في المسألة السورية.. سؤال الساعة هو كيف البديل؟
أحمد فيصل الخطاب
في أوائل الثمانينات من القـــرن الماضي، كتب المفكر القومي الكبير صلاح الدين البيــــطار افتتاحية شهيرة في مجلة ‘الإحياء العــــربي’ التي كان يصدرها من باريس، وكانت بعــــنوان ‘في المسألة السورية : سؤال الساعة، ما هو البديل؟ ‘.
‘ما’ هو البديل، وليس ‘من’ هو البديل، فالمسألة ليست في استبدال شخص أو رئيس بشخص أو رئيس آخر، إنما استبدال حالة بحالة.
بعد نحو ثلاثين عاماً، أتى جواب الشعب السوري على السؤال الكبير ممهوراً بدمه هذه المرة: البديل عن النظام الديكتاتوري الشمولي العسكري الأمني هو قيام دولة مدنية ديمقراطية تعددية تداولية.
اليوم، لم يعد السؤال المطروح ما هو البديل؟ فأكثرية الشعب بكل أطيافه تؤشر عليه بوضوح.
لكن السؤال الأصعب المطروح اليوم في رأينا هو، ودائماً في إطار المسألة السورية: كيف الوصول إلى هذا البديل؟ كيف؟ بأية أدوات ووسائل وأساليب؟
استمرار التظاهر في الشارع؟ إنه شرط لازم، لكنه ثبت أنه غير كاف لزعزعة واحد من أعتى الأنظمة القمعية في العالم.
انحياز عسكري من القوات المسلحة للثورة كما حدث في تونس ومصر إن مثل هذا الاحتمال يوفر على سورية أرضاً وشعباً الكثير من المعاناة والدماء، ولكنه احتمال يبدو وبعد مرور نحو تسعة أشهر ضعيفاً، بل مستبعداً في ظل المعطيات الخاصة بالساحة السورية.
تدخل أممي كما حصل في الحالة الليبية؟
أمر وارد، لكنه ضعيف الاحتمال. ومما يزيد من صعوبة مثل هذا الحل، الوقع الجغرافي السياسي لسورية، وشبكة العلاقات السورية الإقليمية المتداخلة والمعقدة، وكذا العلاقات الخفية للنظام السوري مع ‘لوبيات’ وقوى مؤثرة في العالم.
تسوية سياسية على الطريقة اليمنية؟
ربما كان هذا حلاً معقولاً، يحقن الدماء، ويوفر على الشعب السوري الكثير من المعاناة. لكن السؤال هل هذا الحل ممكن في سورية؟
لقد سالت كثير من الدماء تبحث عن هوية وهدف. وإن التجربة الحية طوال أكثر من أربعين عاماً، أشرت بوضوح على عقلية خاصة لدى الممسكين بزمام الأمور عندنا. عقلية تلخص بكلمات ثلاث: استبداد، فساد، ارتداد.
فكيف والحال هذه العبور نحو تسوية ممكنة؟
لقد كانت الإشكالية في سورية قضية عادية تتعرض لها معظم دول العالم الثالث.
لكن هذه القضية مع مرور الزمن وطول الأمد تحولت إلى مسألة. مسألة تهدد اليوم بالتحول إلى معضلة: أي مسألة بلا حل. لأن كثيراً من القوى الخارجية وبعض القوى داخل النظام تدفع بهذا الاتجاه، وهنا الكارثة.
يبقى الحل الأخير: استمرار الثورة، ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، مع الحرص على طابعها الوطني الشامل والديمقراطي السلمي، مع إقناع الفئات المترددة وخاصة من الطبقى الوسطى بأن مصلحتها تكمن في التغيير والتركيز على العاصمة السياسية لسورية: دمشق، والعاصمة الاقتصادية: حلب حين ينزل الملايين في دمشق وحلب إلى الشوارع، يتغير ميزان القوى بشكل واضح لصالح قوى الحرية والتغيير.
بعد هذه المرحلة، يتم الانتقال إلى إضراب شامل في كل المدن والبلدات السورية. وفي مرحلة لاحقة يتم الانتقال إلى العصيان المدني. وهو سلاح هائل، خاصة حين يكون شاملاً ووطنياً ومنظماً.
حينذاك وحينذاك فقط، يمكن لشرائح هامة مدنية وعسكرية أن تنسلخ عن النظام وتلتحق بركب الثورة.
وهنا تكون اللحظة الفارقة، لحظة الحسم. ويتم التغيير الكبير الذي تهفو إليه قلوب وعقول الملايين من السوريين.
تغيير ستفرضه شجاعة الشعب السوري العظيم، وقوافل الشهداء الأحرار.
إن التغيير آتٍ لا ريب فيه. ودوام الحال من المحال.
لكن السؤال بأي أثمان وتكاليف سيكون هذا التغيير؟
الفكر النير لا بد أن يعثر على الحلول الملائمة. فتعريف ‘السياسة’، أو قل ‘الحكمة’ الذي أراه الأفضل والأشمل هو ‘فعل الواجب في الزمان المناسب والمكان المناسب وبالشكل أو الصيغة المناسبة’.
هذا هو التحدي الشاخص اليوم أمامنا جميعاً. فمن يرفع هذا التحدي الكبير؟
‘ إعلامي ومعارض سياسي سوري
القدس العربي