قادة التنظيمات الجهادية.. فعل السحر في عناصرهم/ جلال زين الدين
يتحلى مقاتلو التنظيمات الجهادية، بإقدام يصل حد التهور، وخاصة المهاجرين منهم؛ اندفاع المقاتلين وسيرهم نحو الموت بأريحية، واسناد معظم عمليات الاقتحام لهم، قد تخفي ورائها أكثر من العقيدة والرغبة في الشهادة. ويُعتقد أن من الأسباب الكامنة وراء ذلك، تكمن في قادتهم، الذين لهم فعل السحر في عناصرهم.
يعود ذلك لأيام الجهاد الأولى في سوريا، حين تمّ استقبال مجموعة صغيرة من المهاجرين، لا يتجاوز عددها الأربعين، في جبل سمعان قرب دارة عزة في ريف حلب، لتصبح فرقة متقدمة ساهمت في دخول الثوار إلى حلب، من الجهة الغربية، في الأول من رمضان، 21 تموز/يوليو 2012. هذه المجموعة كانت بزعامة أبو البراء الشيشاني، ذي الثلاثين عاماً، وعنه يقول أبو محمود من كتائب أبي عمارة: “لقد كان قائداً بكل معنى الكلمة، أحبه الثوار قبل المهاجرين، كان شاباً ممشوق القامة، وذا شخصية قيادية جذابة تدفع من يعمل تحت إمرته لطاعته طاعة عمياء”. ويتميز أبو البراء بخصائص عدة تميزه عن المهاجرين القوقاز الذين جاؤوا معه، يخبرنا أبو الوليد من أحرار الشام: “أبو البراء يعشق القرآن مما جعله يجيد العربية، ملتزم بأحكام الدين، يحرص على العمل بروح الجماعة”. حتى أنه كان جزءاً من قيادة غرفة عمليات القطاع الغربي في حلب، ومعه نائبه عمر الشيشاني. يتابع أبو الوليد: “كان يرفض عمل غير الملتزمين دينياً معه بشكل مباشر، فمجموعته تقتصر على الملتزمين دينياً وأغلبهم من دول القوقاز”.
ولكن السر وراء جاذبية أبو البراء الشيشاني، وطاعة عناصره العمياء له تكمن في شجاعته، كما يقول أبو الوليد: “هو رأس الحربة بأغلب الاقتحامات، ففي بداية دخول الجيش الحر إلى حي صلاح الدين في الجهة الغربية من حلب، تسلل الى نادي الضباط بالتنسيق مع أحرار الشام، ونفذ عمليات قنص. وهو ومجموعته كانوا رأس الحربة في كل اقتحام لمواقع النظام، ورابط في أخطر المناطق حينذاك عند حديقة سيف الدولة”. ويقول أبو محمود عن إحدى عمليات أبو البراء: “تسلل مع أحد عناصره لعمق مناطق النظام متجاوزاً أكثر من خمسة أبنية، عند مفرق كلية العلوم، وقبض على قناص للنظام في الطابق الخامس، وأحضره حياً وكان لهذه العملية وقع السحر علينا جميعاً”. هذه العمليات النوعية تركت أثراً عظيماً في نفوس عناصره، مما جعلهم يقومون بعمليات نوعية وخطرة، أدت لمقتل أبي البراء في وقت مبكر مع عدد من عناصره، فكما يقول أبو محمود: “قُتل أبو البراء مع أربعة من مجموعته نهاية عام 2012، في أحد اقتحامات الثوار على وادي الضيف”. ليدفن أبو البراء في ريف إدلب، ويخلفه عمر الشيشاني، الذي سلطت عليه الأضواء. المقربون من الإثنين، يقولون إن هناك فرقاً شاسعاً بينهما، رغم ما يتمتع به عمر الشيشاني من مزايا قيادية، إلا أنه لا يجيد العربية بشكل جيد، ولا يمتلك العلم الشرعي الذي يمتلكه أبو البراء، ما جعله ينضم بسرعة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، ليصبح القائد العسكري الحالي للتنظيم. ويُشاع أنّ بيعته للتنظيم بداية كانت بيعة قتال لا إمارة.
عمر الشيشاني، بدوره، قاد معارك مهمة رفعت رصيده بين المهاجرين، حتى لقبه محبوه بخالد بن الوليد، سيف الله، لأنه لم يخسر معركة واحدة من المعارك التي خاضها. وقد عمل بإقدام مع الثوار قبل اشتعال المعارك بينهم وبين التنظيم. يقول الشرعي في تنظيم الدولة أبو همام الأنصاري: “كان رجلاً هادئاً متزناً تبدو عليه علامات الوقار، وبعد فشل اقتحام مطار منغ أكثر من مرة قبل تحريره، بكى عمر الشيشاني، وقال: لولا معاصينا لنصرنا الله، ومعاصينا أخرت نصر الله، وفتحه”. يتابع أبو همام “كيف لنا لا نتبع القائد عمر الشيشاني ونحن لمسنا اخلاصه وتفانيه ونصرته الحقيقية لأهل الشام واقدامه في المعارك”. لمع نجم الشيشاني قبل انضمامه للتنظيم، ويعتقد أن سبب انضمامه هو رفعُ التنظيم لشعار الخلافة الإسلامية، فقد سمع عنه أنه قال مرة: “الحمد لله نحن اليوم سعداء لأننا نشارك في إسقاط الحدود التي وضعها الطواغيت لمنع انتقال المسلمين إلى أراضيهم، لقد مزق الطواغيت الخلافة الإسلامية، وجعلوها دولاً مثل سورية والعراق تحكم بقوانينهم الوضعية”. لكن لأبي الوليد القيادي في أحرار الشام رأياً مختلفاً: “نأسف أن ينساق عمر الشيشاني وأمثاله وراء البغدادي، فهؤلاء يستخدمون شجاعتهم في المكان الخطأ، جاؤوا لنصرة الشام وأهلها، لكنهم أصبحوا سيفاً على رقاب أهل الشام”.
ونسجت حول طرخان باتيرشفيلي، المولود سنة 1986، في قرية بيركياني من وادي بانكيسي في جورجيا، كثيرٌ من القصص، ونُسبت إليه مشاركته في معظم معارك التنظيم ضد الثوار في الباب وجرابلس ومنبج ومعارك دير الزور الطويلة، إضافة للمعارك ضد النظام في الفرقة 17 واللواء 93، ومطار الطبقة، ومعارك ضد الجيش العراقي والميلشيات الشيعية. وهو الأمر الذي يثير شكوكاً حول مصداقية هذه القصص. ويرى قائد كتيبة سابق في الجيش الحر، أبو خالد: “التنظيم تعمّد نشر هذه القصص ليرسم هالة من القداسة حول قادته، وليكون عند العناصر العاديين مثلاً أو قدوة يحاولون تقليدها، أو الوصول إليها”.
واللافت أن قادة التنظيم العسكريين الذين يقودودن العمليات الميدانية في ساحة القتال، هم من الشباب، ويُرجح أن يكون المخططون للعمليات هم من العسكريين الكبار. فهناك قيادة مركزية، وبحسب أبو خالد: “واهم من يظن أن عمليات التنظيم تدار بشكل اعتباطي، فهناك نواة صلبة مغلقة تدير العمليات العسكرية، وأعتقد أن عمر الشيشاني وأمثاله مجرد دمى، أو قادة ميدانيين لا أكثر، أما العقول المخططة لا تظهر على وسائل الإعلام لأسباب عديدة”.
الشجاعة المتهورة سمة عامة للمهاجرين، وكأنهم جاؤوا ليُقتلوا لا لينتصروا، لذا وجدوا في تنظيم الدولة ضالتهم. ولعب غياب التنسيق في صفوف الثوار، وتدخل الأطراف الإقليمية والدولية، دوراً كبيراً في ترك هؤلاء المهاجرين لصفوف الجيش الحر والثوار، بعد أن أقنعهم تنظيم الدولة بأن الثوار مجرد أدوات بيد قوى الكفر بزعامة أميركا. يقول المقاتل السابق في الجيش الحر، أبو محمد: “انتسبت للتنظيم لأني وجدت عنده وضوحاً في الهدف، على عكس الفصائل الأخرى التي خضعت لسياسات الخارج، وتلاعبت بجهاد السوريين ودمائهم وتضحياتهم”. كما أن شخصيات قادة التنظيم لعبت دوراً في جذب العناصر.
عمر الشيشاني وغيره من القادة بايعوا تنظيم الدولة وتبعهم كثيرون من العناصر، فقط لأنهم آمنوا بقادتهم. ويبقى قسم من المهاجرين ما زال يعمل مع الثوار السوريين، ولم يتأثر بدعوى البغدادي، كجيش محمد الذي يعمل في ريف حلب الشمالي، وجيش المهاجرين والأنصار بقيادة صلاح الدين الشيشاني، من بلدة عمر الشيشاني والذي يقاتل في حلب. وما زال الفصيلان يتمتعان بعلاقات ممتازة مع الثوار، ومع تنظيم الدولة.
المدن