في الغوطة الشرقية لم يبق سوى الخوف../يمنى الدمشقي
تسرق الحرب من الناس حياتهم الطبيعية. تطال كل أجزائها الصغيرة. البيت، أغراض غرفتك، طعامك وشرابك، جيرانك وأصدقاؤك. أن تفقد كل شيء في لحظة واحدة، أو تدريجا، هو أصعب ما في الحياة. هذا ما يعيشه سوريون كثر، وجدوا أنفسهم في واقع مفروض عليهم، وهم لذلك في سخط دائم مما حولهم.
في الغوطة الشرقية مثلاً، يعاني ما يزيد عن 90% من السكان من أزمات نفسية نتيجة الجوع والخوف والقصف المتواصل، بينما يحتاج نحو 10% منهم إلى علاجات بالأدوية، وفق الدكتور غزوان الحكيم، وهو طبيب نفسي في المنطقة.
انتشرت في الغوطة الشرقية حالات مثل رهاب الطائرات والقلق المعمم، وهو عبارة عن توتر وخوف دائمين. هنا تتنوع المأساة بتنوع القصص، فهذه سيدة فقدت ابنها البكر على جبهات القتال، تحبس نفسها في المنزل وحيدة منذ نحو شهرين. جميع أهلها تركوها في دوما وغادروا، ولولا تردد جارتها عليها لماتت قهراً، أو جوعاً.
وهذه امرأة أخرى سبعينية، قُتِلَ زوجها وأولادها الثلاثة، قبل عام ونصف في قدسيا، فنزحت إلى دوما حيث تعيش مع ابنتها في حي مليء بمتعاطي المخدرات. فإذا خرجت لبعض الوقت وجدت منزلها عند العودة منهوباً. وما يزيد مأساتها أن ابنتها أصيبت بأزمة نفسية حادة بعد وفاة والدها وإخوتها، وباتت تصاب بنوبات من الهياج وتتصرف تصرفات غير منطقية وغريبة، فإذا ما طلبت شيئاً بات على الأم تلبيته فوراً وإلا هاجت الفتاة، إلى أن تجمع أهالي الحي ونقلوها إلى مركز نفسي للمعالجة.
تقول الأم: أصبت بأمراض كثيرة لكن أسوأ ما أصابني كان مرض ابنتي التي لم أعد أعرف كيف أتعامل معها. كنت أقوم بكل أعمال المنزل، وألبي طلباتها، حتى طالني الفشل الكلوي وامتد ليضعف بصري”.
ويشير غزوان إلى أنه “عاين الفتاة في مركز لإيواء النازحات في دوما، وتم تقديم الدعم النفسي اللازم لها من خلال الأدوية والنشاطات المتنوعة التي تم إشغالها بها كالحياكة والرسم والتطريز، ما أحدث تغيراً في حالتها النفسية”.
وتبقى المعاناة الأصعب معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة كمرضى التوحد و”متلازمة داون” ومصابي الشلل الدماغي.
أم خالد، أم لطفل مصاب بالتوحد، نزحت من الغوطة الشرقية لتستقر في دمشق مع عائلتها. تقول أم خالد: “ابني لم يألف حياتنا الجديدة في دمشق وصار يصاب بالهياج والصراخ، حتى صار يؤذي نفسه بضرب رأسه بالحائط ويبكي بشكل هستيري، ما دفعني إلى إرساله إلى مركز لذوي الاحتياجات الخاصة لممارسة بعض النشاطات كالرسم والموسيقى، لعل ذلك يخفف معاناته”.
وبالرغم من الحصار يحاول الأهالي في دوما عدم تجاهل هؤلاء الأشخاص، إذ تم تأسيس مركز “بصمة أمل” الذي استقطب عدداً من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتنوعت نشاطاته بين الرسم والتطريز والخياطة وتصميم الأزياء والنسج على النول، حتى أنه صار يؤمن أعمالاً لهؤلاء برواتب بسيطة تقارب الستين دولارا شهرياً، وخصوصا في الخياطة.
كما تم إطلاق مشروع “بكرا أحلى” التابع للهلال الأحمر السوري في دوما. ويهدف المشروع إلى رعاية الأطفال في المناطق التي تشهد قصفاً واشتبكات من خلال التقرب منهم وتقديم نشاطات ترفيهية لهم. ويركز المشروع بشكل أساسي على علاج الأطفال المصابين بأزمات نفسية جرّاء الحرب ومآسيها.
المدن