صفحات العالم

في سوريا “جهاد” ثوار… و”جهاد” نظام!

 

    سركيس نعوم

لا شك في ان ما تشهده سوريا منذ تسعة عشر شهراً نتج من ايمان غالبية شعبها بأن بلادها تستحق ان يشملها “الربيع العربي” بديموقراطيته وحرياته وبنظام ودولة عادلة وقوية.  لكن لا شك ايضاً في ان ما تشهده سوريا قد نتج ايضاً من رفض “النظام” للربيع المذكور ومن مبادرته الى تحويله خريفاً ثم شتاء عاصفاً.

وقد استعمل تحقيقاً لذلك آلته العسكرية القوية رغم سلمية الثورة، ولا يزال يستعملها من دون اي شعور بالرحمة او بالشفقة.

إلا ان ما لا شك فيه الآن هو ان سوريا النظام تخوض معركة الجمهورية الاسلامية الايرانية في المنطقة، وليس ذلك جديداً اذ اعلنه مسؤولون كبار في طهران اكثر من مرة. فهذه الدولة الاسلامية غير العربية تسعى ومن زمان الى تنفيذ مشروع يحقق لها طموحاتها المتنوعة، وأبرزها التحوّل رقماً صعباً في الشرق الاوسط من خلال السيطرة او التعاون التام مع دول ومنظمات تقع في قلب العالم العربي، وتالياً فرض نفوذها على هذا العالم وفرض قبول دورها الاول اقليمياً على دوله، كما على كبار المجتمع الدولي. ومن اجل النجاح في ذلك “شرّكت” سوريا الاسد معها، واسست “حزب الله” في لبنان، وتبنّت قضية فلسطين بعدما اخفق اصحابها في معالجتها على نحو عادل ومُحِق سواء بالعمل العسكري او بالمفاوضات السلمية، الامر الذي مكّنها من استمالة ثلاث منظمات فلسطينية الى صفها، هي “حماس” و”الجهاد” و”الجبهة الشعبية القيادة العامة”. علماً ان الاخيرة “أسدية” اساساً وبقيت كذلك. ولا احد يعرف إذا كانت ستستمر كذلك. طبعاً توسلت ايران هذه “الاسلامية” لتنفيذ مشروعها معتبرة ان الاسلام هو الحل لأزمات العرب بل المسلمين وقضاياهم بعد فشل القومية واليسار والليبرالية والعلمانية في ايجاد حلول لها. وتمكنت في البداية من إقناع الاسلاميين والاسلامويين في كل العالم الاسلامي بذلك وخصوصاً في ظل استمرار “استكبار” اسرائيل وظلم الفلسطينيين وإحجام اميركا والمجتمع الدولي عن تحقيق العدالة لهم. لكن النجاح على هذا الصعيد كان جزئياً، اذ ان ايران الاسلامية لم “تنسَ” انها شيعية، وتصرفت في قضايا معينة، وخصوصاً في لبنان وسوريا على انها شيعية، وحاولت التصرف في مصر على انها شيعية. وهي تتعاطى مع دول الخليج عملياً على انها شيعية فأخافتهم مرتين. مرة لأنها قوة غير عربية وإن مسلمة طامحة الى مدّ نفوذها اليها والى احتوائها او ربما اكثر من ذلك. ومرة لأنها شيعية وتحاول الافادة من مظالم الدول المذكورة او بعضها في حق ابنائها الشيعة، بغية خلق بؤر شيعية موالية لها داخل هذه الدول تستطيع استعمالها عند الحاجة.

إذا كانت سوريا النظام تخوض معركة الجمهورية الاسلامية الايرانية فمعركة من يخوض الثائرون عليها وهم غالبية شعبها؟

لا شك في ان هؤلاء يخوضون معركتهم الاساسية وهي التخلص من نظام مُستَبِدّ تغطّى بحزب قومي، لم تثبت ديموقراطيته رغم مناداة مؤسسيه بها، او على الاقل لم تصمد امام الاغراءات و”العسكر”، من اجل فرض حكم عائلة استندت الى عصبية ضيقة الامر الذي حوّله نظاماً “مذهبياً”.

لكن لا شك في انهم يخوضون وفي الوقت نفسه معركة اعداء ايران. اولاً لأنها هي التي تحمي النظام الذي يريدون التخلص منه، وتؤمن له السلاح والمال. وهي التي تدعم وتحمي “حزب الله” الذي يقولون انه يساعد حليفه نظام الاسد، وانه يحاول استعمال لبنان رغم انقساماته الحادة لمساعدته، أو على الاقل لإبعاد الضرر عنه. وثانياً، لأنها هي التي تهدد الدولة العربية والاقليمية التي تدعمهم بالسلاح والمال والخبرة، والدول الاجنبية التي تدعمهم بالموقف والغطاء السياسيين. وهذا امر يفرض عليهم مقاتلتها بل التحوّل جزءاً من المعركة ضدها، كما يفرض عليهم تكييف معركتهم مع النظام على وتيرة المعركة مع ايران.

في اختصار لا تزال الحرب بين الثوار في سوريا ونظامها الاسدي على شعاراتها الرسمية، اي اسقاطه وإحلال نظام ديموقراطي محله بعد اجراء انتخابات نيابية نزيهة وحرّة. لكن الواقع المفصّل أعلاه وضع لهذه الحرب شعاراً آخر قد يكون صار أكثر واقعية اليوم وهو “الجهاد”. أي صارت معركة دينية، بل مذهبية لأن كلاً من طرفيها يصف ما تقوم به جماعته بأنه “جهاد”. والناس يعرفون “جهاد” ضد مَن، لكن احداً لا يجهر بذلك حت الآن.

ما هو مصير لبنان في الحرب الجهادية المذكورة؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى