خولة حسن الحديدصفحات سورية

في سورية الحقيقة عارية … فمن يريد أن يرى؟

 


د. خولة حسن الحديد

لم يكن الكثير من السوريين ينتظر يوم ‘الجمعة العظيمة’ ليعرف مدى خطورة ما آل إليه الوضع في سورية، وبعد كل جمعة هي ‘عظيمة’ بكل الأحوال ينبري المدافعون عن النظام السوري ليبرروا القتل ويحيلونه إلى العصابات المسلحة التي تتغير هويتها بعد كل مظاهرة.

لو غالبنا أنفسنا وتقمصنا دور المؤيد للنظام السوري و قبلنا الرواية الرسمية التي قدمت حتى آخر لحظة ..فماذا يعني ذلك؟ هذا يعني إن سورية البلد الذي يضم أكبر عدد من أجهزة الأمن في المنطقة وربما في العالم، وسورية التي طالما دافعت ودافعنا معها عن اتهامات الأمريكيين والعراقيين بعدم ضبطها لحدودها وتهريب المقاتلين والسلاح عبر حدودها الشرقية، والنظام السوري الذي طالما تمنن على السوريين بأنهم يعيشون في بلد آمن وإنّ الأمن والاستقرار في سورية لا يضاهى في أي مكان بالعالم.

ودفع السوريون الكثير من حريتهم واستلاب إراداتهم مقابل هذا الأمن والاستقرار، وإنّ سورية الضليعة بأجهزة استخباراتها في التعامل مع الحركات الإسلامية وقتلها في مهدها .. هي سورية نفسها التي بدأت بكل طاقتها الإعلامية وكل قيادات نظامها ورموزه تستميت لتقنعنا نحن مواطنوها ولتقنع العالم بأنها مستباحة أمنياً ومخترقة من حدودها المختلفة، ومهددة من قبل خطط لكثرة انكشافها باتت تنشر على شبكة الانترنت، وإن نائبا في البرلمان اللبناني ـ غير مشهور بكل الأحوال- قادر على زعزعة استقرارها وقلب أمنها رأساً على عقب، وإن الأسلحة تدخل بالشاحنات من حدودنا غرباً وشرقاً، وإن الإسلاميين بل ‘السلفيين’ باتوا يتجولون في شوارعنا علناً على دراجاتهم النارية وسياراتهم يدعون إلى الجهاد ويصعدون منابر المساجد للتحريض الطائفي. كشخص مؤيد للنظام السوري علي أن أصدق كل هذا الانكشاف الأمني والحدودي..وقد صدقته.

فماذا يعني ذلك؟ هذا يعني إن كل ما تمّ التطبيل له منذ عقود هو وهم عشناه وصدقناه، وإن أمننا وحددونا لأوهى من بيت العنكبوت، وإن كل أجهزة مخابراتنا وأمننا لم تفعل أي شيء لتقف في وجه خطط الفتنة والتدمير المنشورة على شبكة الانترنت وفي أكثر من موقع منذ سنوات، وتركت أصحاب الخطط ينفذونها بحذافيرها، وإن موظفي الجمارك على حدودنا في الشرق والغرب والجنوب سمحوا لسيارات الأسلحة والمخربين من كل حدب وصوب بالدخول إلى سورية بكل يسر وسهولة، وأمام هذا الواقع الخطير يطرح السؤال نفسه من المسؤول عن كل هذا الانكشاف الأمني والاختراق الحدودي، أليس هذا فشلاً أمنياً واستخباراتياً ذريعاً، وغيره من أنواع الفشل لعمل الجمارك والإعلام والتحليل السياسي؟ إذاً أقل ما يمكن أن يتم هو إقالة كافة مسؤولي الأجهزة الأمنية والجمارك والاستخبارات والتغيير الجذري في مفاصلها، إضافة إلى إقالة كافة المستشارين السياسيين والإعلاميين والأمنيين، وهذا ما قد يحفظ ماء الوجه ويقنع أبناء الشعب السوري بالروايات التي تنشر لتبرر قتلهم خلال المظاهرات.

ولو تقمصنا دور المعارض وقلنا أن مظاهرات عارمة بالآلاف أو بالمئات تخرج منذ شهر بشكل أسبوعي أو يومي في أغلب المدن والبلدات السورية، بدأت بالمطالبة بالإصلاح وتدرجت بارتفاع سقف مطالبها لتصل بعد شهر إلى ‘إسقاط النظام’ مع اعتبار زيادة عدد المتظاهرين وزيادة رقعة انتشارها جغرافياً، ولو تجاهلنا الإجابة عن السؤال المطروح من يقتل المتظاهرين؟ وبقينا فقط نتابع مسألة استمرار التظاهرات وزيادة عدد المشاركين بها وامتدادها إلى كافة مناطق سورية وفندنا مطالبها، فماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن هناك فجوة كبيرة بين النظام وجزء كبير من أبناء الشعب ، وهذا يعني أن مستشاري الرئيس وخبراءه والمقربين منه وأعضاء حكومته، قد ضللوه لدرجة اطمئن معها بعدم وجود مظاهرات في سورية، وحتى وجود حاجة ملحة لإصلاح الحياة السياسية في سورية وصولاً إلى الديمقراطية، مما جعله يصرح بتأجيل ذلك إلى الأجيال القادمة وهذا ما اعتبره الكثيرون من أبناء الشعب السوري إهانة لهم كونهم صوروا كجهلة لا تليق بهم الديمقراطية ولن يعرفوا كيف يمارسونها لأنهم مجرد رعاع.

في الحالتين إن كنت معارضاَ أو مؤيداً للنظام السوري، ولو صدقت أيا من الطروحات السابقة، فإن الواقع الراهن على الأرض في سورية بات خطيراً جداً، والحقيقة باتت عارية ومن لا يراها وحده من لا يريد أن يراها، ويتطلب شجاعة وحساً عالياً بالمسؤولية الوطنية للإقدام على اتخاذ قرارات شجاعة بإمكانها أن تحرف مسار الأمور كلياً إن اتخذت الآن وفوراً، وبالتأكيد رئيس الجمهورية هو وحده المسؤول أمام الشعب حيال هذه المسؤولية وهو يعرف أية قرارات عليه أن يتخذ ..وإلا فإن الأمور تسير إلى حيث ما لا تحمد عقباه، وكل سوري سيدفع الثمن كل حسب موقعه وأظن إنّ موقع الرئاسة هو الأهم والأكبر…فهل يفعلها الرئيس ؟ نحن نصلي من أجل ذلك.

 

‘ كاتبة سورية

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى