في شأن التعايش السوري/ رشا عمران
في سهرة جمعتني مع مجموعة أصدقاء تشكيليين سوريين، سأل أحدهم: هناك منظمات ثقافية دولية تمول مشاريع ثقافية وفنية، وتستهدف السوريين تحديدا، وتسعى إلى أن تضم، في هذه المعارض والورش، فنانين مختلفي الاتجاهات السياسية المتعلقة بالوضع السوري، بقصد تهيئة الأجواء للتعايش لاحقا، ما أن يتم إيجاد حل سياسي في سورية، فهل من الطبيعي أن يشارك الفنانون المدعوون ممن وقفوا مع الثورة إلى جانب آخرين وقفوا مع النظام أو صمتوا عما يحدث؟
كانت الردود على السؤال متنوعة ومتفاوتة في حدّتها. رفض بعضها رفضا قاطعا بحجة أن الآخرين، حتى لو لم يكونوا مصنفين “شبيحة”، إلا أنهم بصمتِهم شاركوا بسفك الدم السوري. قال آخرون: لا مانع من المشاركة، شريطة أن يقدم الفنان المؤيد للثورة عملا أو أعمالا تفضح ما يقوم به النظام وما فعله في سورية خلال هذه المدة. قال بعضهم إنه لا جواب لديه، لأنه لا يستطيع الحكم على نوايا الآخرين، فقد يكون أحدٌ ما صامتا لأسباب عديدة، لكنه في داخله أكثر ثوريةً من كثيرين من أصحاب الصوت العالي. جاء الجواب الأكثر تسامحا من فنان يعيش في سورية، وفقد أفراداً من عائلته تحت التعذيب في سجون الأسد. قال ما معناه: السوريون محكومون بالعيش معا، من لم تتلوث يداه بالدماء من السوريين سيكون شريكا في بناء سورية ذات يوم، لن تكون سورية لفئة واحدة. أضاف: من يعيشون في سورية يرون الأمور بطريقة أخرى.
لمّا تم طلب رأيي لم أجد ما أقوله، فكرت كثيرا بالتالي: ماذا لو دعيت إلى مهرجان شعريٍّ فيه شعراء سوريون يؤيدون نظام الأسد؟ هل سأوافق على المشاركة؟ لم يحصل هذا، لم أدع إلى أي مهرجان ثقافي فيه مؤيدون للأسد، لا سوريون ولا عرب. ولكن، ماذا لو حدث فعلا ودعيت؟ يقينا ثمة ثوابت لديّ لا أتنازل عنها، هناك من الشعراء والمثقفين السوريين من تباهى وتفاخر بتسليم الشباب المتظاهرين إلى الأمن. هناك من طالب بقصف حواضن الثورة بالكيميائي من دون تردد. هناك من أعلن اصطفافه الطائفي من دون مواربة. هؤلاء شعراء ومثقفون سوريون معروفون، منهم من تجنّد لتشويه سمعتي وسمعة آخرين وقفوا مع الثورة في السنة الأولى، من دون أن يخجل من فعلته. قد تتم دعوة بعض هؤلاء إلى مهرجانات عربية ودولية، أو إلى ورش ثقافية تستهدف السوريين للسبب السابق نفسه. بالنسبة لي، هؤلاء ملوثون بالدم، مثل أي حامل للسلاح، وحتما لن أقبل بالمشاركة، وليذهب التعايش إلى الجحيم.
ولكن، هناك أيضا من هو صامت، لم يتكلم أبدا ست سنوات. يمكنني تفهم حال الذين قرّروا البقاء في سورية، وتفهم صمتهم، ولا مشكلة لديّ في التواصل معهم في أي مجال. ماذا بشأن من يعيشون خارج سورية منذ زمن طويل. لم تعن الثورة لهؤلاء شيئا، ولم يعن لهم مئات آلاف الضحايا، من الطرفين، شيئا. ظلوا حياديين ذلك الحياد القاتل، ما هو موقفي من هؤلاء؟ لا جواب لدي. وليس الأمر محسوما عندي، وخصوصا أن سؤالاً آخر يمكنني طرحه: ماذا بشأن المثقفين (الثوريين) الذين غرقوا في الطائفية المقابلة، وخوّنوا كل من طالب بعدم التطييف وأسلمة الثورة، ومنهم من سعى إلى تشويه سمعة من ساند الثورة من (الأقليات)، وحرّض عليه وخوّنه، صراحة وعلنا، ومنهم من شكّلوا محاكم تفتيش، منصّبين من أنفسهم حرّاسا على الثورة، ومنهم أيضا من طالب بقصف القرى والمدن التي تشكل حواضن للأسد وقتلها، بطريقة الآخرين نفسها. هؤلاء أيضا شعراء ومثقفون ملوثون بالدم، مثل حملة السلاح، هل المشاركة معهم في مهرجاناتٍ أو ورش ثقافية مشاركة أخلاقية، لمجرد أنهم في خندق الثورة؟ بالنسبة لي أيضا هنا، ليذهب التعايش إلى الجحيم.
مناسبة هذا الكلام مسلسل “أوركيديا” الذي يقولون إنه خير مثالٍ على التعايش السوري المطلوب، لأنه جمع في أثناء تصويره ممثلين من شرائح متناقضة جدا من سوريي السنوات الست الماضية.
العربي الجديد