في السينما أيضا: دكتاتوريات تشبهنا، حتّى في التفاصيل
محمد ديبو
بعد انطلاق الانتفاضة السورية في الخامس عشر من آذار، وضع العديد من المواطنين السوريين المشتركين بخدمة الفيسبوك وتويتر واليوتوب، والمنخرطين في النشاط الإعلامي والتدوينيّ المنحاز للانتفاضة، صورة أو مقاطع لرجل مقنع يدعيV مكان صورهم، وقد دفع هذا الأمر العديد من الشبان لحضور الفيلم والقيام بالترويج له، كي يحضره العديد من المتظاهرين والسوريين، مبتغين من ذلك نشر الوعي بما يحصل هنا؟
وكان الهدف أن يقارن المتظاهرون بين ما يرونه في الفيلم، وما يحصل في واقعهم السوري، علّهم يتوصّلون إلى نتائج حول نظامهم وطبيعته وأكاذيبه، معتبرين ذلك نوعا من النضال غير المباشر في دعم الانتفاضة، عن طريق إزالة الغبش والكذب التي تروّجه آلة النظام الإعلامية.
ولكن السؤال المطروح: ما الذي رآه السوريون في فيلم V for vendettaليضعوا صورة بطله، مكان صورهم الشخصية على الفيسبوك ومواقع أخرى؟
هل وجد السوريون في V بطلهم الذين يبحثون عنه في الثورة؟ وهل كان وضع الصورة رسالة غير مباشرة للنظام فحواها: أننا نعرفك، ونكشف كذبك ونفهم ألاعيبك التي لم تعد تنطلي على أحد!
بعد حضور الفيلم سيذهل المشاهد لحجم الأفكار المتطابقة التي يمكن أن يتوصل إليها المرء حول الاستبداد وآلية حكمه، وكأنّ الاستبداد هو واحد في العالم كله، بطرقه وأساليب حكمه البوليسية.
الدولة الأمنية: الجميع مدان تحت الطلب
يبدأ فيلم V for vendetta بزمن قديم حيث يطلعنا الراوي على حدوث انفجار عظيم في 5 تشرين الثاني، كان وراءه رجل ثوريّ يدعي فوكس، وينتهي المشهد الأوّل من الفيلم بإعدام فوكس، دون أن يعني موت الفكرة التي كان يناضل من أجلها، وبعدها يبدأ الفيلم بالزمن الحديث، بحظر تجول تفرضه السلطة لضبط المجتمع وتسهيل مراقبته، ولكن تخرج الفتاة “إيفي” في الليل ليعترضها ثلاثة أفراد من الشرطة “فينغرمان” لمخالفتها القوانين، ويحاول الثلاثة أن يمارسوا الجنس معها برغبتها وحين ترفض يهدّدونها باعتقالها بتهمة خرق حظر التجول، وحين يبدؤون باغتصابها يظهر الرجل المقنع لإنقاذها.. ولكن هنا في هذا المشهد، نلاحظ القوانين التي تستغلّها السلطة نفسها لتحقيق أشياء أخرى، وهنا يشبه الأمر ما قاله المفكر الطيب تيزيني عن الدولة الأمنية، بأن الجميع مدان تحت الطلب، فلو استجابت الفتاة لرغبتهم الفاسدة باغتصابها لكانت نجت من الاعتقال، ولكن حين رفضت تم تهديدها بتطبيق القانون، وهذا ما يحصل هنا حين تجيّر السلطة الأمنية كل شيء لحسابها، وفق ما يمكن تسميته بـ”الملفات تحت الطلب”.
وبعد إنقاذها يعرّفها الرجل بنفسه : أنه مواطن ضحية لهذا النظام، وأنه من أتباع فوكس، ذلك الرجل الذي أعدم في بداية الفيلم، بعد أن يقدم لنا رؤية مفادها بأن الأفكار لا تموت. ويقول الرجل المقنع”في” بأنه جاء الآن لينتقم من الذين تسلطوا” من أجل القيم التي تحدد “انتقام الفضائل” وفق قوله، ليطلب من إيفي مرافقته لرؤية حفلة موسيقية خاصة، حيث تفاجأ بأن اليوم هو 5 تشرين الثاني، وحين تبدأ الموسيقى بالعزف يحدث انفجار يهزّ الدولة بكاملها، وهنا نجد أنّ الرئيس ومستشاريه الذين يسمّون أنفسهم”مراقبي انكلترا” يجتمعون لتحديد السبب.
وما سنلحظه هنا، هو الدكتاتور الذي يخاطب مستشاريه من خلال شاشة، مما يدل على مدى خوف السلطة من كلّ ما حولها، وابتعاد هذه السلطة عن الجميع بمن فيهم المستشارون، وهنا نجد أن هذه الأجهزة المجتمعة كعادة كل الأنظمة الدكتاتورية، ليست لديها حلول سوى المراقبة والضغط، أي الحلول الأمنية الصرفة، حيث تتمكن الكاميرات المراقبة من معرفة صورة الفتاة وتحديد هويتها، بينما لا يمكن معرفة “في” لأنه ذو قناع. ونلاحظ تركيز المستشار على أن هذا الانفجار ليس مهما بحصوله، بقدر ما هو كارثيّ بنتائجه التي ستجعل الشك يتسرب إلى كل مواطن، وهنا يتولى الإعلام الكذب وتحريف رواية ما حصل، لبلبلة المواطنين من جهة، ومنع الشك من التسرب إليهم، ومع ذلك نجد المواطنين لا يصدقون الرواية الرسمية ولكنهم لا يجرؤون على نفيها علنا، خوفا من العقاب.
وهذا ما حصل في سورية، في اللحظات الأولى للانتفاضة، حيث رفعت السلطة منسوب احتياطها الأمنيّ إلى أقصاه، ولم يكن في نيتها أي حل سواه، ورأينا كيف بدأ الإعلام الرسمي سلسلة أكاذيبه، عبر تشويه صور التظاهر وتكذيب حصولها، ورأينا كيف كان المواطنون يكذبون إعلامهم الرسمي ضمنا، ولكن رغم ذلك كانوا يفتحون التلفزيون دائما على القنوات الرسمية أمام ضيوفهم خوفا، وحين يذهب الضيوف يضعونها على البي بي سي والجزيرة والعربية، وهذا يدل على سطوة الدولة الأمنية التي ترعب الناس وهم في بيوتهم، ولكن رويدا رويدا سنجد تصدع هذا الخوف وانهياره، مع امتداد الانتفاضة واتساع نطاقها، وبلورة إعلامها الخاص المستند على وسائل اتصال بسيطة بدءا من الموبايل الشخصي إلى الفيسبوك.
إعلام السلطة وسلطة الإعلام: إعلاميون برتبة ضباط أمن
وتبدأ أحداث الفيلم إثارة حين يرسل “في” مجموعة من الأقنعة إلى مكان عمل إيفي، دون أن تفهم السبب، ليقوم بعدها باقتحام التلفزيون، ليقدم رسالة متلفزة إلى الشعب الانكليزي، رسالة تدحض زيف الشعارات التي يقدمها المستشار، مؤكدا لهم أنه هو من قام بالتفجير، طالبا منهم البحث في جرائم هذا النظام لمعرفة الحقيقة، وقائلا لهم: إن وجدتم الحقيقة أطلب منكم التجمع أمام البرلمان بعد عام من الآن، وتحديدا في الخامس من السنة القادمة، أي في نفس هذا اليوم، وذلك للمطالبة بإزاحة النظام الفاسد والمستشار الدكتاتور.
وهنا نلاحظ أنّ “في” تمكن من الهجوم على نقطة القوة الكبرى للنظام وتهشيمها وهي الإعلام، أراد أن يوجه رسالة أنّ هذا الإعلام كاذب، وهذا ما سنلاحظه بعد عودة الإعلام إلى بثّه الطبيعي، حيث سيعمد إلى اتهام “في” باستخدام أسلحة لترويع المدنيين وبث رسالة هلع في نفوس المواطنين الآمنين، وتنتهي الرسالة الإعلامية بإعلان موت “الإرهابي” وذلك في رسالة كاذبة، لبثّ الاطمئنان في نفوس بدأ الشك يدب فيها، بقوة النظام وهيبته.
وفي الفيلم يقوم “في” بمهاجمة المذيع الإعلامي الشهير الذي يتولى تقديم الرواية الرسمية للأحداث، حيث سنكتشف أن هذا المذيع كان ضابطا وسجانا، وأنه تولى شخصيا تعذيب في، مما يدلنا على العلاقة الوطيدة بين الإعلام والأمن من جهة، والإعلام والمكتسبات من جهة، فهذا الإعلام يعمل في خدمة الأمن حين يقدم روايته الرسمية وكذبها، ومن جهة أخرى يقوم الأمن بمكافأة ضباطه وسجانيه بوضعهم في مناصب إعلامية أو أخرى بعد انتهاء خدمتهم.
وهذا ينطبق على الحالة السورية تماما، حيث يتم تعيين العديد من الضباط في منصب محافظ بعد انتهاء خدمتهم من الجيش كمكافأة لهم، ويتم تعيين عديد المذيعين الذين أفنوا أعمارهم في تلميع صورة النظام في مناصب سفراء، والأمثلة أكثر من أن تحصى في سورية.
ما نلاحظه في الفيلم أيضا هو قوة الإعلام الذي يركز دائما على وجود عدو خارجي هو أمريكا والامبريالية العالمية، ويتم معالجة الأمر عن طريق اللجوء إلى الله، مما يجعل الأمر مطابقا لمقولة “سوريا الله حاميها”، و”سوريا بخير” وذلك بغية تخدير الوعي وتنويمه لإعادته إلى الحظيرة.
ولمواجهة هذا الخطاب الامبريالي المخترع سلطويا، يتم العمل على تحقيق وحدة البلد عن طريق رفض كل ما هو مختلف حيث يقول المذيع: علينا أن نعزل المهاجرين والمسلمين والمثليين الجنسيين والإرهابيين، إنها أمراض امتدت على مرّ أجيال، يجب أن يرحلوا إن القوّة تأتي من الوحدة والوحدة من الإيمان”..
وهنا نجد أن الإعلام يعمل كمروج وبوق للسلطة لتخدير الوعي بترهات لا يصدقها أحد حتى يتسنى لها فعل ما تريد، بعد أن يكون الإعلام ضللها وأقنعها بوجود مؤامرة تستهدفه أو حرب أو ما شابه
العنف بين التحريم والتجويز اضطرارا
بعد انتهاء “في” من مهمته في التلفزيون، تقوم الفتاة بإنقاذه للخروج من المؤسسة وتذهب معه للتعرّف على عالمه، وهناك يدور الحوار بينهما، بعد أن تدرك هوة ما أقدمت عليه بضرب الشرطي، ليقول لها إنها أقدمت على فعل ما اعتقدت أنّه صواب، مؤكدا لها أنها فعلت ما تعتقده هي لا ما يريدونه هم أن تعتقده. وهنا تكتشف أنه سيحتجزها هنا لمدة عام ريثما ينتهي من مهمته، لأنه لا يستطيع أن يغامر بإطلاق سراحها بعد أن عرفت مكانه.
وهنا يبدأ الجدل بينهما، وهو جدل يعيشه الشعب السوري حاليا، حول أساليب النضال، جدل يبدأ من أهمية نسف البرلمان والسور، أم من الإبقاء عليها، وهو ما يعادل نسف التماثيل وتكسيرها، وهنا نفهم في الفيلم أن تكسير / السور/ البرلمان/ التمثال/ ليس مهما بذاته، بقدر ما هو مهمّ بدلالته، لأن هذه الأشياء الثلاثة هي رموز لما يعتقده الناس، وتحطيم هذه الرموز يعني تحطيم العالم القديم لبدء عالم جديد.
وعندما يقوم بقتل رجل الإعلام الشهير الملقب بـ”صوت لندن” يتمّ نقاش كبير بينهما، ليقول لها إنّ العنف يمكن أن يستخدم لأغراض جيدة؟ وهذا ما يتم تداوله سوريا على نطاق واسع حول سلمية الانتفاضة أو تسليحها، وحول شرعية استخدام السلاح في لحظات حاسمة.
ورغم أنّ السوريين رفضوا كليا استخدام السلاح في الانتفاضة، وإن كان حدث الأمر فهو في سياق ردّ فعل طبيعيّ على عنف غير طبيعيّ من السلطة، ورغم ذلك لم يبرروا الأمر تحت أيّ ظرف، مصرين على السلمية، والشبه هنا يأتي من هذا الجدل حول استخدام السلاح من عدمه..
طبيعة الأنظمة من الداخل: فساد يقود النظام إلى حتفه
نلاحظ في الفيلم أن الفاسدين يصرون على إخفاء ملفاتهم وحرقها رغم احتوائها على معلومات تفيد النظام نفسه للتوصل إلى حقائقه فما يتعلق بحركة الاحتجاجات ومن يقف وراءها، ولكن مصلحة الفاسدين الشخصية تعلو على مصالح النظام نفسه، مما يزيد من تأزيم الأزمة المتأزمة أصلا، وهذا ما نراه حين يصل التحقيق في مقتل “صوت لندن” إلى نقطة حاسمة تتعلق بفساده وعمله ضمن مؤسسة اعتقال خاصة، كان أحد المعتقلين فيها “في”، لتغيب الحقيقة.
ويعكس الفيلم، تخبط أجهزة النظام في عملها، نتيجة تعارض صلاحياتها وتداخلها، فهي من جهة تريد إيقاف الاحتجاجات ومعرفة الفاعلين، ومن جهة ثانية هذا لا يتم إلا عبر كشف الثغرات في النظام التي يستغلها “في”، وهذا الأمر إن تم، سيؤدي إلى كشف الملفات السوداء لأعضاء النظام، وهكذا نجد أنه يتم محاصرة المحقق العصامي” كبير المحققين” أو رجل النظام غير الملوّث بالفساد ومنعه من أداء عمله بشكل جيد، لصالح أصحاب الفساد، ولعل هذا ما حصل مع محافظ حماه في سوريا، الذي تمت إقالته رغم أنه جزء من النظام، وذلك لأنه حمى المتظاهرين من عسف الأجهزة الأمنية، وكذلك مع رئيسة تحرير جريدة تشرين الرسمية “سميرة المسالمة”، فقط لأنها ذرفت دمعة على أبناء بلدها الذين تحصدهم رصاصات الغدر!
نضوج إيفي : نضوج الشعب ضمن الثورة
يعكس الفيلم تطوّر وعي الشعب خلال الثورة ومجرياتها، ففي البدء نلاحظ التخبط وعدم الفهم، ولكن رويدا رويدا تبدأ الأمور تتضح مع تكشف الحقائق، وهذا ما تعكسه “إيفي” التي تتبلور رؤيتها للأحداث من فعل مشارك ولكنه سلبي إلى فعل مشارك إيجابي، بعد أن تحكي قصتها حيث أن أباها وأمها من الناشطين السياسيين الذين تم اعتقالهم وقتلهم خلال بداية حكم المستشار، حيث كان أبوها كاتبا، ومن مقولاته المفضلة “يقوم الكتاب والفنانون بالكذب لقول الحقيقة، بينما يقوم السياسون بالكذب لإخفاء الحقيقة”، وهنا تقرر إيفي خوض الصراع إلى نهايته بعد أن تكتشف قوتها وذاتها التي سلبها إياها النظام.
وهذا الأمر يعكس جوهر النظام القائم على الإقصاء لكل شيء، حيث أن ضحاياه تصل الأب والابن والحفيد، وهذا ما نراه في الانتفاضه السورية الحالية، حيث أن أغلب الشباب المشاركين في الانتفاضة هم أبناء لسجناء سياسيين أو أشخاص ذاقوا الويلات على يد النظام، سجنا وقتلا وتنكيلا وحرمانا من الوظائف وأدنى الحقوق المتعلقة بالسفر والتعبير عن الرأي.
قناع الخوف ووجه الحرية
تجبر السلطات الشمولية الناس الذين تحكمهم على إخفاء حقائقهم عبر أقنعة غير مرئية، تبدأ من تغيير نمط الحياة والقيام بأشياء معاكسة لما يحبون من أجل إبعاد الشبهات عنهم، ويلجأ الناس لذلك هربا من بطش سلطة مستبدة، فهم يعرفون الحقيقة ولكنهم يكذبون ويتحدثون بعكسها، وكلما اشتدت معرفة المرء لحقيقة ما يحصل، تزداد عملية تستره وتقنعه لشعوره بأنه يعرف مالا يتوجب معرفته.
ومن هنا نجد أن الإعلامي غوردون الذي تذهب إليه إيفي للاحتماء، تكتشف أنه يشاطرها نفس الآراء، ولكنه يخفي ذلك خلف قناع منذ سنين عديدة، كما هي تخفي مشاعرها منذ مقتل والديها، ويبرز هذا القناع في طبيعة العيش التي يعيشها المرء كي يخفي ميوله ويبعد الظن عنه، حيث يضطر غوردن إلى دعوة فتيات صغيرات ومنهن إيفي إلى شقته، كي يظن رجال الأمن أنه شخص معروف بحبه للنساء ولا يتعاطى السياسة قط.
وهكذا يعمل النظام الاستبدادي على جعل الجميع خاضعا له، عبر عملية القناع، حيث يصبح القناع رمزا عن خضوع الناس للسلطة المطلقة والخوف منها، ولكن هذا القناع هو نفسه مصدر حماية يستخدمه الناس لإيهام السلطة وإبعاد آذاها، قناع يخفي مشاعرهم الحقيقة تجاهه، يختفي الناس خلف قناعهم الضاحك والخانع لإخفاء تذمرهم وحقدهم لهكذا نظام، بانتظار اللحظة التي سيخلعون بها أقنعتهم وخوفهم إلى غير رجعة.
وهذا ما نشاهده في سوريا، حيث أخفى الناس مشاعرهم تحت ستار الصمت والفرح والمسيرات المؤيدة خوفا من بطش السلطة، إلى أن أزفت لحظة الحقيقة، ونراهم حتى أثناء المشاركة في الانتفاضة يخفون وجوههم أو يقومون بتصوير المظاهرات من الخلف كي لا تبرز الوجوه، أو الخروج في مظاهرات ليلية، حيث يبدو الظلام هو قناعهم الذي يحميهم من بطش السلطة ومفرداتها القامعة.
التهديد بالحرب الأهلية وخراب البلد
حين تصل السكين إلى عنق النظام، حيث تثبت التقارير أن ثمانين بالمئة من الشعب لا يثق برواية النظام ويعتقد أن “في” حي وهو وراء الاغتيالات التي تحدث، وذلك رغم رواية النظام المتواترة إعلاميا أنه ميت، نرى أن المستشار يلعب لعبته الأخيرة خاصة مع اقتراب موعد الخامس من تشرين الثاني وهي التهديد بالحرب الأهلية، حيث يوجه”مراقبو انكلترا” وهم المعادل للأجهزة الأمنية هنا، إلى لعب هذه الورقة لإثبات مدى الحاجة لهذا النظام، وأن رحيله يعني الحرب الأهلية ومجيء الاستعمار وغير ذلك.
وهنا ينشط الإعلام في بث الكثير من الإشاعات عن نقص المياه وحدوث تفجيرات إرهابية مسلحة تستهدف محطات القطار والمنشآت العامة، وهذا ما ينطبق بتمامه وكماله على سوريا حيث عمدت الأجهزة إلى بث الكثير من الإشاعات الكاذبة عن شبح الحرب الأهلية والعصابات المسلحة والإمارات السلفية، وغيرها.
تطابق مذهل ونهاية حتمية:
ولعل أهم مشهد في الفيلم، يدل على التشابه بين ما يحصل في سوريا الآن وهذا الفيلم، هو قيام طفلة في الفيلم بكتابة شعارات على الحيطان ضد المستشار، وهذا ما يذكرنا بالشعارات التي كتبها أطفال درعا وكانت سببا في تسارع وتيرة الانتفاضة. وفي تطابق ثاني مذهل، يقول كبير المحققين في الفيلم أن أحدا ما سيقوم بعمل أخرق سيؤدي إلى اشتعال النار، ويكون هذا العمل هو قيام الجهاز الأمني بقتل مواطن أثناء كتابته بعض الشعارات، ليبدأ الناس بالنزول إلى الشوارع، وهذا ما يطابق ما فعله مسؤول الأمن السياسي في درعا مع الأطفال الذين اعتقلهم، حيث كان لما تعرض له الأطفال أثر بالغ في نفوس الناس، الذين وجدوا أنفسهم في الشارع، انتقاما لكرامتهم المهدورة.
قبل نهاية الفيلم يكتشف كبير المحققين أن كل شيء مرتبط ببعضه، وان الأمر يشبه سلسلة مرتبطة ببعضها البعض، سلسلة من التراكمات أدت إلى ما يحصل الآن، ومن المستحيل عزل ما يحصل الآن عما حصل في الماضي، لأن تراكمات الماضي هي سبب هذا الانفجار الحاصل الآن، وهذا لم تفهمه الأنظمة الدكتاتورية أبدا، لأنها عزلت نفسها عن كل شيء، ولهذا نرى أن حلولها لمعالجة الأزمة في هذه اللحظات تسرع من وتيرتها بدلا من تهدئتها، وذلك لأن نظرتها للأزمة نظرة جزئية/ أمنية، بعيدا عن الرؤية الشاملة التي تجعل منها أزمة كلية تطال المجتمع والنظام وكل شيء.
أخيرا، كان الناشطون محقين حين روجوا لهذا الفيلم، لأنه ساهم كثيرا في فهم طبيعة هذه الأنظمة وآلية عملها، ولعله جعل العديد من المترددين ينحازون نهائيا إلى الجانب المضيء بعد حضورهم الفيلم.
موقع الآوان