صفحات الثقافة

«فَعَلَى أيّ جانبيك تميل»!


ابراهيم حاج عبدي

تتناول إحدى حلقات مسلسل «الفـــصول الاربــــعــة» للمـــخــرج حاتم علي، الذي يُعاد عرضه، حالياً، على إحدى الفـــضائيات، مسألة العلاقة التي تربط بين الفنان وفنه، فإحدى شخصيات هذه الحلقة معجبة بنجم تلفزيوني يطرح القضايا الكبرى في أعماله، ولكن حين تراه المعجبة شخصياً، وترى عجرفته وغروره، تصاب بالذهول، وتعي مدى البون الشاسع بين ما يطرحه في فنه وبين شخصيته الحقيقية المنفصلة تماماً عن تلك الصورة الرومانسية الزاهية التي رسمتها المعجبة في خيالها عن نجمها المحبوب.

هذه القضية ظهرت إلى السطح، في شكل نافر، مع ثورات «الربيع العربي» التي كشفت عن موقف الفنان، وأفرزت قوائم «العار» أو «الشرف»، ووزعت الألقاب الشريفة والوضيعة، وشهادات حسن السلوك. ولم يخلُ الأمر من بعض الطرافة، فثمة من انتقل من ضفة الى أخرى بعدما خسر الرهان، وآخرون ظلوا ثابتين على مواقفهم بمعزل عما تحقق، ناهيك عن كوكبة صامتة آثرت الابتعاد عن هذه المعركة، بذريعة ان الفن «أنبل» من تقلبات السياسة وألاعيبها.

الموضوع شائك ومعقد، من دون شك، ولا يمكن أحداً أن يقدم رأياً حاسماً في جدلية العلاقة بين القول والممارسة أو بين النظرية والتطبيق. هناك الكثير من الفنانين ممن يزعمون في أعمالهم الدفاع عن قضايا ومواضيع كبرى، ويحاولون تلميع صورتهم بالوقوف في صف المهمشين والبسطاء، غير ان هذه المزاعم سرعان ما تُكتشف عند أول اختبار. في المقابل، هناك آخرون انحازوا الى تلك القضايا، ودفعوا أثماناً باهظة في سبيل الدفاع عنها، سواء في الفن أو في الحياة. لكن الذي لا يمكن تجاهله، في هذا المقام، هو أولئك الذين اهتدوا ببوصلة الانتهازية، فهم تارة هنا، وتارة هناك، وذلك تبعاً لمصالح شخصية ضيقة، إذ بدّلوا مواقفهم تبعاً لمسارات الربيع العربي وتطوراته وتداعياته وجغرافيته، ومثل هذا السلوك يستحق وصفاً واحداً وهو «النفاق». وعلينا أن نشير إلى أن الفنان لم يأتِ من كوكب آخر، فهو فرد في هذا المجتمع اكتسب ثقافته وقيمه، بالتالي فإن موقفه سيكون متبايناً، تماماً مثل صورة الشارع العربي المنقسم، وليس لأحد الحق في أن يحاسبه على رأيه وموقفه طالما أن أحد أهم مطالب الربيع العربي هو تكريس الاختلاف والتعدد، ونبذ الإلغاء والإقصاء. لكن ثمة قاعدة في الفن، علينا ألا نتجاوزها، وهي أن الفن إنْ لم يكن مشاغباً، مغامراً، كاشفاً، ومتمرداً… فلا يصلح أن يكون فناً. على الفن، ونقصد، هنا، الدراما التلفزيونية بصورة خاصة، أن يمضي إلى التخوم القصوى من حيث النقد والاحتجاج وطرح الاسئلة الجارحة، والجهر بالمسكوت عنه… ووفقاً لهذا التنظير الذي بات من البديهيات لفرط تكراره، فإن على العامل في مجال الفن أن يكون أميناً لصفته كفنان. عندئذ، سيدرك أين موقعه؟ ولن يعود يهجس ببيت حائر للمتنبي يقول: وَسِوى الرّومِ خَلفَ ظَهرِكَ رُومٌ / فَعَلَى أيّ جَانِبَيْكَ تَمِيلُ!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى