صفحات الرأي

في صراعات الضواري التسلّطية/ ماجد الشيخ

 

 

يشكل الصراع الضاري بين سلطات الإكراه والغلبة، واحداً من صراعات الدمار الشامل، ليس للقوى المتصارعة وحدها، بل ولمجتمعاتها ودولها، صراعات تتمظهر على شكل حروب أهلية متواصلة ومتناسلة من صراعات قوى نفوذ وأمر واقع سلطوية سياسية واجتماعية واقتصادية وطائفية ومذهبية وجهوية.

هذا هو في شكل عام ما يمكن استخلاصه مما يجري اليوم في منطقتنا، في أعقاب انطلاق ثورات «الربيع العربي» التي انتكست، وجرى النكوص عنها، والانقلاب عليها، من قبل تيارات وأحزاب ما يسمى «الإسلام السياسي»، حتى جاءت «الموجة الداعشية» لتنقلب بدورها على كامل التشكيلة المكونة للسلطة وللمعارضات على حد سواء.

هي عنجهية القوة وصلفها وغرورها، وهي المزاعم والأوهام التي هيأت وتهيء لبعض القوى المتمذهبة، كحال الحوثيين في اليمن، أنهم وبتحالفهم مع بعض بقايا السلطة القديمة، يمكنهم أن يتحولوا إلى السلطة المقررة، السلطة التي تخدم المشروع الإقليمي الإيراني بنسخته الامبراطورية، العابر للحدود والمذاهب والاثنيات والقوميات، طالما هي جميعها تخضع لأيديولوجيا عميقة من التطرف واستخدام الدين استخداماً وظائفياً، لا سيما في تربة قبلية لم تعتد على هذا الشكل السافر من الخضوع للخارج. وها هي الدولة تنهار بفعل فاعلين لا يريدون لها أن تدوم أو تستمر، بغض النظر عن السلطة التي تحكم.

أمام ناظرينا تنهار الدولة ويجري تفكيكها وتفتيت مجتمعها وشعبها، وهكذا هو الوضع كما في اليمن، كذلك في ليبيا والعراق وسورية، كذلك في مصر ولبنان، لا يختلف وضع الدولة فيها، عما يجري في غيرها من دول ما يسمى «الربيع العربي»، حيث قوى «الإسلام السياسي» وامتداداتها «الداعشية»، من هذا الجانب المذهبي أو ذاك، هيمنت وتهيمن على كامل مشهد وسرديات الدولة.

هذه القوى بأيديولوجياتها الغيبية العدمية، تستهين بالحياة وتحولها وتتحول بها في سبيل السلطة والاستبداد التسلطي، إلى نهج ونمط ومعايير موصوفة وغير موصوفة للقتل اليومي، على قاعدة من أحكام جائرة، لا تستند سوى إلى أمزجة شخصية أو فئوية، من لدن طغمة ينصّب بعض أفرادها أنفسهم كأسياد للكون، وهم الأسافل من البشر، والسفلة الذين مع غيرهم ينصّبون أنفسهم «حاكمون وحكماء»، ما أنزل الله لهم «سلطان الحكمة» ولا «سلطة السياسة» حتى يقرروا للبشر مصائرهم، بفرمانات لا رادّ لأحكامها.

فبأي حق يجري توقيع رسائل المجرمين بالدماء، إن لم تك رسائل الكفر والعهر والتسلط والإرغام، على ما لا سلطان لإنسان أو حيوان على إنسان أو حيوان آخر.

تلك شريعتهم، وهي لا تشبه أي شريعة، في دولة لا تشبه أي دولة، فمن «يخلف» هؤلاء وأولئك إن لم يك ذاك «السلف» الذي لم يكن صالحاً، فكيف يكون صالحاً الآن وهنا، من يريدون فرض أنفسهم خلفاء لأمة مفترضة، لا وجود لها الآن، كما لم تك موجودة من قبل. فأن لا يرعوي المجرم عن قتل النفس الإنسانية، فهو لن يرعوي عن قتل القيم والمبادئ والثقافة التي تحض على حفظ النوع الإنساني، كنوع يستند إلى مرجعيات هي نتاج العقل والابتكار والفلسفة والإبداع والثقافة الإنسانية المشتركة، الواعية والمدركة لأسباب ونتائج الوجود، لا تلك المرجعيات التي تناصب العقل العداء المطلق، وهي التي يغب منها «دواعش» عصرنا الرسميين و «الشعبيين» كل الفواحش، ومسلكيات التوحش والتغول والاستبداد المطلق.

* كاتب فلسطيني

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى