في كتابه «هَكَذَا تكلّم ابن عربي»…نصر حامد ابو زيد: نشأتي في القرية دفعتني لدراسة فكر الشيخ الأكبر
رانيا يوسف
أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن مشروع مكتبة الأسرة سلسلة «علوم اجتماعية» كتاب نصر حامد أبو زيد بعنوان «هكذا تكلم ابن عربي»، في مقدمة الكتاب يشير المؤلف إلى الرابط بين نشأته في إحدى القرى المصرية، التي يعد التصوف جزءا مهما من سماتها التي يشب عليها الأطفال، ويؤمن بها الكبار، يشير إلى ان المسلم قد يصعب عليه الفصل بين تكوينه الديني والأسس العقلانية التي يكتسبها تدريجياً، ويوضح ان الحافز الذي دفعه إلى دراسة التصوف وفكر ابن عربي ذلك الشوق النابع من تجارب الطفولة الدينية في قريته، بالإضافة إلى رغبته في استكمال معرفته بما سماه، قطبي التراث الإسلامي الأساسيين، العقلانية والروحانية.
يدفع المؤلف بسؤال مهم يبني عليه فصول كتابه، وهو ، هل مازال ابن عربي قادراً على المساهمة في مخاطبة قضايا عالمنا المعاصر؟ ويوضح أن استدعاء ابن عربي مع غيره من أعلام الروحانية في كل الثقافات يمثل مطلباً لعلنا نجد في تجاربهم ما يمثل مصدراً للإلهام في عالمنا، ويضيف أن التجربة الروحية هي مصدر التجربة الفنية، فهي الإطار الجامع للدين والفن، ويؤكد أن استحضار ابن عربي في السياق الإسلامي بسبب سيطرة بعض الاتجاهات والأفكار والرؤى الفلسفية على مجمل الخطاب الإسلامي في السنوات الأخيرة، ويعرفنا أبو زيد على ابن عربي من خلال ما يخبرنا به هو عن نفسه، حيث يشدد على ضرورة اعتبار ما يحكيه الشيخ عن نفسه أكثر من اعتمادنا على الروايات التي تحكي عنه، الذي أكد بإلحاح من خلال رواياته المتعددة أن طريقه ليست في حقيقتها سوى اتباع لنهج الإيمان بلا زيادة أو نقصان، ويشير إلى أن ابن عربي لخص تجربته في الانتقال من حال الإيمان المبني على التقليد إلى حال المعاينة، حيث ارتقت الروح فميزت بين مستويات الإدراك وقنوات المعرفة، أي بين إدراكات البصر الحسية ومعرفة الخيال ومعاينة البصيرة، فأعطت كل مستوى حقه.
يبدأ الكتاب بالتعريف بسيرة حياة ابن عربي قبل أن يدخل طريق الكشف ومسلك الصوفية، حيث تنقسم حياته إلى قسمين، ما قبل دخوله الطريق وهي حالة الجهل، وما بعد دخوله في الطريق واكتسابه المعرفة والعلم بطريق الفيض المباشر من الله لا عن طريق التعلم، ويروي ابن عربي عن لقائه بالخضر، وهو لازال في أول الطريق، حيث شهدت هذه العلاقة تطورا من مجرد لقاء عابر إلى اكتمال المعرفة، حتى الوصول إلى قمة الولاية، ويفسر ابن عربي العطاء الذي وهبه له الخضر بأنه مكافأة له على سعيه لطلب الماء للناس، وينتهي الفصل إلى وصف تحولات حياة ابن عربي من الجاهلية إلى الولاية، ويشير إلى أن علاقة ابن عربي بالشيوخ كانت علاقة ندية، وينتهي الفصل بطرح عدة أسئلة أهمها، هل كان رحيل ابن عربي من الأندلس والمغرب بحثاً في المشرق عن تقدير لم يجده؟ أم كان بحثاً عن الحياة في عالم أكثر استقرارا من عالم الأندلس؟ يحاول الفصل الثاني من الكتاب وهو بعنوان « قيود المكان والزمان»، الإجابة على هذا السؤال، حيث يجب النظر إلى السياق التاريخي السياسي للقرنين السادس والسابع والحادي عشر والثاني عشر من جهة وبين السياق الأندلسي بصفة خاصة، حيث أن خطاب ابن عربي لا يقف خارج الزمان والمكان، ويقول هنري كوردان إن على من يرغب في فهم ابن عربي أن يصبح واحداً من مريديه، وأن يأخذ عنه ويتلقى منه بالطريقة نفسها التي أخذها هو من مشايخ الصوفية.
ويصف نصر حامد أبو زيد التجارب الروحية التي منها تجربة ابن عربي بأنها ذات طابع كوني، ومع ذلك ليست منقطعة الصِّلة بسياقها التاريخي والثقافي، دينياً ولغوياً، لأن البعد الكوني للتجربة الروحية يتأسس على قواعد تاريخية، مكانية وزمانية، ويشير إلى أحد الأسباب الذي ذكرها الباحثون والتي دفعت ابن عربي لمغادرة الأندلس، وهي الحرب التي كانت تدور بين الملوك الكاثوليك وأمراء المسلمين، حيث سجل ابن عربي في الفتوحات شهادته عن عبور جيش الموحدين من مدينة فاس إلى الأندلس وانتصاره في معركة الأراك، الذي تلته هزيمة في معركة العقاب بعد رحيل ابن عربي بسبعة عشر عاما.
ويصف المؤلف الأوضاع في الشرق ويقول إن الحروب الصليبية ذلك الوقت دفعت ابن عربي لتسجيل هذه الفتوحات التي حققها المسلمون على الصليبيين، حيث كان ابن عربي متجولاً بين مكة والقدس وبغداد وتركيا ومصر وسوريا، وينتقل الكاتب إلى التأكيد على علاقة ابن عربي ببعض الحكام، والتي جعلته ينغمس في العديد من المشكلات، مستشهداً بقول ابن عربي نفسه: «كانت لي كلمة مسموعة عند بعض الملوك وهو الملك الطاهر صاحب مدينة حلب، فرفعت اليه من حوائج الناس في مجلس واحد مئة وثماني عشرة حاجة فقضاها كلها».
يتعرض نصر حامد ابو زيد أيضاً إلى لقاء ابن عربي مع ابن رشد في قرطبة، متخذاً من هذا اللقاء منطلقاً لتحليل موقف ابن عربي من الفلسفة والفلاسفة، حيث كان حكمه عليهم يعتمد الاستنباط والاستنتاج باستخدام أدلة المنطق محكوم بنظرته العامة للحقيقة التي لا تقبل التقييد، وتكشف روايات ابن عربي عن لقائه بابن رشد عن حدود النظر الفلسفي وإمكانياته في الاقتراب من الحقيقة، ويذكر المؤلف مدى اهتمام هنري كوربان بتحليل هذا اللقاء وتوضيح الفرق بين الفلسفة العقلية الأرسطية والتي يمثلها ابن رشد، وبين الفلسفة الإشراقية والتصوف التي يمثلها ابن عربي.
رانيا يوسف