في ذكرى انطلاقتها… الثورة السورية في مرآة الأدب والفن والمواقع الالكترونية – ثوار على «فايسبوك»… طوبى لمن يعرفون الأمل
سيد محمود
يُشبه تعاطي الكتاب السوريين مع الثورة، على مواقع التواصل الاجتماعي، قصة العميان المعروفة في وصف الفيل، إذ يحكى أن ثلاثة من العُميان دخلوا في غرفة يوجد فيها فيل، وطلب منهم أن يكتشفوا ما هو الفيل؟ وعندما بدأوا في تحسس الحيوان الضخم، خرج كل منهم ليبدأ في الوصف، فقال الأول: «الفيل هو أربعة عمدان على الأرض، وقال الثاني: لا أنه يشبه الثعبان تماماً، وقال الثالث: الفيل يشبه المكنسة. وحين وجدوا أنهم مختلفون، بدأوا في الشجار، وتمسك كل واحد منهم برأيه، ثمّ راحوا يتجادلون ويتهم كل واحد منهم الآخر بأنه كاذب ومدََّعٍ».
قبل اندلاع الثورة بأيام، اعترف النظام السوري بـ «الفايسبوك»، وهو كان قبل ذلك يتعمد حجبه، على الرغم من أنّ بشار الأسد شخصياً كانت له صفحة على الفايسبوك، قبل أن تأتي تطورات الأوضاع في مصر وتونس لتجعل من فكرة إتاحة تلك المواقع بصورة شرعية حلاً وحيداً «ربما بأمل السيطرة على الوضع وهو ما لم يحدث بالطبع»!.
ومع تطور الأوضاع وتحول سورية إلى مستنقع للدم، تغيرت نبرة الاتهام على صفحات المثقفين قليلاً، وبدأوا الالتفات إلى «حجم الخسارة» وغابت عن صفحات التواصل الاجتماعي نبرة السجال. فانتصرت رحلة البحث عن المعنى، مع تحوّل تلك الصفحات إلى جدارية كبيرة حافلة بصور الدمار وأيقونات الثورة، وساحة لحرية التعبير التي حُرم منها السوريون طويلاً. وربما، بسبب هذا الحرمان، كان الفايسبوك هو المرآة التي يمكن فيها رؤية ملامح هذا الاحتقان، والآن بات السؤال الذي يشغل الجميع: هل يمكننا التأمل لنبني الأمل؟ وكان من الصعب طرح مثل هذا السؤال في الأيام الأولى، حين انشغلت كل الفصائل بفكرة الاصطفاف. وأضحت الإجابة عن هذا السؤال، تُختصر في صيغة اتهامية هي: «هل أنت مع الثورة أم ضدها؟».
أما الآن فيمكن القول إن صفحات المثقفين والكتاب على الفايسبوك تحولت إلى «دفتر يوميات» أو ساحة «فش خلق»، تحفل بالتناقضات وتنطق أيضاً بالأمل، بينما كان في الماضي باباً للأذى والتجريحء.
وبات أكثر ما يلفت نظر المتصفح لصفحات الفايسبوك في الأيام الأخيرة هي طوفان الصفحات التي تم تأسيسها للحفاظ على «الذاكرة السورية» المهددة بالاقتلاع، بعد تحول الشعب السوري إلى جيش من اللاجئين. وظهرت صفحات تحتفي بماضي المدن السورية قبل حكم البعث، وصفحات أخرى ترصد حجم الدمار الذي أحدثته الحرب الدائرة في غالبية المدن السورية.
يوميات الثورة
وبدأ المثقفون، من الذين انخرطوا في الثورة أو الذين توجسوا منها، يسعون إلى تأسيس ما يمكن وصفه بـ «المدونة الأخلاقية» التي تُلزم سورية الآن. الكاتبة سمر يزبك كانت من المناصرات الأوائل للحراك الثوري، وهي لا تخفي قلقها من غياب فكرة «الإعمار»، وتكتب «كل مدينة يحرّرها الثوّار بشجاعتهم، ومواجهتهم الموت، تهدمها طائرات الأسد بخسة من بعيد، بدنا كتائب عمّارين عالأرض!، هون أصل القصة»، وقبلها بأيام كتبت صاحبة «تقاطع نيران «: «نظل نبحث عن معنى سوريتنا. في العتمة. في الضوء. في خريف العمر والقهر. سنظل نبحث عن معنى لإنسانيتنا. أفترض، وربما.. لهذا، كنا كتاباً وكاتبات».
ولا فرق بين موقف يزبك، التي خرجت مجبرة إلى باريس، من غير أن تنقطع زياراتها للمناطق المحررة، وموقف الشاعرة والصحافية سعاد جروس التي ظلت داخل سورية، وتحولت صفحتها إلى كراسة رسم بياني كان من السهل أن ترصد فيها لحظات صعود مؤشر الأمل أو هبوطه. فصفحتها هي بمثابة «ترمومتر» لكلّ المستجدات. وكتبت جروس على صفحتها قبل أيام: «الإحباط والقنوط واليأس والحزن وكل ما يتصل بها من مشاعر كئيبة ترف لا وقت لها ولا بد من تأجيلها مهما بدا ذلك صعباً التفاؤل، واجب وطني، وحاجة إنسانية ماسة للسوريين للعبور» طوبى لكل من يبث بابتسامته الأمل صفحات أخرى تعمل على استعادة رموز مقاومة الاستبداد في الذاكرة السورية، ثمة نداءات كثيرة تحاول تأمل مساهمات أسماء بارزة مثل سعد الله ونوس وممدوح عدوان ومحمد الماغوط والمخرج عمر أميرالاي وللأخير كتب مصطفى نيربيه «قم يا عمر أميرالاي من قبرك وانظر الطوفان الذي حلمت به لا الطوفان الذي تكلمت كاميرتك عنه.. عمر يا عمر، شعب الرقة انتصر»، وإلى جوار تلك الصفحات ثمة صفحات أخرى تقاوم بإعادة نشر مقالات صبحي حديدي وياسين الحاج صالح المناصرة للثورة أو تحتفي بكتابات زكريا تامر المفتوحة على الأمل في مواجهة نصوص أدونيس ونزيه أوعفش التي عدت من اللحظة الأولى «ضبابية»
وعلى صفحتها تكتب الروائية مها حسن، المقيمة في باريس منذ سنوات، العديد من النصوص المناصرة للثورة وتحتفي بنماذج من المبادرات التي تسعى للحفاظ على سورية: «في الداخل السوري يظلّ الروائي خالد خليفة صاحب «مديح الكراهية» أحد أبرز كتاب جيله الذين لم يفكروا في الخروج من دمشق، الكاتب الذي يعتبرونه علامة من علامات الليل في سورية، لا يزال مصراً على البقاء، معتبراً أن في التمسك بالإقامة صورة من صور مناصرة الحراك. فالكثير من الأحداث تحتاج إلى شاهد إثبات في مواجهة صور التزييف. وحوّل الشاعر علي سفر صفحته إلى جدارية للشغب، تحم مقاطع تنطق بنبرة سخرية مؤلمة وتدين الواقع بكل أطيافه. وكتب سفر قبل أيام «ورأيت فيما يراه النائم، الشعب السوري كله يرقص رقصة هارلم شيك».
بينما تكتب الشاعرة رشا عمران، ومن إقامتها في مصر، على صفحتها الفايسبوكية، بغزارة لمقاومة فعل المحو الذي يُصرّ عليه أنصار الدمار. ومن بين ما دوّنته: «طالما هناك أصوات تنتقد، وبقوة، فسورية لن يحكمها أي استبداد جديد». ثم تستأنف بنبرة كاشفة عن المسافات التي خلقتها الأيام الطويلة للثورة «المشهورات لا فضل لهن على الثورة.. للثورة فضل عليهن.. أتاحت لهن أن يشهرن إنسانيتهن».
ومن مكانه في دمشق، يُصرّ الروائي خليل صويلح على أن يتحرك في ما تبقى من أماكن، ليكتب العديد من اليوميات التي تكلفه لعنات من كل الأطراف. ويُدوّن صاحب «ورّاق الحب» بصيغة الشاهد يومياته التي تُطلّ على بشاعة المشهد، معتبراً أن ما يحدث للسوريين اليوم، حدث على نحوٍ مشابه في قصة «على قطيفة» للألماني هاينتس ريسه: رجل يعبر جسراً ضيّقاً للقطارات فوق بحيرة. فاجأه قدوم قطار بضائع في غير موعده، ولم يكن أمامه مفرّ: إما أن يدهسه القطار، أو أن يلقي بنفسه إلى بحيرة مليئة بالتماسيح».
الحياة