في شرعية المجلس الوطني السوري
رياض معسعس
يتساءل البعض عن شرعية المجلس الوطني السوري، بفلسفة شرعية الشرعية، للانتقاص منه، أوالتشكيك في تمثيله لثورة الشعب السوري العظيم. وإذا ما تحدثنا عن الشرعية في مفهومها السياسي وحسب أكبر أساطين علوم السياسة والاجتماع ماكس فيبير فإن العم ماكس يقول: الشرعية ثلاث: تقليدية، وكارزمية، وديمقراطية. فأما الأولى منها فنجدها في الأنظمة التقليدية لدى الملكيات والإمارات، التي اعتمدت شعوبها تقليد تنصيب حكامها وراثيا دون الدخول في جدل الشرعية الديمقراطية وانتخابات الحكام من قبل الشعب ليكون الحاكم شرعيا. وأما الثانية منها فتأتي في وقت تمر فيه البلاد بأزمات كبرى تتطلب بروز هيئات، أو شخصيات ملهمة ( كارزمية) تقود البلاد لتخرجها من أزمتها، وهذا ما يعطيها الشرعية في قيادتها مرحليا ووضع الأسس الصحية للانتقال للشرعية الديمقراطية. والثالثة منها تعتمد على انتخابات حرة في وقت سلم مدني ليقول الشعب كلمته في تنصيب من يريد.
هذا من الناحية النظرية، وإذا ما أخذنا بعض الأمثلة للشرعيات الكارزمية عبر تاريخ الأمم والشعوب المختلفة نجد أن أوليفر كروميل الذي ثار على الملكية البريطانية في العام 1649 وجز رأس الملك تشارلز الأول لم يستشر الشعب، أو حتى كل أعضاء البرلمان الذي كان عضوا فيه لتحقيق هذه الثورة والقضاء على الملكية. كما أن الثوار الفرنسيين من روبيز بيير إلى دانتون وسواهما لم ينصبهم الشعب الفرنسي على ثورته في العام 1789 بل قبل بهم كقادة لهذه الثورة بانتظار القضاء على الملكية التي انتهت بحز عنق الملك لويس السادس عشر.
وهل استشار مصطفى كمال الأتراك عندما دخل معركة غاليبولي الشهيرة والقضاء على الجيوش الغربية الغازية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الامبراطورية العثمانية، وتأسيس الدولة التركية الحديثة. ألم يأخذ شرعيته كقائد ملهم أخرج البلاد من محنتها وبات الأب أتاتورك. وهل طلب البلشفيون رأي الشعب الروسي قبل اندلاع ثورتهم ضد القيصر نيكولاي الثاني واغتياله في العام 1917 لينال منه شرعيته. والأمثلة على ذلك كثيرة من ثورة اللاعنف التي قادها المهاتما غاندي ضد بريطانيا في الهند، إلى الثورة المصرية التي اسقطت الملكية في العام 1952 وسواها.
ولكن ما يميز هذه الثورات، عن ثورات الربيع العربي، أن معظم الثورات السابقة كانت ثورات تقودها شخصيات بإديولوجيات معينه. فكان لكل ثورة زعيم، وسند ايديولوجي. أما الثورات العربية فهي ثورات شعوب بأكملها ضد الطغيان وطلبا للحرية، لم يقودها زعماء معينون، ولم يحركها ايديولوجيات. والثورة السورية تتميز عن سواها أيضا من الثورات العربية التي سبقتها أن نظام العهد الأسدي قد سحق كل رؤوس المعارضة، ما اضطر معظمها الهجرة إلى الخارج، بل أن معارضة أخرى موازية لمعارضة الداخل ( ربيع دمشق، إعلان دمشق، وهيئة التنسيق مؤخرا) نشأت في الخارج بأشكال مختلفة. وقد عبرت عن نفسها في أكثر من مناسبة ولوحقت من قبل شبيحة النظام حتى في العواصم التي تواجدت فيها ولاسيما الساحة الباريسية التي اجتمعت فيها معظم أطياف المعارضة السورية منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي. ومع اندلاع الثورة السورية فإن فكرة تأسيس المجلس الوطني السوري قد انطلقت من حاجة ماسة لمن يمثل هذه الثورة في الخارج وخاصة في المحافل الدولية. وقد تجاوب الشعب السوري الثائر مع المجلس منذ اللحظة الأولى للإعلان عنه بتخصيص جمعة’ المجلس الوطني يمثلني’، وهو يقوم حاليا بعمل هام على مستويات عدة لخدمة هذه الثورة. وقد بان جليا في مؤتمره الأول الذي عقد في تونس ومن خلال بيانه الختامي، وثيقته التأسيسية بأن هذا المجلس يتكون من ممثلين عن مختلف مكونات الشعب السوري، وممثلين عن الحراك الثوري في الداخل. ويضم شخصيات عدة يشهد لها بنضالها الطويل ضد النظام الأسدي، وبوطنيتها التي لا يرقى إليها أي شك. كما أن هذا المجلس لا يطرح نفسه كبديل عن أية شرعية شعبية، بل وضع أسسا تم الاتفاق عليها في هذا المؤتمر عن كيفية نقل السلطة، وإجراء الانتخابات الحرة لمجلس نيابي انتقالي يضع دستورا جديدا للبلاد يلبي مطمح الشعب السوري في بناء دولته الديمقراطية المؤسساتية. ومنع عن كل قياداته الترشح لأي منصب في الفترة الأولى. كما أن المجلس دعا جميع أطياف المعارضة للانضمام إليه، وللحوار للوصول إلى اتفاق مشترك، لتسيير هذه المرحلة الحرجة من الثورة. وهذا ما تتطلبه المرحلة فعليا. وكما في كل المعارضات في العالم هناك اختلافات في الرأي في تحديد بعض المسارات، وليس خلافات. وهذا شرعي ومطلوب. فالشعب السوري اليوم الذي يقدم عشرات الشهداء يوميا لا يبحث إلا عن من يمثله أفضل تمثيل، بطريقة ناجعة، للتخلص من هذا النظام الجاثم فوق صدره، منذ زهاء نصف قرن. دون الدخول في متاهات اختلافات الرأي ومن يملك شرعية تمثيله أو لا يملك.
‘ كاتب سوري
القدس العربي