صفحات مميزةفايز ساره

في معنى المعارضة السورية: فايز سارة

 

فايز سارة

ليس من السهل فهم المآلات المحتملة للصراع في سوريا، من دون معرفة اللوحة العامة للمعارضة السورية، والتي تشكّل بالمعنى العام إحدى القوتين المتصارعتين في سوريا، وتشكل واحداً من منفذين يتدخل المجتمع الدولي عبره بقواه الإقليمية والدولية وهيئاته في الأزمة السورية، فيما يشكل النظام المنفذ الآخر الذي تتدخل منه القوى الإقليمية والدولية في أزمة سوريا.

غير أنه ومن أجل تقدير أفضل لدور المعارضة السورية، لا بد من تحديد معناها ومحتواها. ذلك أن بعضهم يستعمل تعبير المعارضة السورية، توصيفاً للجماعات السياسية، وأحياناً يقتصر على ما يسميه البعض بـ”المعارضة الخارجية” مشاراً في هذا المجال إلى المجلس الوطني السوري وإلى الائتلاف السوري للمعارضة وقوى الثورة، ويضيف البعض إلى ما سبق “المعارضة الداخلية”، والتي تشمل هيئة التنسيق الوطنية وما يقاربها من جماعات سياسية، تتخذ من الداخل السوري مركزاً لوجودها ونشاطها وحضور قياداتها مثل هيئة التنسيق الوطنية وإعلان دمشق، وهناك من يوسع الإطار في هذا المجال، فيضيف قوى وجماعات سياسية موجودة داخل البلاد وخارجها مثل المنبر الديموقراطي السوري الى ما سبق من كتل رئيسية للمعارضة السياسية، على سبيل توصيف فكرة المعارضة وبيان محتواها.

بعضهم الآخر يستعمل تعبير المعارضة السورية للدلالة على نوع آخر ومحدد، وهو المعارضة المسلحة، وهو تعبير روّجته في الأشهر الأخيرة دول وقوى معينة تناهض ثورة السوريين، للدلالة على قوى مسلحة تقف في مواجهة قوات النظام من القوى العسكرية والأمنية وقوات الشبيحة، وهذه قوى تشمل ثلاث مجموعات من قوى المعارضة المسلحة أولها الجيش السوري الحر الذي يشمل طيفاً واسعاً من تنظيمات يوحد الاسم معظمها، ويفتقد كثير منها وحدة التنظيم والتسليح والقيادة، والثانية جماعات من المتطوعين المدنيين المنظمة محلياً، والثالثة قوات وجماعات إسلامية من بينها جبهة النصرة في بلاد الشام، التي تصفها مصادر وجهات كثيرة بأنها التعبير الأبرز عن تنظيم القاعدة وامتداده في الواقع السوري.

وهناك من يستعمل تعبير المعارضة السورية للدلالة على الحراك الشعبي السوري وتعبيراته المدنية والأهلية في قوسها الواسع، والذي يشمل أعمدة وبنى المجتمع المحلي في الأرياف وفي أحياء المدن، تتمثل في تجمعات يديرها رجال دين ومخاتير ووجهاء محليين يملكون نفوذاً على قطاعات شعبية تقوم بأنشطة معارضة من بينها تنظيم التظاهرات ومتمماتها من أعمال الإغاثة وإعانة ضحايا القصف وعمليات الاقتحام التي تتم في طول البلاد وعرضها، أصابت نتائجها نحو أربعة ملايين سوري نزحوا عن بيوتهم وأماكن إقامتهم الأصلية، وتشردوا في داخل البلاد وخارجها.

والحق، فإن تعبير المعارضة، يشمل كل ما تقدم. فهو يضم المعارضة السياسية، التي تنشط في الداخل والخارج، بل إن تقسيم العارضة بين داخل وخارج، هو تقسيم خاطئ من الناحية العملية والسياسية. فكل التحالفات والتنظيمات والأحزاب الموجودة في الخارج، لها – ولو بصورة متفاوتة – امتدادات تنظيمية وسياسية في الداخل، كما هو حال العديد من مكونات الائتلاف الوطني والمجلس الوطني، ومنها إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي الذي معظم جسده التنظيمي وقياداته الأساسية موجودة في الداخل السوري، ومثله حال المنبر الديموقراطي الذي له امتدادات تنظيمية وقيادات في الداخل والخارج على السواء، ومعظم الجماعات السورية، كما هو حال إعلان دمشق وهيئة التنسيق الوطنية وتيار بناء الدولة وحركة معاً، اضطرت لإخراج بعض قياداتها وكوادرها على امتداد العامين الماضيين من البلاد، وغالباً ما تم ذلك تحت ضغط السياسة الأمنية العسكرية، التي تتواصل فصولها قتلاً واعتقالاً وملاحقة، وهو أمر لا ينطبق على المعارضين والنشطاء السياسيين بل طال نشطاء في الحراك الشعبي الذي غادر كثير من قياداته وكوادره من منتظمي التظاهرات إلى القائمين بأعمال الإغاثة والدعم الطبي والإنساني إلى الخارج، وثمة تقديرات تقول، إن عدد من تم تهجيرهم ومغادرتهم الأراضي السورية بفعل هذه السياسة من كادرات المعارضة والحراك قارب المائة ألف كادر وناشط، وهذا بين أمور تؤكد خطأ تقسيم المعارضة بين داخل وخارج.

واندماج المعارضة ووحدتها بين الداخل والخارج هو مثال على اندماجها ووحدتها في العلاقة التي تحكم المعارضة السياسية بالحراك الشعبي في شقيه المدني والأهلي، التي وإن بدا أن ثمة تماياًز بينهما عشية انطلاق الثورة في آذار 2011، إلا أن هذه الهوة ضاقت، ليس فقط بسبب السياسة العسكرية الأمنية التي طبقها النظام، وإنما أيضاً بفعل الاحتياجات الموضوعية التي حكمت علاقة الطرفين ووضعتهما في سياق مصير واحد، ولعل أمثلة الاندماج واضحة في تشكيل تحالفات المعارضة منذ هيئة التنسيق والمجلس الوطني إلى الائتلاف السوري، والتي راعت اتحاد ممثلي المعارضة السياسية مع ممثلي الحراك الشعبي، وهو أمر ينطبق على معظم الجماعات والأحزاب السياسية السورية، التي تشكلت في العامين الأخيرين، وقد تشارك في تأسيسها نشطاء سياسيون وآخرون في الحراك الشعبي ولعل المثال الأوضح في ذلك المنبر الديموقراطي السوري الذي ولد في شباط من العام 2012 بالقاهرة.

والاندماج السياسي والحركي في المعارضة السورية، له ما يقابله من علاقة بين المدني والعسكري في تكوينات المعارضة، ولتأكيد هذا المضمون، يمكن استذكار، أن الستة أشهر الأولى من ثورة السوريين كانت أشهراً للنضال السلمي والمدني، وأنها كانت خارج سياق القوة والعنف اللذين يميزان الحراك العسكري المناهض للنظام من الجيش الحر الى المتطوعين المحليين وصولاً للجماعات الإسلامية وجبهة النصرة، وغالب قيادات ومنتسبي هذه الجماعات كانوا بين المتظاهرين السلميين، وغالباً ما كانوا في مقدمة المتظاهرين، لكن العنف المفرط الذي مارسه النظام ضد التظاهر وضد التجمعات السكانية في المدن والقرى، والانتهاكات الفظيعة التي أوقعها بالمدنيين وممتلكاتهم ومصادر عيشهم، دفعت لتحول البعض وخاصة في الأرياف للانخراط في قوى مسلحة، كان هدفها الأول ردع التعديات، ثم انتقل هدفها إلى إسقاط النظام، وقد طور بعضها الهدف نحو إقامة دولة إسلامية على نحو ما تقول جبهة النصرة وأخواتها، لكن ذلك يمر بالتأكيد بهدف إسقاط النظام.

ومما لا شك فيه، أن الأصول المدنية لغالب منتسبي الجيش الحر والقوى المسلحة، وتبنيهم الهدف المشترك في إسقاط النظام، وكونهم هدفاً لقوات النظام، يجعلهم أقرب إلى المعارضة السياسية والمدنية، وهو يكاد يقترب عند البعض إلى حد الاندماج، وهو ما عبرت عنه قيادات في الجيش السوري الحر مرات، كان آخرها تشكيل هيئة الأركان المشتركة في كانون الثاني، التي تضم عسكريين ومدنيين، أعلنت التزامها جانب الائتلاف الوطني السوري، وهو التحالف الأهم في المعارضة السياسية والقوة الحاصلة على اعتراف دولي وعربي بتمثيلها للشعب السوري.

خلاصة الأمر، أن تعبير المعارضة السورية، تعبير واسع، يتضمن بالفعل المعارضة السياسية والحراك الشعبي بجانبيه المدني والأهلي إضافة إلى القوى المسلحة وأبرزها الجيش السوري الحر. ورغم الاختلافات القائمة بين هذه الكتل المؤلفة للمعارضة السورية، فإنها متفقة في أكثريتها على أمرين أساسيين أولهما رحيل النظام، وثانيهما إقامة دولة ديموقراطية تعددية، لكن هذا الاتفاق لا يعني أبداً عدم وجود اختلافات وتناقضات بين أطراف المعارضة السورية، بل وفي داخل تعبيراتها، وهذا ما يستحق وقفة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى