في ضيافة عمر الشيشاني… الحقيقة حول “دولة الخلافة”/ محمود الزيبق
مضحكة محاولات الإعلام الموالي للنظام السوري لإخافة تنظيم الدولة الإسلامية بمجموعة جديدة روجت لها هذه الوسائل الإعلامية مؤخرا وأطلق عليها اسم «صقور الصحراء».. آخر ما نشر عنها كان تقريرا في صحيفة مقربة من حزب الله، يتحدث عن مشاركة 600 مقاتل منها في عملية استعادة السيطرة على حقل الشاعر النفطي في حمص. المجموعة وفق ما روج لها هي للمهمات الخاصة والكمائن، وقد ظهرت في بلدة كسب وحقل الشاعر، وكان مسرح عملياتها الحدود العراقية، وهي تتبع الجيش السوري وفق بعض المصادر، لكن الاسم نفسه مستخدم لمجموعة أسست مطلع هذا العام في كربلاء، قوامها ألفا مقاتل وهي تتبع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
لم يعد الحديث عن احتمال كون هذه المجموعة من السوريين أو العراقيين أمرا ذا بال.. ذلك أن الفرز الطائفي العابر للحدود في القتال أمسى أشهر من أن يحتاج لأدلة أو براهين، ولكن الترويج لهذه المجموعة في حقيقته ليس إلا محاولة لرفع معنويات الجنود السوريين المنهارة. بين يدي أسبوع دموي قتل فيه تنظيم الدولة من جنود النظام والمجموعات الموالية له 600 مقاتل في الحد الأدنى، اعترف إعلام النظام بـ300 منهم في حقل الشاعر، في حين نشر التنظيم صورا لمئة وخمسين آخرين مقطوعي الرأس من الفرقة 17 في الرقة، وكان فيها قبيل سقوطها بيد التنظيم 300 مقاتل على الأقل مصير معظمهم مجهول، فيما قتل التنظيم أكثر من مائة وخمسين آخرين في معاركه بالحسكة التي سيطر فيها على الكتيبة 121 ومواقع أخرى.
عادت بي الذاكرة إلى تغطية إخبارية في ضيافة غير كريمة من القائد العسكري الأول لتنظيم الدولة في سوريا عمر الشيشاني وكانت في مطار منغ بحلب.. كان يومها قائدا لجيش المهاجرين والأنصار، إذ لم تكن دولتهم قد اعلنت بعد.. وكان قد أذن لنا بتصوير سيطرة جيشه على كتيبة العلقمية المكلفة بحماية المطار «قبل أن يسقط المطار كله في يده في ما بعد».. أثناء تصويرنا تناقل الجيش الحر أخبارا عن خروج مجموعات شيعية مدربة يقودها حزب الله من قرية الفوعة باتجاه مطار منغ لاستعادة ما سقط منه وفك الحصار عنه. كان رد جيش المهاجرين والأنصار على ما أشيع طريفا، اذ أرسلوا عبر أجهزة اللاسلكي رجاءاتهم لبقية فصائل الجيش الحر ألا تبدأ المعركة مع تلك الفرق «الشيعية المدربة» قبل وصولهم. بدا أنهم انتظروا هذه المعركة بفارغ الصبر.. وانطلقت مجموعاتهم مسرعة من المطار باتجاه الفوعة، وعادت قبل ان ننتهي من التصوير في موقعنا بسيارات شاحنة محملة جثثا متراكمة لتلك «المجموعات المدربة» التي عاد من نجا منها أدراجه إلى الفوعة المحاصرة. طلب منا تصوير الجثث غير أننا امتنعنا لبشاعة ما فعل بها، والطريقة التي جمعت فيها بالسيارات كأكوام من اللحم القادمة من المسلخ، غير أن صورا أخرى لتلك الجثث نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في ما بعد عبر ناشطين.
هناك في موقع التصوير في مطار منغ كانت صور إقبال رجال عمر الشيشاني على القتال حكاية اخرى تثير الدهشة… طريقتهم في الاقتحام تبدو خارجة عن المعقول… يهجمون كجماعات في أرض فلاة ترصدها طلقات قناصة النظام وقد تقتل بعضهم دون ان يغير ذلك في اقتحام البقية شيئا بل إن احدهم قد يقفز من فوق جثة سابق له أرداه القناص برصاصة في سبيل اكمال الاقتحام… قد توضح صورة القتال هذه حكاية «الدور» الذي يتسابق المقاتلون الاجانب إليه ويستعجلونه وهو ترتيب قائمة الأسماء لمنفذي العمليات الانتحارية الذين يفجرون أنفسهم في هذا الموقع أو ذاك.
كنت قد التقيت عمر الشيشاني في موقع معارك آخر قرب سجن حلب المركزي كان قائدا جسيما كفارس هارب من المسلسلات التاريخية… لم يسمح لنا بالتصوير هناك في وجوده لكن ما لفت انتباهي في المشهد هو إدارته لمعركة الاقتحام من صفها الأول خلافا لكثير غيره من قادة «الجيش الحر» وحتى بقية المجموعات الإسلامية الذين تصلهم أخبار المعارك عبر اللاسلكي.
ينتمي مقاتلو عمر الشيشاني إلى جنسيات عدة منها من دول الاتحاد السوفييتي السابق وليبيا وتونس ومصر وسوريا ودول أخرى وهم من الشجاعة والإقدام بما لا يمكن المزاودة عليه أو ترهيبهم.
أشير هنا أن ما كتبته أعلاه انما هو وصف صحافي يهدف تقديم فهم للحدث الجاري لحقائق شاهدتها بعيني لإقبال أولئك المقاتلين على الموت.
في مطار منغ كنا قد اجرينا لقاءات مع مقاتل روسي وآخر سوري قبل أن نعود ادراجنا فاجأتنا مجموعة أخرى من جيش عمر الشيشاني كانت تحيتها الاولى هي الرصاص الحي في الهواء أما الثانية فهجومهم علينا مع اتهامنا بالكفر ومصادرة الكاميرا حاولت محاورة الليبي ذي الاعوام التي لا تزيد عن 17 فيما نسبه إلينا من الكفر لكن تحيته الثالثة كانت «لولا أن الامير أعطاك الأمان لقتلتك الآن»… تحية أفهمتني أن علي التزام الصمت فيما كانت الخصومة تشتد بين من يصحبنا من مقاتلي الجيش وبين من هاجمنا منهم قبل أن نقتاد إلى القائد «أبو ابراهيم الشيشاني» الذي قرر إطلاق سراحنا وإرجاع الكاميرا والأشرطة إلينا عقب مكالمة هاتفية أجراها مع عمر الشيشاني… انسحبنا بصمت وعجلة فيما بقيت المعارك الكلامية دائرة بين المتخاصمين في أمرنا.
القصة بمجملها هنا ليست لمجرد القصة وإنما لفهم هؤلاء المقاتلين الذين جمعتني بهم محطات أخرى في تغطياتي الصحافية داخل سوريا فهم برأيي ليسوا صنيعة الولايات المتحدة أو إيران أو النظام السوري ولا يحكمون بأمر أي منهم كما يشاع ولا اظن أن أحدا على استعداد أن يقدم روحه بطريقة هؤلاء فداء للولايات المتحدة أو الأسد أو غيره… بل هي عقيدة التضحية والموت التي نعرف مردها جميعا.
كذلك يبدو من الجهل بمكان ما يتداوله بعض الكتاب أن أول المواجهات بين تنظيم الدولة وجيش النظام كانت في الفرقة 17 او حقل الشاعر مؤخرا، فهناك فيما أعرفه العشرات من المعارك التي أثخن فيها مقاتلو التنظيم جيش النظام والميليشيات الموالية له وسيطروا على عشرات المواقع لا سيما قبل إعلان دولتهم، غير أن طريقة التنظيم في الابتعاد عن الإعلام وتعامله الذي يخيف معظم الصحافيين وتصدر بقية فصائل «الجيش الحر» ومسارعتها في الإعلان عن الانتصارات كان سببا في جهالة الكثير مما قام به التنظيم في سوريا.
الحقيقة التي أود استخلاصها أن تنظيم الدولة ليس إلا صنيعة أفكار تأخرت مجتمعاتنا عن مواجهتها وحلها منذ زمن وتعاملت معها بأسلوب المواربة بدل المواجهة، غير أن حقيقته تلك لا تحول بالتأكيد دون إمكانية اختراقه من أجهزة استخباراتية عدة وإمكانية توجيه أدائه والاستفادة منه بناء على فهم توجهاته وأفكاره… فلأشهر طويلة تأخرت طائرات الأسد عن قصف مواقع التنظيم المعروفة المعلنة في حلب والرقة فيما كانت براميلها تسقط على المدنيين في منازلهم… لا مرد لذلك إلا محاولاته إقناع الغرب انه يواجه إرهابا لا مطالب شعبية محقة ويقتضي ذلك بقاء هؤلاء ووجودهم… كذلك من المهم هنا ان نورد حقيقة أخرى هي ان كثيرا من السوريين الذين التحقوا بالتنظيم وعمله كانوا فعليا في سجون النظام قبيل اندلاع الثورة وأطلقوا مع انطلاقها ليكون لهم دور ما في تحويل وجهتها وأنا هنا لا أتحدث عن معلومة متداولة بالإشاعة فحسب بل أعرف بعض أولئك السجناء بأسمائهم.
لا شك أن تنظيم الدولة يلعب اليوم «ودون تآمر أو علم منه» وإنما بمجرد التغاضي وإفساح المجال له دورا وظيفيا جديدا في إعادة فرز المنطقة بين يدي انهيار وشيك وحتمي لنظام الأسد قد يفضي إلى تقسيمات مختلفة جديدة للمنطقة لا شك أن العنصر الطائفي سيكون أبرز ما فيها.
من المهم أن نذكر هنا لفهم الوظيفية أن أسماء هؤلاء المقاتلين ونظرائهم كانت حاضرة في مبررات غزو أفغانستان والعراق والصومال ومالي وقصف السودان واليمن.
النقطة الأهم لفهم تنظيم الدولة أنه مبني على عقائد وأفكار تمكنه من التوالد والتجديد في أي بقعة من الأرض وهو ما يعني أن الحاجة الأمسّ اليوم هي لمواجهته فكريا لا عسكريا وأن المعني الأول بمواجهته هم أولئك المسلمون الذين يعايشونه اليوم وقد يضطرون لمعايشته غدا في بلاد أخرى لا سيما مع سعيه لأخذ بيعات المجموعات الجهادية حول العالم.
مهم أن نفهم أيضا أن من استفادوا من عمل التنظيم ووظفوا وجوده أرادوا بوضوح ان تتجه هذه المنطقة إلى الفوضى المستمرة… ذلك أن وجود التنظيم بهذه الطريقة في أي منطقة انتهت كل مرة إلى تغوله مع فشل كامل في السيطرة عليه أو إيقافه حتى ممن استفادوا منه ودونكم أفغانستان والعراق والصومال نموذجا لذلك.
٭ كاتب وإعلامي سوري
القدس العربي