في جدّية المواقف الغربية من الأزمة السورية
عمر كوش
تطرح أسئلة عديدة حول مواقف الدول الغربية من الأزمة السورية، وتمتد لتطاول حقيقة وجديّة المواقف السياسية المعلنة، الداعمة لمطالب الشعب السوري، وافتراقها عن تقديم الدعم اللازم للثوار السوريين، حيث تثار شكوك مراقبين كثر حول أسباب احجام الولايات المتحدة الأميركية عن اتخاذ مواقف حازمة، كتلك التي اتخذتها حيال أزمات دولية أخرى، الأمر الذي يطرح مسألة اختلاف المعيارية في المواقف حول الأزمات الدولية، وخصوصاً في جانبها الأخلاقي الإنساني، وعن أسباب التردد في تطبيق مهام الأمم المتحدة وهيأتها، ومنها مجلس الأمن الدولي، في حفظ السلام العالمي والدفاع عن حقوق الإنسان، فالشعب السوري يتعرض، أمام مرأى العالم وسمعه، لجرائم ومجازر متنقلة وممنهجة، وباتت يومية، في ظل صمت وتردد المجتمع الدولي، بل أن هناك دولاً وحكومات تبارك هذه المجازر وسائر أعمال القتل، وتقدم أعذاراً وتبريرات مختلفة وواهية لعنف النظام.
ويلاحظ أن ساسة الولايات المتحدة الأميركية، لا زالوا يأخذون بمقولة تفضيل الحل السياسي، دون اتخاذ أي وسيلة ضاغطة من أجل بلوغ هذا الحل المنشود، ويستندون في ذلك إلى مقولة تبريرية، تفضل الاستقرار على الديموقراطية. وفي الدائرة نفسها، تذهب مواقف دول الاتحاد الأوروبي، من تردد، وعدم إظهار رغبتها الدخول بقوة على خط البحث عن حل للأزمة السورية، الأمر الذي شجع الروس والإيرانيين والصينيين على اتخاذ مواقفهم المتشددة، بل ظهر أن الغربيين مرتاحون لدور الإعاقة والممانعة الروسية، والسبب هو أن حسابات الدول الغربية، تأخذ بالاعتبار حسابات المصالح في ظل الأزمة المالية العالمية، ومدى تأثير أي أزمة دولية على أوضاعهم الداخلية، وخاصة الحسابات المتعلقة بالانتخابات واستطلاعات الرأي وسواها، وتحسب حكوماتها ألف حساب لأمن ومصالح إسرائيل، قبل كل شيء، في منطقة الشرق الأوسط. إضافة إلى أن مصالح الدول الغربية غير مهددة بفعل تأزم الوضع السوري، فلا بترول في سوريا، والضاغط الأخلاقي لا يدفع وحده الساسة الأوربيين إلى اتخاذ مواقف حازمة وحاسمة، كما فعلوا حيال العراق وأفغانستان ويوغوسلافيا السابقة، لذلك يركزون على مقولة الحلّ السياسي، غير المتاح فعلياً، ولا يهمهم كثيراً حجم وهول ما يصيب المحتجين السوريين، وما يقدمونه من شهداء وجرحى ومعتقلين، ولا يكترثون لدمار مناطق سكانهم وتهجيرهم وتشريدهم، داخل سوريا وخارجها، ويعرفون تماماً أن مصلحة إسرائيل تكمن في أن تدخل سوريا في نفق مظلم لا نهاية له، وأن تتدمر وتتفكك الدولة، وتصل إلى مرحلة شديد من الاهتراء والتفكك والتعفن.
وشهدت مواقف الدول الغربية تعرجات وتغيرات كثيرة، وفترات من صعود لهجة تصريحات مسؤوليها الإعلامية، وأخرى خافتة وباهتة، وسارت في خط متغير بتغير المعطيات على الأرض السورية. ففي بداية الثورة، ارتفعت أصوات التنديد والشجب لممارسات النظام، مع تأييد مطالب المحتجين، وبلغت سقفها بمطالبة الرئيس الأسد بالرحيل، واعتباره فاقد الشرعية.
ولم تخف معظم الدول الغربية، ومعها تركيا ودول الخليج، دعمها الصريح لمطالب الشعب السوري في التغيير، بل تحدث معظم زعماء دولها وساستها عن ضرورة رحيل الأسد، وأن أيامه في الحكم باتت معدودة. لكن المفارق في الأمر هو أن سقف التصريحات السياسية انخفض، بعد عدة أشهر من الثورة، وراح يدور حول المقولات نفسها. واليوم، وبعد عام ونصف من الثورة، وسقوط أكثر من ثلاثين ألف شهيد، ودمار قرى وبلدات وأحياء كثيرة، وقصف المدن الرئيسية وسواها بالطيران الحربي وبمدافع الدبابات، وتهجير أكثر من مليوني سوري من أماكن سكناهم. مع ذلك كله، ما يزال زعماء الغرب وساسته يرددون الكلام نفسه، ويتحدثون عن ضرورة الحل السياسي، وتفضيلهم له، الأمر يكشف عجزاً كبيراً حيال الأزمة السورية، بل أن المخاتل في مواقفهم، هو أنهم لم يكفوا عن التذرع بتعقيدات الوضع السوري، مثل عدم وجود البديل المناسب، واختلافات المعارضة وتشرذمها، وتعقيدات الوضع السوري، والخوف على حقوق الأقليات ومصيرها، وامتلاك النظام أسلحة الكيمياوية، وبروز تنظيمات متطرفة، وسوى ذلك. وكلها اشتراطات، اتخذت ذريعة لتبرير ترك الشعب السوري رهينة، يقتل منه النظام من يشاء وقدر ما يشاء.
والمستغرب في الأمر هو أن تصريحات المسؤولين الغربيين توظف لصالح النظام السوري، سواء بالتواطؤ معه أم من دون ذلك، حيث وضع بعض الساسة خطوطاً حمراء عدّة، سرعان ما لبث أن تراجعوا عنها، حين تجاوزها النظام، ولعل تحذير الرئيس الأميركي “باراك أوباما” النظام السوري من مغبة استخدامه الأسلحة الكيمياوية، فهم منه النظام، أن بإمكانه استخدام مختلف أنواع الأسلحة، وهو يستخدمها بالفعل، باستثناء الإسلحة الكيمياوية. إنه تصريح بالقتل بواسطة الرشاشات والمدافع الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، واستخدام الدبابات والطائرت الحربية.
والواقع، أنه وبصرف النظر عن مدى التشكيك بجدية المواقف الغربية، فإن الثوار السوريين كانوا يدركون منذ البداية أن التكلفة كبيرة والثمن باهظ، وعدم فائدة التعويل على الدول الغربية في إنهاء معاناة السوريين، وفي المساعدة على تلبية مطالبهم وطموحاتهم في إشادة دولة مدنية تعددية ديموقراطية، وبالتالي، فإن ثمن حرية السوريين واسترجاع كرامتهم كبير، والخلاص من الاستبداد المستحكم منذ أربعة عقود ليس أمراً سهلاً، ويتطلب تضحيات جسام وملاحم بطولية بدأوا يسطرونها منذ أكثر من ثمانية عشر شهراً.