …وأسلمتها أيدي الغُشمِ والبَله السياسي إلى وجهٍ بارد المفاصل وفارغ الحس من التواصل الاجتماعي القائم على المحبة والمودة المواطنية…التي تُعتبر في مخيلاته الغارقة في زمن المومياءات المذهبية كفراً وخيانة…لروابط وهمية…تربط شرايين الرأس بحبال واهية لاقوام ولا جدران صلبة تحميها…تعتمد في خُطبها وشريعتها على سيف العنف…وساطور القطع والبتر لكل من يحمل لوناً وطنياً سورياً…لقد تصدرت عماماتهم السوداء وراياتهم الأكثر سواداً وعتمة كقلوبهم..مشهد الحدث ومشهد الفعل..وكأن من أقام الثورة باتوا في عداد الأموات…أو سُحب بساط الريح الثوري بكل خيوطه الفاعله من بين أيديهم…لأن مسالك السياسة ورؤوسها …تنام في عسل القفز من عاصمة لأخرى…لتقول لنا …أنها تتحرك ..وأنها تعمل بعجلات خشبية…تسير ببطء سلحفاة..ولا تتناسب مع مايجري على الأرض ومايبيت للمواطن…فركزت اعتمادها على نقطة وحيدة ..تتمحور حول انتظار النجدة اليسوعية من دول غربية لامصلحة لها في إنقاذ الإنسان السوري…لأن انقاذه يعني حرمان مواطنه من رغد العيش ..فلماذا يتقشف الأمريكي والفرنسي والبريطاني كي ينقذ السوري من الموت؟!، ومهندسي السياسة ..أبعد مايكون عن قواعد الهندسة السياسية والاقتصادية…يخلطون الخرائط ويوزعون الأدوار بين الأقارب..وكأن الوطن..مجرد إضبارة تدور من محفل إلى آخر..وتنتقل من دُرج إلى خزانة…ومن أرشيف لآخر…حتى يغفل العالم عنه وينسى وجوده …بعد أن يتم إدخاله عالم الفوضى والنسيان…فيأخذ طريقه الصومالي إلى العدم….ويُهمَش من التاريخ والجغرافيا. حين تتقوقع السياسة حول ضربة متوقعة ..تحتمل السلب كما تحتمل الايجاب…يتلهف عليها السوري الملدوغ…والمتعطش لحرية تنوس وتضمحل في خضم الصراع الاقليمي والعالمي اللاعب بكل الخيوط الهامة فوق أرض سوريا..فالسوري المتعب من الموت المستمر…بات يلهث وراء سراب حل ..اي حل ينقذ ماتبقى من وطن، فعلى المعارضة السورية يقع عبء الكيفية التي يجب أن يبرمج لها مستقبلياً ويستفيد منها في تفعيل وتحريك الساكن وتنظيف بيت الثورة السورية من ربق ” داعش وجبهة النصرة” كي يساهم في وضع المدماك الأول في صنع غدٍ سوري يقترب من الحلم في وطن العدالة والكرامة والديمقراطية للجميع، ويستغل هذه الضربة إن كانت موجعة أم كاوية في طريق إسقاط النظام وترتيب البيت السوري…لكن العراقيل في طريق الأمل تتلقفها أصوات ناعقة…وأيديولجيات لاتختلف عن سلف داعش إلا بوجهها المناقض….. فحين تخرج علينا أصوات عربية وعالمية…تدعي اليسراوية والعلمانوية…فتسحب سكين العروبة والوطنية…بوجه السوري ،الذي دفع ثمناً لم يدفعه وطن في التاريخ الحديث من أجل حريته وكرامته…لم يرفع هؤلاء أصابع الاتهام والاعتراض على سفح الدم واستباحته من نظام القمع والقتل بحقه، لكن سكاكينه تخرج من غمدها …وتسحب بوجه السوري المتعطش لنقطة ماء تروي شيئاً من عطشه للخلاص من ربق استبداد الأسد…لماذا لم نخون العراقي المعارض حين دخل على ظهور دبابات الكاوبوي الأمريكي؟، فمن ذاق دبابيس صدام حسين وكيماويه، كيف يسمح لنفسه أن يعتبر كيماوي الأسد وطني؟ وكيف يسمح لنفسه بأن تتدخل أمريكا لانقاذه من نظام صدام، بينما يستكثر على السوري ضربة صغيرة تُربي الأسد كي لايعود لاستخدام أقذر وأسوأ الأسلحة الفتاكة ضد شعبه؟! ..أم أن السكود الروسي ، والصواريخ البالستية الستالينية حلال زلال…إن قتلتنا، والكروز والتوماهوك حرام من عقر الامبريالية…وتخوين لوطنية السوري ..وعليه أن يموت فقط بأدي وطنية وبسلاح ” كان اشتراكيا وصار مافوياً”؟! …لكن مكفوفي العلمانوية واليسراوية لم يروا في روسيا الكاجيه بيه أي تحول…مازالت في نظرهم ” إتحادهم السوفييتي الميت الحي! معقل ومصدر اللينينية! فكيف نعيد للأعمى بصراً وبصيرة فقدها في متاهة المذهبية وطقوس الطائفية السياسية؟.
ــ باريس 3/9/2013