صفحات الثقافة

قصائد “أطفال سوريا”

 

كنتُ جنيناً ولم يكن لي اسم بعد

حسين حبش

[انتبهنا إلى موتنا!

 

هربَ أبي

هربتْ أمي

هربَ أخوتي وأخواتي

هربنا جميعاً من جَحيم المَوت والقتل والدَّمار.

لكنْ عندما تَنَاهى إلى سَمعنا أنَّ الأمورَ

قد هدأتْ قليلاً

حَزمنَا حَقائبنا

وأرَدنا العَودة إلى البيتِ.

جسَّ أبي نبضه،

أنصَتَ لتنفسه،

وضعَ يده على قلبه،

تحسَّس جَسَده

كانَ كل شيء فيه

هَامداً سَاكناً لا حِراكَ فيه.

فَعَلنا مثله

كانَ كلُّ شيء فينا أيضاً

هَامداً سَاكناً لا حِراكَ فيه.

فجأةً انتبهنا إلى أنَّنا قُتلنا في مَكانٍ آخَر!

[حكاية الطفلة التي ذهبتْ إلى الدُّكان

اشتقتُ للمدرسَة كثيراً

قلتُ لأمي سَأذهبُ للدُّكان المُجَاور

لأشتري قلماً ودفتراً…

في الشارع، كنتُ فرحَة وأدندنُ بأغنية.

فجأةً رأيتُ قطراتُ دمي

تسيلُ على الأرض

تحسَّستُ رأسي

فرأيتُ رصَاصَة قد استقرَّت فيه!

تذكَّرتُ وجه القنَّاص

الذي كانَ فوقَ البناية

وهو يضحكُ في وجهي ضحكةً صَفراء.

ندِمتْ أمي لأنَّها سَمَحَت لي بالذهَاب لوَحدي،

وبكتْ كثيراً

بكى أبي

بكى أخي

بكتْ دميتي

وأنا كنتُ أمدُّ يَدي من السَّماء،

أمسحُ الدموعَ عن عيونهم المتورِّمة

وأوَاسي قلوبهم الحَزينة!

[الطفلة فاطمة المغلاج()

كنتُ طفلة

وكانَ لي رأسٌ يزيِّنه شعرٌ طويلٌ

تمشِّطه أمي كلَّ صَباح.

كانَ أبي حينَ يراني، يقولُ لي:

كم شَعركِ جميلٌ يا ابنتي

وكنتُ أهزُّ رأسي بالموافقة، وأبتسمُ له.

اليومَ نظرتُ إلى المرآة فلم أجده!

تذكَّرتُ قاتلي فوراً

كانَ برأسِ “غُولٍ” وجَسَدِ وحشٍ طائر

لم يُمهلني حتى أنْ أتنفسَ أو أنطقَ بكلمة

فجأةً جزَّ عنقي

ودحْرجَ رأسي عن جَسَدي

ارتعشتُ من الألم

سَالَ دمي حارَّاً ودافئاً على البلاط.

رأيتُ روحي تعانقُ أرواحَ عائلتي

التي سبقتني إلى السَّماء.

سيقولُ جَارنا الذي حملني بينَ يديه وأنا بلا رأسٍ:

إنَّ العالم من بَعدكِ يا صَغيرتي

سيكونُ بلا رأسٍ إلى الأبدِ.

ولأنني كنتُ طفلةً صَغيرةً وبلا رأسٍ

لم أفهمْ مَغزى كلامه.

() فاطمة المغلاج: هي الطفلة التي عثر على جسدها، وهو بلا رأس في قرية كفرعويد في مدينة إدلب التي تعرضت لمجزرة بشعة من بين ضحاياها عائلة المغلاج.

[كانوا أطفالنا وأصبحوا ملائكتكَ

هَؤلاء الأطفال

لنْ يَحملوا حقائبهم بَعدَ اليَومِ

لنْ يَذهبوا إلى المَدرسَة

لنْ يَفتحوا كتبهم ودفاترهم

لنْ يَقرأوا ولنْ يَتعلموا

لنْ يَكتبوا ولنْ يَرسموا

لنْ يَجتهدوا ولنْ يَحفظوا الدروسَ والأناشيد

لنْ يَركضوا ولنْ يَمرحوا

لنْ يَملؤا البَاحَة لعباً وضجيجاً وحياة!

يا الله، هؤلاء الأطفال كانوا أطفالنا

“أكبادنا التي كانتْ تمشي على الأرض”.

أصبَحوا الآنَ ملائكتكَ

أكبادكَ التي تطيرُ في السَّماء.

لذلكَ لا تدعهم يَتُوهونَ لوَحدهم

بينَ النجومِ والكَواكبِ والأقمار.

لا تدعهم يتشردونَ ويتعذبونَ ويتعبونَ

وينامونَ بلا أسرَّة دافئة ونظيفة…

يا الله، لا تدعهم يموتونَ مرَّتَين.

طفلٌ يبحثُ عن أبيه

قربَ رُكام البناية

يحملُ الطفل الصَّغير

الحَجرَ الصَّغير

ويضَعه في حُضنِ الحَجر الكبير

ويهمسُ له: ها قد وجدتُ لكَ أباكَ

وسأذهبُ للبحثِ عن أبي أيضاً

وراحَ مع الرجَال

يبحثُ بهمَّة بينَ الأنقاض!

[بناء!

قصَفت الطائراتُ

مدرسَته وبيته

وغرفته الصَّغيرة المليئة بالألعاب.

بحماسٍ منقطعِ النظير

راحَ الطفل الصَّغير

يبني من الأنقاض المبعثرة

مدرسَته وبيته

وغرفته الصَّغيرة المليئة بالألعاب.

إنَّه الآنَ يتعلمُ، يقرأ ويدرسُ

وكأنَّه في مدرسته.

يسرحُ ويمرحُ وكأنَّه في بيته.

ينامُ ويستيقظُ ويلعبُ

وكأنَّه في غرفته المليئة بالألعاب.

[ أديل يا طفلتي الجميلة!()

أديل يا طفلتي الجميلة

منْ قالَ لكِ أنْ تخرجي منَ البيت؟

منْ قالَ لكِ أنْ تذهبي إلى الكنيسة؟

منْ قالَ لكِ أنْ تحتفلي وتصلِّي

وتشاركي في رفعِ الصَّليب؟

ألم تقلْ لكِ أمكِ في ذلكَ اليوم:

“أنَّ جنة الأطفال بيوتهم!”

وأنَّ جحيم المَوتِ يحدِّق بهم إنْ خرجوا؟

ألم تعلمي أنَّ قلب القنَّاص أعمى

وأنَّ رصَاصَاته تخترقُ الأجسَادَ الطَّرية

ألم تعلمي أنكِ ستكونينَ اليومَ من حصَّته؟

أديل يا طفلتي الجميلة، يا صَغيرتي

أيا ليتكِ مرضتِ في ذلك اليوم وبقيتِ في البيت!

أيا ليتكِ خيَّبتِ ظنَّ القنَّاص وشَهوة رصَاصَاته.

أيا ليتكِ…

وداعاً يا صَغيرتي

وداعاً يا طفلتي الجميلة

وداعاً…

أسمعُ الآنَ هَديلكِ العَذب

يأتي من قلبِ الجنَّة،

فأشعرُ بالمُواسَاة والإطمئنان…

() الطفلة آديل زعتري، أستشهدت برصاص القناصة أثناء عودتها من الإحتفال بعيد الصليب في حرستا.

[ يسألني سيان

بكُرديةٍ مشوبةٍ بالحزنِ

يسألني سيان:

“Baba, çima li Sûriyê zarokan dikujin?”

“بابا، لماذا يقتلون الأطفال في سوريا؟”

لأنَّ…..

يَختنقُ صَوتي

ولا أستطيعُ أنْ أحبسَ دمُوعي

أخَبئ وجهي عنه

أهربُ إلى الغرفة المُجَاورة

وأبكي بصَمتٍ كالأمَّهات.

[كنتُ جنيناً ولم يكنْ لي اسمٌ!

كنتُ جنيناً ولم يكنْ لي اسمٌ بَعد

أسقطتِ الطائرة قذيفة كبيرة على بيتنا

شقَّت بَطنَ أمي إلى نُصفَين

كنتُ سعيداً لأنَّني خرجتُ باكراً

من عتمة الرَّحم إلى نُورِ الحياة!

لكنني كنتُ صَغيراً جدَّاً

ورقيقاً كالفَرَاشَات

لم يَتَحَمَّل جَسَدي النُّور السَّاطع

وبعضُ الشَّظايا التي استقرَّت فيه،

ففارقتُ الحَياة فوراً

دُفنتُ مع أمي

وبقيتُ بلا اسمٍ إلى الأبد

لكنْ ما سيحيِّرني حقَّاً

بأيِّ اسمٍ سيناديني الله؟

وإنْ نَادَني بإسمٍ ما

كيفَ لي أنْ أعرفَ أنَّه اسمي

وأنَّه يَقصُدني أنا بالذَّات؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى