في السلَمية الموت واحد: سببه نظام الأسد أو النُصرة/ عبدالله أمين الحلاق
قامت “قوات الدفاع الوطني”- المليشيا التابعة لنظام بشار الأسد – في مدينة السلَمية بإلقاء القبض على “مجموعة إرهابية مسلّحة تابعة لجبهة النصرة، تقوم بصناعة وزرع العبوات الناسفة”، ومن هؤلاء “الإرهابيين” الملقى القبض عليهم “حافظ جمال العبيد من مدينة الرقة ـ جبهة النصرة، غازي دحام الجدوع من مدينة الرقة ـ جبهة النصرة، يوسف محمد العبيد وشقيقه علاء محمد العبيد من مدينة الرستن ويقطنون في مدينة السلمية ـ جبهة النصرة “.
كان يمكن لهذا الخبر الذي نُشِر قبل نحو شهر أن يكون مهمًّا وصحيحاً، لولا ثلاثة أسباب:
أوّلها أنه نشر على إحدى صفحات الـ”فايسبوك” المؤيّدة لبشار الأسد، وهذا كفيل بنزع أي مصداقية عنه، حتى في صفوف مؤيدي الأسد ومدمني تصفح صفحات الولاء له.
ثانيها أنّ إلقاء القبض على خلية لـ”جبهة النصرة” تمّ، وفقاً للخبر، في مدينة لم يُعرَف عنها تطرف ديني أو وجود للجبهة فيها، باستثناء اقتحام “الجبهة” لها بتفجيرين استهدفا مدنيين ومعارضين أكثر ممّا استهدف شبيحة ورجال أمن، والجبهة تبنّت كلا التفجيرين في بيانين.
ثالثاً، ولمن ليس لديه اطلاع فإن الأسماء المذكورة للذين تم إلقاء القبض عليهم بصفتهم عناصر “جبهة نصرة”، فهم في الحقيقة كالتالي: يوسف العبيد وشقيقه علاء من عناصر “جيش الدفاع الوطني”. والعبوة التي اتّهم هؤلاء بتفجيرها هي العبوة التي تبنّتها “كتيبة شباب سلمية” وفقاً لصفحة “أخبار الثورة في مدينة السلمية”، ويبدو أن درجة إفلاس النظام حدَت به ليعود القهقرى إلى خطابه عن السلفيين و”النصرة” و”القاعدة”، وإنْ في مدينة تقطنها الطائفة الاسماعيلية، وهي من الأقليات الطائفية في سوريا.
إلا أن الأمر ليس على هذا القدر من البساطة، ذلك أن لصْق النظام تهمة الانتماء إلى “جبهة النصرة” ببعض شبّيحته ليكونوا كبش فداء لإفلاسه، لا يعني أن “جبهة النصرة” الحقيقية والمنتشرة حول المدينة ستجعل المدينة بمنأى عن تفجيراتها، أو عن هجوم تيارات “تكفيرية جهادية” لا يمانع “الجيش الحر” من التحالف معها في بعض العمليات ضد النظام ومواقعه في سوريا، رغم مقتل واعتقال العديد من قادة “الجيش الحر” على يد “النصرة” وأمثالها.
هجومان تعرضت لهما المدينة على يد “النصرة”، الأول تمثّل في نسف معمل السجاد “مقر الشبّيحة”، ما أدى إلى مقتل مدنيين خارج المقر اكثر من الشبّيحة الذين قضوا في التفجير، والثاني نسف باص الموظفين الذي ينقل موظفي معامل الدفاع من المدينة، وقضى فيه هؤلاء ومنهم مدنيون، كالفنان والموسيقي محمد سعيد الجرعتلي. وحينها راجت في المدينة والمدن السورية رواية تقول بمسؤولية النظام عن التفجيرين، وإذا ما تبنّتهما “النصرة”، فهي “صناعة هذا النظام” الذي يمنح التكفيريين مبرراً ضمنياً للاستمرار في الهجوم على المدينة وعلى مدن وغيرها.
السلَمية تُقصف
مساء 11 آب 2013،سقطت 3 صواريخ على مدينة السلّمية وانفجرت في وسط المدينة، ما أدى إلى استشهاد 13 مدنياً وإصابة العشرات من أبناء المدينة بجروح. بعدها بنحو ساعة نشرت صفحة “تنسيقية قرية عز الدين” بياناً لـ”دولة العراق والشام الإسلامية” تتبنى فيه العملية، قبل ان تسارع التنسيقية ذاتها إلى حذف البيان بعد حملة إعلامية على “فايسبوك” و”تويتر” من الناشطين السوريين من كل المناطق السورية، يدينون هذا العمل.
بعد يوم واحد تناقلت صفحات الثورة في السلَمية وناشطو المدينة خبر مقتل قائد غرفة العمليات التي أمرت بقصف مدينة السلمية، واسمه “عماد احمد”، وهو فلسطيني الجنسية ويعدّ من أهم القادة العسكريين لـ”دولة العراق والشام الإسلامية” في المنطقة، دون ان يتم ذكر الجهة التي قامت بقتله.
توتر وردّات فعل من قبل اهل المدينة والمدن المحيطة بها، لم تحسب لها “دولة العراق والشام” وحلفاؤها حساباً، فكان النفي والتبني ثم النفي وبيان ينشر هنا وبيان ينشر هناك، وإلى ما هنالك…
وإذا كانت السلَمية لم تتعرض لما تعرضت له باقي المدن السورية من حرب ممنهجة على يد نظام الأسد، بل إنّ ما نالها كان من قبل مجموعات اخترقت الثورة دون ان تتبنى أهدافها.
إنّه الموت السوري الذي ينجدل مع اجساد السوريين ويعانقها. موتٌ وحسب، كائناً من كان القاتل: النظام وشبّيحته، أم شبّيحة الثورة والتكفيريون. وهذا الموت لا نهاية له قبل أفول وطي صفحة أول من باشر بقتل السوريين، أي الحكم الأسدي.
موقع لبنان الآن