صفحات العالم

قرن الأكراد!


محمد نور الدين

 فرضت التطورات الأخيرة في سوريا أجندة مختلفة نسبيا عن السياق القائم حتى الآن منذ بدء الأزمة قبل سنة ونصف السنة.

كانت المسألة الكردية في سوريا هي الحلقة الأضعف في كل ما يتعلق بالأكراد في منطقة الشرق الأوسط.وذلك لقلة عددهم الذي يتراوح بين المليون والمليونين ولضيق الشريط الذي يتواجدون فيه.أما بالنسبة لقوة السلطة المركزية في دمشق فالسلطات المركزية في كل الدول التي يتواجد فيها أكراد كانت قوية. ومع ذلك كانت الحركة الكردية فيها من العراق وتركيا إلى إيران اكثر جرأة وقوة وتعبيرا عن امتعاضها من تجاهل حقوقها من الحركة الكردية السورية.

في الأنباء المتواترة والتي نشرتها وسائل الإعلام أن مقاتلي حزب الوحدة الديموقراطي،الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني،قد انتشر بمسلحيه على امتداد الشمال الكردي لسوريا ونشرت صور زعيم الكردستاني المعتقل في تركيا عبدالله اوجالان في المدن الكردية السورية مع أعلام الحزب وأعلام كردستان الكبرى.

هذا الانتشار أثار صدمة في الداخل التركي تحديدا لأن حزب العمال الكردستاني هو العدو الأول لتركيا ويخوض حربا ضد الدولة منذ العام 1984 ولا يزال ينشط بقوة داخل تركيا كما من قواعده في منطقة جبال قنديل.

وأطلق المسؤولون الأتراك فجأة التحذيرات ورسموا الخطوط الحمر من أن سيطرة حزب العمال الكردستاني على شمال سوريا سيكون سببا لتدخل عسكري تركي ولقصف جوي ومطاردات ساخنة وربما لاحتلال المنطقة وأرفقت أنقرة تهديداتها بإرسال تعزيزات عسكرية من دبابات وصواريخ.

إذا استمر الانتشار المسلح للكردستاني في شمال سوريا فسيشكل بالتأكيد تطورا نوعيا في العلاقة بين الأكراد في سوريا والمنطقة مع تركيا كما على صعيد مسار المسألة الكردية في الشرق الأوسط ككل.

لا شك أن الأتراك فوجئوا بهذا التطور. فهم كانوا يركزون سياستهم تجاه سوريا منذ بدء الأحداث على إسقاط النظام وراهنوا على سقوطه سريعا. ولم يحسبوا إلى أن الظروف قد تعاكسهم وقد تتولد عن الأحداث ما ليس بالحسبان. ظهور واقع كردي جديد في شمال سوريا أربك الأتراك فلم يعرفوا كيف يتصرفون معه فكانت ردة الفعل الأولى أنهم سيتدخلون لمنع نشوء مثل هذه البنية التي قد تفضي إلى كيان سياسي في وقت لاحق فتجد تركيا نفسها محاطة من الجنوب بشريط كردي طويل جدا على امتداد حدودها مع سوريا البالغة حوالي تسعمئة كيلومتر.

أظهر التطور الكردي في سوريا كم هي عالية ومتجذرة “الفوبيا الكردية” لدى أنقرة. المسؤولون أطلقوا أقوى التصريحات بهذا الصدد مهددين فيما لم يردوا مثلا على إسقاط سوريا للطائرة التركية في 22 يونيو الماضي.

من النتائج المحتملة لنشوء واقع كردي جديد في شمال سوريا أن تنحرف أولويات الاهتمام التركي من إسقاط النظام في سوريا إلى كيفية مواجهة الخطر الكردي الجديد في شمال سوريا.

من الثابت أن الواقع الكردي الجديد في شمال سوريا هو نتيجة سببين: الأول أن الأكراد في سوريا وفي كل المنطقة يستفيدون من أي حالة فوضى أو فراغ في أي مكان ليؤسسوا عليها واقعا جديدا يفيدهم في معاركهم للإعتراف بهويتهم الثقافية حيث يعيشون وحيث تمارس ضدهم كل أشكال التمييز. ومن المنطقي أن يستفيدوا من انشغال الجيش السوري بمواجهة المعارضة المسلحة في حلب وغيرها من أجل السيطرة على شمال سوريا الكردي.

أما السبب الثاني فهو أنه بعد تفجير دمشق الذي أودى بحياة أربعة من كبار القادة الأمنيين السوريين فإن الخطوط الحمر سقطت ولم يعد هناك ما يمكن احترامه. تركيا من جهة تأوي وتدرب وتسلح الجيش السوري الحر وسوريا من جهة ثانية تطلق العنان لمسلحي حزب العمال الكردستاني لينتشروا في المناطق المحاذية لتركيا.

المعادلة واضحة ومنطقية. و”من دقّ الباب سمع الجواب”.

لكن في المحصلة فإن الواقع الكردي في شمال سوريا لن يعود إلى ما كان عليه قبل بدء الأزمة في سوريا سواء بقي النظام أم جاءت المعارضة الى السلطة أو عمت الفوضى أو تقسمت سوريا. وتتراوح خيارات أكراد سوريا بين الحكم الذاتي كحد أدنى والفدرالية والدولة المستقلة أو المرتبطة بكردستان العراق كحد أقصى.

وفي المحصلة فإن مسارا كرديا متصاعدا تشهده المنطقة. محطته الأولى كانت في فدرالية شمال العراق. ومحطته الثانية اليوم في شمال سوريا. وهو مسار يعكس “دفقا تاريخيا” لا يمكن وقفه وسيواصل مسيرته إلى كل الجوار الكردي من تركيا إلى إيران.لذلك فإن من أخطر النتائج التي أسفرت عنها الأزمة السورية حتى الآن وقبل أن تنتهي، هي ظهور واقع كردي جديد في شمال سوريا سيكون له أكبر الأثر على الواقع الكردي في الدول الأخرى ولا سيما تركيا. وهو الأمر الذي لم يحسب الأتراك له حسابا. بل لم يحسبوا جيدا أيضا أن مسعود البرزاني الذين يعتبرونه اليوم حليفا ضد حكومة نوري المالكي سوف يوقعهم في فخ تأييده للواقع الجديد في سوريا انطلاقا من حلم كردستان الكبرى ومن أن الكردي لن يسفك دم أخيه الكردي.

هل يشك أحد أن القرن الواحد والعشرين لن يكون قرن الأكراد في المنطقة؟

الشرق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى