صفحات العالم

في كلام الأسد


علي نون

قالها رئيس السلطة السورية قبل الآن، وسيظل يقولها حتى آخر نَفَس في سلطته: ما يجري في سوريا فوضى وإرهاب وليس ربيعاً، والدول التي تدعم ذلك ستصاب به.

وما يقوله، يسير في ضوئه، ولا يترك نقطة في سوريا من دون إطفائها وتعميم العتم فيها. وهو في ذلك لا يفعل شيئاً استثنائياً، ولا “يرتكب” اختراعاً جديداً.. سبق لأسلافه ونظرائه من ليبيا الى اليمن الى تونس ومصر أن أعلنوا أيضاً، أن ما يحصل عندهم ليس سوى دربكة خيل، تركن خلف الغبار الطالع من كعابها، جماعات أصولية إرهابية مُسيّرة وفق أجندة تآمرية كبيرة وواضحة.

لكن الفارق الجوهري الحاسم بين رأس السلطة السورية وهؤلاء الأسلاف، هو أن أحداً منهم لم يكن قادراً، حتى لو أراد، على ربط مصير بلده بكل ما فيه، بمصيره ومصير سلطته. ولم يستطع بعد ذلك، أن يذهب في التدمير المنهجي والمدروس، كما الفالت والعشوائي، الى المدى الذي ذهب ويذهب وسيذهب إليه الأسد.

في الحالات العربية المماثلة تدخّل الغرب وفي رأسه الولايات المتحدة، للجم رأس السلطة عن أي اندفاعة تدميرية. حصل ذلك في مصر وتونس واليمن، فيما تدخّل في ليبيا لتقصير درب الآلام وتسريع عملية التغيير. الذي يحصل في سوريا هو العكس تماماً: إضافة الى مكوّنات سلطة الأسد الطبيعية والمكتسبة، هناك الدعم الآتي من إيران وروسيا. والدولتان تعتبران معركة بقاء سلطة الأسد معركة مركزية لهما ولمصالحهما. وليس قليلاً أو عابراً، تحذير رئيس الحكومة الروسية ميدفيديف أمس تحديداً من “حروب شاملة” نتيجة التدخل الخارجي في الوضع السوري! تماماً مثل اعتبار إيران سلطة الأسد عصب النخاع الشوكي لمشروعها في المشرق العربي، بل في المنطقة في الإجمال!.

والنتيجة، ان دول الغرب المتهمة بـ”التآمر” على الممانعة وقواها ودولها وسلطاتها، تفطّس احتمالات تشظي وتفتت بعض العالم العربي نتيجة الثورات فيه، فيما دول الضدّ، الممانعة إقليمياً ودولياً، تضع كل ثقلها وراء سلطة تضع هي الأخرى كل ثقلها، لتدمير نسائج دولة محورية مثل سوريا!

ومثله مثل ركائزه الخارجية، يجدّد الأسد “تمنياته” بأن يحصل في الدول التي تدعم الثورة السورية ما يحصل عنده. علماً أنه يعرف حقيقتين ماسيّتين. الأولى أن لا مثيل لسلطته في أي دولة أخرى، لا في المدار الإقليمي ولا في المدار الأوسع، وأن “حالته” من الصعب، بل من المستحيل أن تتكرر. والثانية، أن ما يحصل في سوريا ليس تآمراً خارجياً على سلطته، بقدر ما هو تآمر لصالح سلطته.

في تتمة كلام الأسد، هناك النَفَس التهديدي المألوف والواضح: إذا كان يعتبر ما يجري عنده إرهاباً، فإن الدول التي “تدعم” ذلك الإرهاب، ستصاب به! وفي هذا النطاق تحديداً يمكن لصدقيته أن ترتفع فوق معدّلها العام الراكن عند الصفر وحدوده. ويمكن بالتالي، أن يؤخذ كلامه على محمل الجدّ، وأن يُنظر إليه بتمعّن! إذ ليس لمثل سلطته خبرة في ذلك، وهي خبرة بُنيت على مدى سنوات وسنوات و”تجلّت” أكثر ما تجلّت، في لبنان والعراق، والآن في سوريا نفسها.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى