في سوريا.. احذر حواجز الموت/سلافة جبور-دمشق
لا جثة، ولا دليل على الوفاة، فقط مكالمة هاتفية تخبر الأهل بوفاة ابنهم المعتقل، وبضرورة قدومهم لاستلام ما تبقى من أغراضه الشخصية. قصة لم تعد نادرة الحدوث في سوريا منذ انطلاق الثورة فيها منتصف مارس/آذار 2011.
في أحياء دمشق الراقية منها والشعبية لا تغيب ملصقات النعي عن الجدران، ولاحظت الجزيرة نت -خلال تجولها في العاصمة السورية- أن سبب الوفاة في معظم هذه الملصقات “حادث أليم”، وهذا السبب -حسب سكان المنطقة- مرادف لوفاة الضحية تحت التعذيب في أحد أقبية المخابرات السورية.
ويخبرنا والد أحد القتلى كيف اضطر للانتظار عدة ساعات كي يأتي دوره لاستلام الأوراق الخاصة بنجله. ويرجع الأب المكلوم السبب، لانتظار المئات غيره لاستلام الوثائق الخاصة بأبنائهم.
النظام كاذب
ولرزان -ربة منزل وأم لطفلين- قصة عن غياب زوجها المعتقل منذ ما يزيد على خمسة أشهر وذلك عند مروره على أحد الحواجز في مدينة دمشق.
وتقول للجزيرة نت “أعتقد أن السبب هو هويته فنحن من معضمية الشام، لكننا نسكن منذ حوالي السنة في ريف دمشق”. وتضيف أنه لا سبب محددا لاعتقال زوجها سوى أنه من الريف “المغضوب عليه”، حاله كحال آلاف الشباب الذين يُعتقلون يومياً دون تهمة.
ولا تملك رزان وعائلتها سوى الانتظار، لأنها حاولت مرارا السؤال عنه ومعرفة مكان وجوده دون جدوى، حتى أن بعض الأصدقاء نصحوها بالكف عن السؤال “حرصاً على حياته”.
وبعد مضي حوالي ثلاثة أشهر على اعتقاله، جاء من يخبرها أن زوجها توفي تحت التعذيب في أحد الفروع الأمنية، وأن عليها الذهاب واستلام أوراقه وأغراضه الشخصية.
تقول رزان إنها رفضت الذهاب “فنحن بالطبع نستلم مجموعة من الأوراق دون جثة ودون دليل على الوفاة كما حدث مع العشرات ممن نعرفهم من مدينة المعضمية. وتابعت “قلت لكل من هم حولي، إن زوجي لم يمت، ومن يقول عكس ذلك فليذهب ويحضر لي جثته”.
وترفض تصديق أي خبر يأتي من النظام، “لأننا نتعامل مع عصابة لا مع دولة، وهناك أسباب كي يقوم النظام بذلك، ربما يريد استدراج أشقائه لاعتقالهم لأنهم مطلوبون، كل ما يقوله أو يفعله النظام كذب في كذب”.
واليوم، قررت رزان متابعة حياتها وكأن زوجها لا زال على قيد الحياة، تقوم ببعض أعمال الخياطة في منزلها مما يعينها كي تعيش بكرامة مع أطفالها، وتنتظر كل يوم عودة زوجها دون أن يكون لديها شك بأن ذلك قد لا يحصل.
وتختم رزان أنها سمعت عن معتقلين غيبوا لسنوات في السجون عقب أحداث الثمانينيات في سوريا ثم عادوا فجأة إلى عائلاتهم، “لن أفقد الأمل، وقررت تسليم أمري لله”.
انتظار لا مفر منه
أما حكاية ريهام وعائلتها فمأساوية من كافة جوانبها، فهي لم تحرم فقط من زوجها ودفن جثته بل أيضا من تعويضه وإرثه الذي تركه لعائلته.
وتقطن ريهام مع أطفالها الثلاثة وأكبرهم يبلغ 15 عاما في منزل صغير في أحد الأحياء المتواضعة بدمشق، اعتقل زوجها العام الماضي إثر اتهامه بالتعامل مع الجيش الحر في ريف دمشق، وبعد اعتقاله بشهرين ونصف أرسلت لهم الدائرة الحكومية التي كان يعمل فيها من يخبرهم بوفاته داخل المعتقل “بسبب ذبحة قلبية”.
“ذهبت إلى مكان عمله في محاولة مني للتأكد من الخبر، أو الحصول على أي إثباتات، لكن دون طائل”، تقول ريهام للجزيرة نت.
وتضيف أن جميع مساعيها لمعرفة مصير زوجها باءت بالفشل، ولهذا أقامت مراسم عزاء متواضعة له، رغم عدم تأكدها من وفاته.
وحتى الآن، لم تستطع ريهام الحصول حتى على شهادة وفاة لزوجها، وبالتالي فهي غير قادرة على المطالبة بأدنى حقوقها مثل تعويض زوجها من عمله أو أوراق تخص حصر الإرث الذي خلفه وراءه.
واليوم، ما زالت تعيش على أمل عودته. وابنها الصغير -الذي أنهى لتوه عامه الرابع- يقول ببراءة للجزيرة نت “إنه يشرب كل يوم كوباً من الحليب، كي يكون قوياً عندما يعود والده”.