في سوريا ثورة شعب أم ثورة “إسلاميين”؟
سركيس نعوم
يؤكد النظام الحاكم في سوريا رسمياً ان ما يجري فيها منذ 15 آذار الماضي إنما هو قيام جماعات ارهابية وتخريبية مسلحة بالتعدي عليه من خلال نصب الكمائن للقوى الامنية والعسكرية، وتحريض ابناء “الغالبية السورية” على الانتفاض والثورة. ويلفت الى ان مئات من افرادها سقطوا قتلى وجرحى. ولا يكتفي النظام المذكور بذلك بل يتهم قوى اسلامية متطرفة، بعضها سلفي وبعضها ينتمي الى جماعة “الاخوان المسلمين” المنحلة من زمان، بالضلوع في احداث سوريا وبالسعي الى اسقاط النظام بواسطتها وإقامة نظام آخر يؤمّن مصالح اميركا واسرائيل. ومن العوامل التي ساعدته على القاء مسؤولية ما يجري على الاسلاميين الموقف الايجابي من الانتفاضة الشعبية السورية الذي اتخذته تركيا “حزب العدالة والتنمية”. وهو حزب اسلامي جذوره “اخوانية”. و”الاخوان المسلمون” حركة كانت ناشطة في المجتمع السوري في العقود الماضية، واستمرت كذلك حتى في السنوات الاولى للنظام الحالي الذي اسسه الراحل حافظ الاسد. علماً انه كان نشأ قبل اعوام على يد حزب البعث، نجح خلالها الاسد الأب في الامساك بكل مفاصله في حركة سمّاها تصحيحية. وما دعت اليه تركيا الاسلامية المذكورة كان مبادرة النظام، بعدما آلت السلطة فيه الى نجل المؤسس، الى تنفيذ اصلاحات داخلية جدية تفتح باب المشاركة في السلطة لكل اطياف الشعب السوري، وكذلك باب تداولها من خلال اعتماد الديموقراطية والحرية والمحاسبة والمساءلة. ورأى النظام في تلك الدعوة محاولة غير مباشرة لتفخيخه. ذلك ان الاصلاح المقترح لا بد ان ينهي النظام في صورة ديموقراطية، ولا بد ان يهدّد مصير اركانه وأهله و”شعبه”، ولا بد ان تحل مكانهم فئات اخرى بعضها ليبرالي وديموقراطي، وبعضها الآخر تقدمي، وبعضها الثالث اسلامي اي سلفي تكفيري عنفي متطرف و”قاعدي” (من “قاعدة”) و”اخواني”. والبعض الاخير هذا هو الأكثر خطراً على النظام في رأي اركانه، لأن غالبية الشعب السوري متدينة، ولأن للاسلاميين وفي مقدمهم “الاخوان” تاريخ قديم وعريق في سوريا وحضور شعبي مهم، ولأن بينهم وبين النظام واهله ما صنع الحداد. لذلك كله تعامل الرئيس الاسد مع الاقتراحات الاصلاحية لتركيا بحذر وتحفظ ومراوغة في وقت واحد. فهو لم يشأ ان يخسر صداقة بل تحالفاً معها بناه بكل جد وصدق. لكنه في الوقت نفسه لم يشأ خسارة نظام من شأنها ايقاعه وأهله وشعبه ربما في التهلكة او في المظالم. ولذلك وعد بخطوات اصلاحية لم ينفذها في رأي الاتراك او لم يكن جدياً فيها. وهذا امر قد يكون صحيحاً ليس لأنه غير جدي او لأنه لا يفي بوعوده، بل لأن المقترحات الاصلاحية التي قُدِّمت اليه إشتم منها رائحة اشتراك الاسلاميين السوريين في النظام الجديد وأقواهم في رأيه “الاخوان المسلمون”. وهذا خط احمر بالنسبة اليه.
هل الاسلاميون على تنوعهم وفي مقدمهم “الاخوان المسلمون” خطر يهدد ليس النظام فقط بل الشعب السوري كله في حال سقوط النظام الحالي او تغييره او اصلاحه، وذلك لأنهم سيؤسسون دولة دينية صارمة متزمتة ليس فيها مكان للحريات والديموقراطية والاطياف السورية الاخرى وتحديداً الاقليات من مسيحية واسلامية؟
يقول خبير في “اخوان” سوريا أنهم لم يكونوا، سواء في الخمسينات او في الستينات، متطرفين وتكفيريين كما بعض اسلاميي اليوم مثل تنظيم “القاعدة” وغيره. لكن واحداً منهم كان في مصر اسمه مروان حديد حمل الى دمشق بعد عودته اليها افكاراً من النوع المتطرف المذكور. وبدأ الدعوة اليها. واجهه “الاخوان” في البداية ولم يتجاوبوا معه. لكنه استمر وخصوصاً بعد قيام نظام الاسد. وكان مؤمناً بالاغتيالات والعمل المسلح وما الى ذلك. ومارست جماعته بعض هذه الاعمال. وكان اكثرها وحشية ما حصل في كلية المدفعية في حماه، حيث رشّ ضابط مُدرِّب ينتمي اليه عشرات من الضباط وتلاميذ الضباط بحيث ان العائلات التي لم “تنجرح” في جبال العلويين كانت قليلة جداً. عندها بدأ القمع من النظام. واختلط الحابل بالنابل. فتضامن الاخوان مع سائر الاسلاميين وعاملهم النظام اساساً على انهم واحد، كما اعتبرهم جزءاً من مؤامرة خارجية عليه شارك فيها عراق صدام حسين بكل قوة، وصار ما صار في حماه.
ماذا حصل بعد ذلك؟ وكيف سيكون مصير الثورة السورية الحالية او مصير النظام في ضوء ما يجري استناداً الى الخبير في “اخوان” سوريا؟ وما هو دور “الاخوان” والاسلاميين فيها؟
النهار