في حصار “أصفر نجّار” وأحداث أخرى، بإمكان حادثة واحدة أن تدمّر شعباً
الحسكة ـ عارف حمزة
قصص كثيرة سيتمّ الكشف عنها بعد انتهاء الثورة في سوريا؛ خصوصاً أنّ هناك الكثير من الحوادث قد جرت في الخفاء، وقد يصبح الشهود الوحيدون في عداد الموتى، كما حدث للضحايا في تلك القصص. النسبة الأكبر من تلك القصص المروّعة لن تبقى طيّ الكتمان إلى الأزل؛ فهناك قصص ستخرج إلى العلن، رويداً رويداً، بكامل بشاعتها الحارقة للمشاعر الإنسانيّة.
هناك الكثير من قصص الذبح والإغتصاب والسلب والتعذيب… إلخ، التي ما زالت طيّ الكتمان، لسبب من الأسباب، ولكن لا بدّ لها من الخروج في النهاية. سنجهّز قلوبنا المقدّدة منذ الآن لأخبار المقابر الجماعيّة، التي سيتمّ العثور عليها في كثير من الأماكن، ولقصص تلك الإعدامات الجماعيّة المتنقّلة، التي كانت تتمّ ذبحاً بالسكاكين بعد منتصف الليل، وعن الجثث التي ستـُقفل ملف الكثير من المفقودين…
وهناك قصص تمّت وعرف بها أناس المنطقة التي حدثت فيها، دون أن تصل الى الأماكن البعيدة التي تكرّرت فيها، ويا للأسف، القصص ذاتها، وربّما بطريقة أبشع من ذلك بكثير. فإعلام الأطراف المتنازعة، ذات الإمكانيات المتخلّفة والمحدودة، إضافة للإعلام الذي ذهب لمساندة الطرفين بإمكانياته العالية، لم تعط، في كثير من الأحيان، أهميّة كبيرة للتفاصيل. التفاصيل التي بإمكان حادثة واحدة أن تدمّر شعباً كاملاً، من الناحية النفسيّة على الأقل.
وحادثة حصار “أصفر نجّار” هي من تلك الحوادث التي مرّت بسرعة، ومن دون إيلائها أي أهميّة، رغم أنّها كانت ذات أهميّة كبرى لطرف، وهو الجيش السوريّ الحرّ، في التقاط أنفاسه وتحقيق تقدّم كبير في منطقة ذات حساسيّة بشريّة عالية، وأعطت الأمل للناس بالعودة سريعاً، بعد نزوح لثمانية أيام فقط، إلى بيوتها وأشغالها التي خربَتْ. كما أنّها تـُعطي صورة واضحة لكيفيّة دفاع النظام عن الجنود الذين ظلّوا على موقفهم في الدفاع عن وجوده.
و”أصفر نجّار” هي عبارة عن مزرعة صغيرة، ليست قرية حتى، تملكها عائلة مسيحيّة هاجرت منذ زمن بعيد إلى خارج البلد، وتركت مزرعتها وبيتيّ العائلة لعناصر أمنيّة سكنتْ هناك مؤقـّتاً، ثمّ دام في النهاية، كما هو الحال بالنسبة لإحدى الكنائس، التي يسكنها رئيس أحد المفارز الأمنيّة في مدينة “عامودا”.
هذه المزرعة تبعد عن منطقة رأس العين الحدوديّة ما يقارب الكيلومترين، وفي بداية عام 2012 تم وضع مربض مدفعيّة هناك، مع عشرات العناصر التابعين لقوّات المدفعيّة والقوات الخاصّة، وتمّ تجهيز المكان بما يلزمه من مواد غذائيّة ونفطيّة وطبيّة…. وذلك تحسّباً من دخول عناصر الجيش السوريّ الحرّ إلى تلك المناطق الحدوديّة الشماليّة، كرأس العين والدرباسيّة وعامودا، ذات الأغلبيّة الكرديّة. من سوريا. وهو ما تمّ في قرية “طرطب” ومطار القامشلي، لمنع الجيش السوريّ الحرّ من السيطرة على المعبر الحدودي في مدينة القامشلي.
وفي الوقت الذي كانت فيه الأجهزة الأمنيّة للنظام متأكّدة من سيناريو وحيد لتسلّل عناصر الجيش السوريّ الحرّ، للسيطرة على المعابر الحدوديّة الشماليّة من البلاد، وهو بمجيء تلك العناصر عن طريق “تل أبيض”، وهو المعبر الحدوديّ الشماليّ مع تركيّا الذي سيطروا عليه منذ شهرين تقريباً، التابع لمحافظة الرقّة والقريب من مدينة رأس العين، التابعة لمحافظة الحسكة. لذلك كثـّفت من مراقبتها لتلك الطريق، ووضعت العديد من الحواجز هناك. إلا أنـّها تفاجأت بدخول لواء “غرباء الشام”، وهم من العناصر التي انشقـّت وهربت الى تركيا وتمّ تدريبها هناك تدريباً عسكريّاً عالياً، من تركيا إلى معبر رأس العين مباشرة، وهو معبر لا يُستخدم سوى مرتين في العام، في عيدي الفطر والأضحى، لتبادل الزيارات بين أهالي القرى الكرديّة التي باعدت الحدود بينهم، وذلك في الثانية والنصف صباحاً من يوم الخميس 8/11/2012، واستيقظ أهالي رأس العين على طلقات ناريّة وصيحات فرح وتكبير صادرة من عناصر غرباء الشام، ولم تكد الناس تستفسر عمّا يحدث، حتى بدأت قذائف المدفعيّة المرابطة في أصفر نجار تدكّ مدينة رأس العين في الثالثة صباحاً.
بمجرّد النزوح الكبير لأهالي رأس العين، ما يقارب الخمسين ألف نسمة، إضافة للنازحين الذين قدموا إليها من حلب ودير الزور، ويقدّر عددهم بثلاثة آلاف نسمة، وخروج العناصر الأمنيّة منها بعد التدخـّل من المجلس الوطني الكرديّ لتفادي حصول قتال، ورغم التواجد المديد للجيش الحرّ والعناصر الأمنيّة الموجودة هناك، توجّهت كتائب غرباء الشام لمحاصرة مزرعة أصفر نجار في مساء ذلك اليوم ولغاية سقوطها بيد الكتائب ظهر الأربعاء 14/11/2012.
في هذه الأثناء كانت المدفعية تضرب المدينة بضراوة، وطائرات الميغ تضرب صواريخها حول المزرعة، لفكّ الحصار عنها، وعلى المدينة، لتشتيت شمل الكتائب الموزعة هناك، ولبيان فارق القوّة بين الطرفين وبثّ الرعب.
صباح يوم الثلاثاء 13/11/2012 توجهت أربع شاحنات كبيرة محملة بالأسلحة والذخائر، وأكثر من عشر سيارات “بيك أب” محمّلة بالجنود، من الحسكة إلى منطقة رأس العين لضرب الكتائب من الخلف وفكّ الحصار عن مزرعة أصفر نجّار. إلا أنه لم يصل جنديّ واحد إلى هناك؛ فقد تعرّضت القافلة لكمين من قبل الكتائب التي قتلت وجرحت كلّ من كان في تلك القافلة، واستولت على الشاحنات والسيارات والأسلحة التي تحملها.
بعد سبعة أيام من الحصار سقطت مزرعة أصفر نجّار بيد كتائب غرباء الشام. وعرضت قناة “الجزيرة مباشر” لحظة سكوت الرصاصات من جانب الجنود الموجودين في المزرعة. ثم تتالى تصوير جثث الجنود على الطريق الترابيّة الواصلة للمزرعة، وتصوير المزرعة من داخلها، وإظهار وجوه ووثائق الجنود الذي قتلوا هناك مباشرة أمام شاشات عائلاتهم التي تنتظر عودتهم سالمين.
ما لم تعرضه تلك القناة هو صور الجرحى، الذين طلب عناصر غرباء الشام إسعافهم إلى المشافي في القامشلي والحسكة. جنود وصلوا، نازفين وخائفين، إلى مصير مجهول.
أول ما فعله الجنود هو طلب الطعام. وأكثر ما تفاجأ به الممرضون والأطباء هو انكبابهم على الأكل بسرعة والتهامه بكميات كبيرة، طالبين من الأطباء تأجيل كلّ شيء حتى فراغهم من الأكل! لأنّهم لم يذوقوا الطعام لمدة ثلاثة أيام متواصلة من الحصار. ولأنّ المروحيات، والطائرات القتاليّة، التي جاءت لفكّ الحصار عنهم، لم تحمل خبزاً ولا طعاماً ولا ماء ولا أطباء ولا أدوية… بل قذائف وصواريخ فحسب. لم يفكـّروا بأنّ هؤلاء الجنود قد يموتون بسبب الجوع والعطش قبل الرصاص. وبمجرّد أن دخل “غرباء الشام” المزرعة توقـّفت الطائرات عن القصف. تاركة الجنود هناك لمصيرهم المرسوم منذ البداية.
“لا قيمة لنا” قال أحد الجنود الجرحى وهو يمسح فمه بكمّ بدلته الممزّقة. “لا قيمة لنا أبداً”. قالها وغاب عن الوعي.
المستقبل
عارف حمزه إنسان انتهازي و متسلق على ظهور الآخرين. هو عضو عامل في حزب البعث الخائن و كلن دائماً يقود الاجتماعات الحزبيه. مع الأسف يستطيع أن يراوغ و يخادع و يلعب على ألف وتر.
صدقت عزيزي صالح. محمد عارف حمزه صحافي الشبيبة و البعوث منافق من الطراز الأول متملق و متسلق و استغلالي لدرجة البجاحة و اللي استحو ماتو. كم من الطلاب الأحرار طردو بسببه من الجامعه؟ مع انه كردي و لكنه لا يمت للأكراد بصله بل يمكن اعتباره من قطعان الجحيش.