صفحات المستقبل

قراءة تحليلة: سوريا إلى أين؟!


إعداد: أسامة جمران

فشل كل من البعثة العربية والبعثة الدولية أثار كثيراً من التساؤلات عن آليات عمل المجتمع الدولي وكيف ينظر للأمور على المستوى العالمي.

آليات وأساليب عمل مجلس الأمن:

لاشك أن الأمم المتحدة بشكل عام ومجلس الأمن بشكل خاص يتمتع بأوضح وأدق آليات وأساليب عمل وليس هذا بمستغرب كون الأمم المتحدة تضم دول العالم وبالتالي تستطيع استجلاب أكبر وأفضل الخبرات في مجال الصياغات القانونية والدستورية.

منذ تأسيس الجمعية العامة للأمم المتحدة تم وضع ميثاق الأمم المتحدة والذي يشرح بدقة طرق وآليات عمل ومهام المنظمة الدولية والمؤسسات المتفرعة عنها وصلاحيات كل منها وآليات عملها وتم إصدار الملاحق والنظم والمواثيق المتعلقة بجميع هيئات ومنظمات ومؤسسات الأمم المتحدة.

مجلس الأمن والذي يمثل أعلى سلطة في الأمم المتحدة يتمتع بصلاحيات واسعة في مجال حفظ الأمن والسلام الدوليين وحدد ميثاق الأمم المتحدة بدقة آلية عمله والطريقة التصاعدية في اتخاذ المواقف تجاه حفظ الأمن والسلام الدوليين فجاء الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة ليحدد الطرق السلمية للتعامل مع الأزمات الدولية من خلال دعوة الأطراف المتصارعة للجلوس لطاولة الحوار والبحث عن الطرق السلمية لحل الأزمات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين.

ثم جاء الفصل السابع ليغطي الإجراءات العملية والتي تحمل صفة الإلزام لأي طرف يهدد الأمن والسلم العالمي وتبداً هذه الإجراءات من العقوبات الاقتصادية والمقاطعة الدبلوماسية لتنتهي بتثبيت السلم بالقوة العسكرية وكل ذلك تحت إدارة مجلس الأمن وليس بشكل اعتباطي.

كما أن الأمم المتحدة لازالت تصدر القرارات المكملة لتفسير الميثاق وتحديد آليات العمل والتمويل والمشاركة في الحملات الدولية، ويخطئ من يتساءل فيما يتعلق بالأزمة السورية: من سيدفع فاتورة التدخل العسكري، إذ أن الأمم المتحدة لديها بالتأكيد آليات التمويل الضرورية لأي مستجدات تطرأ على الساحة الدولية وتمويلها يعتمد على الأعضاء من خلال حصص يتم توزيعها على الدول حسب مستويات التمويل المحددة مسبقاً طبقاً للناتج المحلي لكل دولة.

القرار 377 (الاتحاد من أجل السلام):

إبان الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي ورداً على الدعم السوفييتي المطلق لكوريا الشمالية من خلال تعطيل دور مجلس الأمن بالفيتو المتكرر قام المجتمع الدولي بقيادة بريطانيا بتحرك دولي عن طريق تفويض صلاحيات مجلس الأمن للجمعية العامة للأمم المتحدة وطرح مشروع قرار التفويض على مجلس الأمن للتصويت الإجرائي والذ لاتملك أي دولة فيه حق الفيتو وتم استصدار القرار 377 المسمى الاتحاد من أجل السلام والذي بموجبه يحق للأمم المتحدة التصرف في حال عجز مجلس الأمن عن أداء دوره في حفظ السلم الدولي.

إذا فما الذي يؤخر المجتمع الدولي عن التدخل في سوريا.

محفزات الدول العظمى لحل الأزمات الدولية:

بنظرة سريعة على تاريخ الأزمات الدولية منذ تشكيل الأمم المتحدة وطريقة تعاطي المجتمع الدولي معها نجد أن الدول العظمى هي من تقود التدخل الدولي لحفظ الأمن والسلام وإنهاء الأزمات وذلك حسب ما تقتضيه مصالحها في تلك الأزمات، فالأمم المتحدة لم تحدد إطاراً زمنياً لحل أي أزمة دولية وهذا التجاهل للإطار الزمني لم يكن نسياناً وإنما عن علم ودراية بطبيعة التوازنات الدولية والمصالح الإقليمية للدول الكبرى التي تقود المجتمع الدولي والتي تتمتع بما لا تتمتع به غيرها من الدول.

ففي الحالة الليبية مثلاً دفع غنى التراب الليبي بمخزون عالٍ من النفط المجتمع الدولي للقلق على هذا المخزون من الضياع لذا كان التحرك الدولي سريعاً لمساعدة الثوار الليبيين على القضاء على نظام القذافي، ولم يكن هذا التدخل لغرض الحصول على النفط بالمجان إذ لاوجود لهذا التفكير إلا في عقول صغار العقول والجهلة بالقانون الدولي.

إن كل مايهم المجتمع الدولي هو الحرص على عدم نضوب منابع النفط والذي يعتبر العصب الرئيس للاقتصاد العالمي ويظهر هذا جلياً في عدم تحرك المجتمع بشكل كبير لمواجهة ارتفاع أسعار النفط قبل عامين، فتوفر الذهب الأسود هو المطلوب كائناً ما كان الثمن الذي سيدفع للحصول عليه.

أيضاً كان التحرك الدولي سريعاً جداً لمواجهة الغزو العراقي لدولة الكويت قبل عشرين عاماً وكان دافعه الحرص على آبار النفط الكويتية من التخريب على أيدي القوات العراقية ويعزز ذلك إشعال بعض من آبار النفط من قبل القوات العراقية قبيل انسحابها من الكويت في محاولة لتوجيه ضربة للمجتمع الدولي من خلال استهداف ما حاربت دول الغرب من أجله.

من ناحية أخرى فالأزمات الدولية التي تنتج صراعات نفوذ بين الدول والكيانات العظمى لاتمتع بسرعة التحرك وخصوصاً أن الأهداف هي استراتيجية وليست مادية، وفي حالة الصراعات الاستراتيجية تكون المناورات السياسية كثيرة وبطيئة فيحاول كل طرف من أطراف الصراع جذب القوى المتحيرة إلى صفه لترجيح كفته على الطرف الآخر.

فلنأخذ على سبيل المثال حالة الحرب البوسنية والتي استمرت ثلاثة أعوام (1992-1995) وانتهت بمجزرة مروعة (مجزرة سربرنيتسا) والتي فاق عدد الضحايا فيها 8000، طبعاً كانت الدول المتصارعة على الساحة الدولية تعلم بنية الصرب ارتكاب تلك المذبحة وكانو على علم بجميع الانتهاكات التي كانت تحصل قبل هذه المجزرة لكن معادلة الفوز والخسارة كانت هي الأهم ورغم دعم الاتحاد السوفييتي للصرب آنذاك، بقي الغرب متمسكاً بضرورة تدخل المجتمع الدولي دون أن يأخذ المبادرة حتى وقعت تلك المجزرة المروعة وقاد حلف الناتو، والذي يمثل وبشكل غير رسمي الذراع العسكري لمجلس الأمن، قاد الحملة ضد الصرب بدون تفويض من مجلس الأمن ورافق الحملة الجوية دخول بري لقوات تحالف البوسنيين والكروات وانتهت تلك الأزمة بتوقيع اتفاق دايتون للسلام ونهاية الصراع.

والسؤال هنا ماهي طبيعة الصراعات في الحالة السورية وكيف من الممكن أن تؤول الأمور.

لاشك أن مايقدمه الشعب السوري من صمود وتضحيات جعل كل المجتمع الدولي في حيرة من أمره وقلب كثيراً من المخططات على رؤوسهم إضافة للتقدم الذي يحرزه الجيش السوري الحر على الأرض والضربات القاصمة التي يوجهها لجيش النظام حتى أصبحت الثورة السورية متقدمة على كل المواقف والمخططات الدولية وسحبت زمام المبادرة من جميع اللاعبين الدوليين.

روسيا والصين:

اختارت روسيا منذ بداية الثورة السورية الوقوف إلى جانب نظام الأسد ورفضت أن تقبل إطلاق تسمية الثورة على الحالة السورية، وجهدت منذ بداية الأزمة لتقييد التحرك الدولي وتعطيل مجلس الأمن ومنعه من القيام بواجبه حسب مايمليه الميثاق الذي قامت الأمم المتحدة على أساسه في محاولة منها للإبقاء على مصالحها في سوريا والتي أصبحت البوابة الوحيدة لروسيا على منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية.

أيضاً اتخذت الصين موقفاً مماثلاً للموقف الروسي وتماهت مواقفها مع المواقف الروسية ورغبت من خلال ذلك تشكيل قوة عالمية تقف في وجه المحور الغربي وتعيد العالم إلى مرحلة ثنائية القطبية بعد أن بقي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 أحادي القطبية خصوصاً بعد إعادة تفعيل منظمة شنغهاي للتعاون والتي أقيمت عام 2001 وتضم في عضويتها كلاً من روسيا والصين إلى جانب دول آسيا الوسطى (كازاخستا وقرغيزيا وأوزبكستان وطاجكستان).

لكن الصين لم تذهب بعيداً في موقفها بل أبقت الباب مفتوحاً للمناورة السياسية من أجل ضمان الخروج بأقل الخسائر إذا فشل النظام السوري في قمع الثورة وسقط بشكل مفاجئ.

كما أن الثقة لم تصل إلى ذروتها بين روسيا والصين وخصوصاً بعد أن عرقلت روسيا مبادرات التعاون الاقتصادي والتجارة الحرة التي اقترحتها الصين لمنظمة شنغهاي في إشارة واضحة للخشية الروسية من توسع النفوذ الاقتصادي الصيني وانحسار على النفوذ الروسي على دول آسيا الوسطى.

يضاف إلى ذلك السعي الحثيث لأمريكا والدول الحليفة لها على تسليط الضوء على الموقف الروسي وجعله المعطل الأساسي لمجلس الأمن وذلك حفاظاً على المصالح الغربية مع أقوى الاقتصادات الآسيوية وأسرعها نمواً (الصين) فيما يبدو أنه اتفاق غير معلن على عدم الإضرار بالمصالح الصينية في حال انتصار الغرب في معركته الدبلوماسية مع روسيا والصين.

أمريكا والاتحاد الأوربي:

بالمقابل ظهر جلياً اختباء الغرب خلف الفيتو الروسي لتبرير التباطؤ في التدخل العسكري لحل الأزمة السورية في موقف مشابه لحرب البلقان، هذا يعني بطريقة أو بأخرى أن تعقيد الأزمة السورية وذهابها بعيداً هو في صالح الغرب الذي أصبح المد الإسلامي السني مصدر قلق بالنسبة له خصوصاً بعد انتصار الثورات في تونس وليبيا ومصر ووصول الإسلاميين إلى سدة الحكم فيها وفوز الإسلاميين برئاسة الحكومة في المغرب.

هذه التطورات جعلت الغرب يبحث عن طرق للتواصل مع القيادات الجديدة التي أفرزتها الثورات العربية ويحاول التعايش معها سعياً منه لإبقاء مصالحه الاستراتيجية في أهم منطقة في العالم.

إن الإصرار الغربي على تقديم مساعدات غير فتاكة للمعارضة السورية يظهر بجلاء تخوف الغرب من المقاتلين السوريين وحرصه على إبقاء المبادرة بيده فقط .

يخطئ من يظن أن روسيا تريد من خلال تعنتها بيع نظام الأسد بالسعر الأعلى أو من يظن أن الغرب متواطئ مع روسيا في تعطيل مجلس الأمن.

فمن جهة تعيش روسيا مرحلة انتعاش اقتصادي قل نظيرها في تاريخها الحديث، وهي ليست بحاجة من الناحية الاقتصادية لمداخيل بيع الأسلحة للنظام السوري الغير قادر أصلاً على دفع ثمنها، كل مايهم روسيا هو العودة إلى الساحة الدولية بقوة كلاعب أساسي وهذا ماجعل الشعب الروسي يدعم بوتين في الانتخابات الروسية فضلاً عن إعادة بناء الاقتصاد الروسي بعد التدهور الذي حل به إبان حكم سلفه يلتسين.

ومن جهة أخرى تباطؤ المجتمع الدولي في التدخل لإيقاف نزيف الدم السوري يمهد الطريق أمام تدمير البنية التحتية السورية والتي هي من أولى وأهم نتائج الحروب، هذا التدمير سيكون عبئاً على أي حكومة ديمقراطية مقبلة مما يعني تقييد قرارها السياسي وتكبيلها بقروض طويلة الأجل لإعادة إصلاح ما تهدم.

يضاف إلى ذلك التحذير المستمر من نشوب الحرب الأهلية ووصف الاقتتال في سوريا بأنه حرب أهلية والتحذير المستمر من حالات الانتقام التي ستحدث بعد سقوط النظام والتبشير بأعمال القتل على الهوية والحديث المتكرر عن الأقليات وحمايتها ومشاريع تقسيم سوريا وإقامة الدولة العلوية في الساحل و…..، كل ذلك يعني بطريقة أو بأخرى تجهيز المناخ الدولي لوضع سوريا تحت الوصاية الدولية وإرسال قوات حفظ سلام برعاية أممية لضبط الأمن في سوريا بعد سقوط النظام، ولا شك أن وضع أي دولة تحت الوصاية الدولية هو مصادرة كاملة لقرارها السياسي وتحييدها عن الساحة الدولية، وهنا ينبغي التذكير بأن البوسنة لازالت تحت الوصاية الدولية منذ عام 1995.

متى تنتهي الأزمة في سوريا:

بالمحصلة تنتهي الأزمة في سوريا عندما تتهيأ الظروف بالنسبة للمجتمع الغربي لقطف ثمار هذه الثورة، فتسليط الضوء على روسيا يعني تحميلها مسؤولية دماء الأبرياء والشهداء في سوريا مما سيؤدي إلى القضاء نهائياً على أي وجود روسي في المنطقة، هذا سيؤدي بطريقة أو بأخرى إلى إحراج بوتين أمام شعبه الذي انتخبه ووثق به وربما …. أقول ربما يقود ذلك إلى سيناريو مشابه لانقلاب 1991 في الاتحاد السوفييتي ثم استغلال الطموحات السلطوية لأحد الساسة الروس المغمورين لدفع بعض دول الاتحاد الروسي لإعلان استقلالها كما استغل يلتسين من قبل، وعند انتهاء الأزمة في سوريا فإن الصين لن تخسر الكثير وهذا سيتم بمباركة من الغرب مقابل تنازلات سياسية وعسكرية مثل السماح بنشر قوات أمريكية في شرق آسيا أو توسيع الحريات الشخصية في الصين وإعادة النظر في مسألة إقليم التيبت وذلك لضمان نقاط ضعف متجددة في بنية النظامم الصيني يساوم عليها الغرب متى شاء.

للأسف فإن مثل هذه الصراعات العالمية وقودها دماء الشعوب التي ترزح تحت الظلم والقهر، وكائناً ما كان الثمن الذي سيدفعه الشعب السوري فهو ماضٍ في ثورته حتى تحقيق النصر وخصوصاً بعد أن أظهر النظام السوري استعداده لقتل الشعب مقابل بقائه في الحكم.

سورية بدا حرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى