في شأن المعارضة السورية وتوحيدها
مسعود يونس *
تطالب الحكومات بتوحيد المعارضة السورية والجامعة العربية تسعى الى جمعها. تعقد المؤتمرات وتدب الخلافات والمشاحانات كي ينتهي الأمر بانفراط العقد أو ببيان ختامي لإنقاذ ماء الوجه. ولكن هل الأشخاص الذين يجتمعون هم المعارضة المطلوب توحيدها؟ ام ان المعارضة في مكان آخر؟! وهل جمع تلك المعارضة في هيئة تمثيلية امر ممكن ضمن ظروف المرحلة؟
ليس الخلاف في سورية على غلاء سلعة أو حول رفع أجور ولا هو اعتراض على أداء موظف. فالشعار الذي يطرحه الحراك الشعبي منذ سبعة عشر شهراً يختصر بأربع كلمات: «الشعب يريد اسقاط النظام».
والحراك الذي بدأ في المرحلة الأولى بالتظاهر السلمي والذي أخذ يتداخل في ما بعد مع الكفاح المسلح بعد الانشقاقات في الجيش النظامي، لم يفاجئ السلطة فقط، انما فاجأ وبالمقدار عينه المعارضة التقليدية في الداخل والمعارضين المقيمين في الخارج وجمهوراً واسعاً من المثقفين المنتمين الى جيلنا.
انها ثورة شباب العشرينات الذين تجمعوا وانتظموا عبر قنوات التواصل الاجتماعي وتجرأوا على النزول الى الشارع مجازفين بأرواحهم. كسروا حاجز الخوف الذي استمر اربعين سنة. والمارد الذي خرج من القمقم لن يرجع اليه ابداً. كانت هذه الفئة العمرية وما زالت عصب الثورة ووقودها على رغم أن القمع طاول كل الأعمار، نساء ورجالاً، من طريق قصف المدن والبلدات والمجازر والشبيحة.
وإذا اشرنا الى من هم اصحاب الثورة، فليس ذلك في معرض انتقاد المعارضة التقليدية وهذا موضوع آخر، ولا بقصد محاكمة المعارضين الذين يعيشون في الخارج وقد عانوا ما عانوه من نفي وتشريد والتنكر لأبسط حقوقهم في المواطنة ولا لإدانة المثقفين الذين عجزوا عن استشراف اللحظة التاريخية والانخراط في صيرورتها، إلا ان من حقنا وواجبنا ان نشير بموضوعية الى أصحاب الثورة الذين شكلوا التنسيقيات في المحافظات والمدن والبلدات، والمجالس واللجان المحلية لأجل تنظيم الحراك وحمايته والمساعدة على إدارة شؤون المنكوبين من ويلات الحرب بالمقدار الذي تسمح به الظروف وتتوافر فيه الإمكانات والكفاءات المطلوبة. والحق يقال ان مطلب اجتماع هؤلاء الشباب وانتخاب هيئة تمثلهم في عموم سورية مطلب مشروع، لكن غير قابل للتحقيق في المرحلة الحالية. فهو يتطلب حواراً مفتوحاً على طول سورية وعرضها، وهذا ما يتعذر تحقيقه عندما تنتشر حواجز النظام على كل طرقات سورية وتطارد أجهزة مخابراته الناشطين قتلاً واعتقالاً وتعذيباً في كل بقعة. وانتخاب هيئة تمثيلية ليس المهمة المستعجلة والآنية. فمطلب المرحلة هو اسقاط النظام، وهذا المطلب تتوحد عليه الثورة السورية بكل تلاوينها. وفي المرحلة اللاحقة سيجد هؤلاء الشباب الذين نضجوا في الصراع واكتسبوا الخبرة متسعاً من الوقت وظروفاً آمنة للحوار وبلورة مشاريع بناء النظام الجديد الذي يستحقونه. كما سيجدون الفسحة المناسبة لانتخاب من يمثلهم على كامل تراب الوطن.
إلا ان النظام يلقى الدعم من جهات مختلفة وعلى رأسها روسيا، وفي المقابل يحتاج الشعب الثائر الى الدعم المادي والمعنوي لإنجاز الانتصار فيما النظام يمارس سياسة الأرض المحروقة. والتوجس يكمن في احتمال خضوع هذه المساعدات لأجندات خارجية سياسية أو ايديولوجية، وقد دفعنا ثمناً غالياً في حربنا في لبنان نتيجة لما نابنا بسبب مال مستبدي المنطقة الذين أغدقوه باسم الثورة وتحت شعار مساندتها.
ليس من حق المهاجرين السوريين ان يمثلوا الثورة السورية لأنهم ليسوا من صانعيها، لكن من حقهم ان يكونوا انصاراً للثورة وإزراً لها. فإذا تواضعوا وارتضوا بموقعهم الطبيعي بوصفهم اصدقاء الثورة، يستطيعون ان يساعدوا في مجالين حيويين لا يعوضان:
الأول هو إنشاء صندوق مركزي للمساعدات والمعونات التي تقدم للشعب السوري، يتلقاها وحده من مختلف الأطراف، وينفقها على من يحتاجون اليها وبواسطة الناشطين القادرين على توزيعها من دون اقصاء احد أو تمييز أحد. وتشرف على هذا الصندوق نخبة من الرجال والنساء الذين يقدمون حسهم الوطني على اي اعتبار فئوي في السياسة او الأيديولوجيا.
والمجال الحيوي الثاني، هو العمل في البلدان التي يقطنونها على نشر أخبار الثورة والتواصل بشتى الوسائل مع الرأي العام، بخاصة في بلدان الغرب حيث للرأي العام تأثير في صناع القرار.
اما حكومات العالم التي تطالب بهيئة تمثل الشعب السوري للحوار معها، فهي قد تحتج بهذا المطلب حتى تمتنع عن أية مبادرة. وإذا حسنت النيات فهي تسعى الى ايجاد حل توافقي يرضي السلطة والمعارضة. لكن هذه الرؤية تفتقر مع الأسف الى فهم طبيعة الثورة السورية المعاصرة وطبيعة النظام القائم.
ان المهمة الآنية والمستعجلة للحراك الشعبي هي اسقاط النظام وهو خيار جامع لا خلاف عليه. والنظام القائم قد برهن حتى اليوم على أنه لا يملك خياراً غير خيار القوة لتطويع شعبه وإرجاعه الى بيت الطاعة، فإذا توقف عن هذا الخيار، بعد كل الدم الذي سال، ملايين الشعب السوري ستحتل الشوارع مطالبة برحيله. بينما ترى المعارضة ان أي تراجع لمصلحة النظام سيعني البطش بكل من شارك في كفاحها. كل من الفريقين احرق سفن النجاة ولم يبقَ له من خيار الا النصر أو الهزيمة.
ان حلاً توافقياً يوقف نزيف الدم شيء جميل، لكن خداع النفس أو التظاهر بخداعها لخدمة أغراض أخرى ليس مؤداه إلا التشجيع على استمرار العنف والفوضى واستمرار القتل وسقوط الضحايا، على السواء من أهل المعارضة وأهل السلطة.
* كاتب لبناني
الحياة