صفحات العالم

قتل وخطف ولا بد من الفتنة


    سناء الجاك

اثارت خلفيات خطف لبنانيين في حلب استنكار جميع المسؤولين. لكن في الشارع ساد الرعب على رغم الشكوك التي رافقت الخبر، ربما لأن احتمال عودتهم أحياءً لا يقارن بالرعب والاسى اللذين خلّفهما مشهد عمامة الشيخ المغدور أحمد عبد الواحد الملوثة بدمائه. وربما تتسارع الاتصالات فتتدخل إيران وتوسِّط تركيا ليتم الإفراج عن المخطوفين.

ربما لأن من يفجر سوريا ويلصق جرائمه بإرهابيي “القاعدة” من دون برهان او دليل ليبقى في السلطة، لا يتورع عن تصفية المخطوفين ليفلت الملقّ وننزلق الى الخراب بعدما نجحت الجهود في التحايل على النار المستعرة تحت الرماد مع حوادث طرابلس وعكار والطريق الجديدة. فالمخطط الأسدي حاضر لنحر اللبنانيين أياً يكن مذهبهم وطائفتهم لإشعال لبنان وصرف النظر عن جرائمه في سوريا.

ألف “ربما” توضع في الحسبان حتى جلاء الأمور، وكل الاحتمالات واردة عندما يُقتل اللبنانيون على حواجز بلادهم ويُخطفون على حواجز الشقيقة، وتتدهور الأوضاع ويعود السكون القاتل الى الشوارع ونشمّ من جديد رائحة الهدوء الحذر الذي كان يسبق انفجار الأوضاع او يليها، وننظر من نوافذنا ونتخيل المتاريس او نكاد نسمع أزيز رصاص القنص. ونعود الى الخوف من الليل ومن الغد ومن تطور مأسوي لا تحتمله سنوات عمرنا التي استنزفتها الحروب والاغتيالات والجرائم والأزمات.

منبت الخوف والاجواء المشحونة بالكوابيس يعود الى معرفتنا بسعي النظام الاسدي الى أقلمة صراعه انطلاقاً من لبنان حيث يده طويلة، كما يثبت هذا الخوف تردد الذبذبات العالية والعاتية في توارد خواطر بين هذا النظام  وأذرعه في لبنان التي تتناغم معه هذه الأيام. لا سيما ان أحد هؤلاء يتمنى ان يفتك الشيعة والسنة بعضهم بالبعض الآخر حتى تخلو له الساحة، لذا يتلوّن وفق “التعليمة”.

في غمرة جهود التهدئة، نسمع ونرى هذه الذراع تثور وتزبد وترعد وتتحدث كما لو ان صاحبها قرأ صباحاً وعلى الريق إعلام النظام الأسدي، فاستنتج أن الشيخ القتيل عمد الى  الانتحار حتى يوفر حجة للمتطرفين الاسلاميين للنيل من الجيش اللبناني، على اعتبار ان الطيار الشهيد سامر حنا كان مجنداً في جيش موزمبيق، او كأن جيش موزمبيق ذاته كان بطل حوادث مار مخايل. ومن باب الولاء المستجد، يغضب ويهدد من يخالف القانون ويمسّ أمن سوريا من لبنان. كأن كل هذه الدماء المسفوكة للحصول على الحرية سكاكين تمعن في قتل أحلامه. ويذكّر بالاتفاقات المشبوهة والمبرمة في زمن الوصاية بيننا وبين الشقيقة. ولا ينسى ان يعلن تأييده مضمون رسالة السفير السوري بشار الجعفري، وكأن لا همّ لديه سوى اثبات الهوية اللبنانية لكل إرهابي حتى لو كان من بلاد الواق واق.

لا يريد هذا الممسك بواجب الولاء تقدير ردود الفعل الاولى على خطف اللبنانيين في سوريا، الداعية إما الى ضبط النفس وتحريم خطف السوريين وتجنب الفتنة، وإما الى الاستنكار ورفض فعل الخطف مع تأكيد وحدة الموقف تجاهه بمعزل عن الاصطفافات.

على العكس، هو يريد ان يصل الدم الى الركب، ليس لأنه ممتنّ للنظام الأسدي الذي يرعى قبر مار مارون برمش العين، ولكن لأنه يكره اللبنانيين الذين لم يقدموا له كرسي الرئاسة مع تقبيل الأيادي، أكثر مما يكره من حرمه في المرة الاولى من هذا الكرسي.

يبقى صاحبنا متأرجحاً بين الحب والكره ومواسم الحقد كل ثلثاء، وينتظر النظام الاسدي وخططه الجديدة ليتلزم السيناريو المتدرج من القتل الى الخطف وصولاً الى الفتنة، علّ توقعاته تنقش في ثلثاء ما، فيربح اللوتو. لكن ربما يردّ الله كيده الى صدره ويمر هذا القطوع بسلام، وتنفضح الأجندة التي لم تجد من تستخدمه هذه المرة الا العائدين من طهران.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى