قصائد/ رشا عمران
-1-
“الحب ليس سوى وباء”
تقول آن سكستون
وهي تودع العالم قبل انتحارها
أما أنا التي لا طاقة لي على الموت
فأريد أن أضع الحب في الآنية
وأبدل له الماء كل خمسة أيام
وأراقب ظلّه الممتد على الحائط في الظلام
أريد أن أعلّقه على حبل الغسيل
كي تقف عليه العصافير مطمئنة
أريد أن أزرعه شجرة في غرفة النوم
شجرة عالية
فإذا ما شعرت باليأس
ربطت عنقي بمنديل حريري
وعلّقته على أعلى غصن في الشجرة
وتركته هناك
هكذا أبقي رأسي حيًا
بينما جسدي المنتحر
يستلقي على سرير فارغ
في غرفة نوم
عادة ما تتوارثها النساء الوحيدات.
-2-
لم ينتبه جيدًا
أن الفارق في العمر ليس في السنوات عينها
ولا في ثنية الجفن أعلى العيون الحزينة
ولا في ارتعاشة الأصابع وهي تمسك كأس النبيذ الرابع
ولا في أثر السجائر على الصوت الخافت
لم ينتبه
أن فارق العمر يكمن تمامًا في الملابس السوداء
الملابس التي تحفظ سيرة الموت
وترددها وهي تنتقل من القامة إلى الكرسي القريب
أما ما يستلقي على السرير فليس أكثر من جسد محنط
محشو بالتعاويذ
وممتن للفراغ المحيط
الذي يمنع عنه
خيبة الأمل.
-3-
ثم
كنت أسترجع الروائح التي أسرتني ذات يوم وأضعها على جسدي دفعة واحدة،
فإذا مررت فجأة في مكان مزدحم، انتبهوا جميعا ودلوا علي:
الآن تعبر امرأة لا يربطها بالرجال الذين عرفتهم في حياتها سوى عبق رائحة، رائحة عطر عتيق مستخلص من أصابعها القصيرة، أصابعها التي كتبت ذات يوم عن علاقات حب فاشلة مع رجال عرفتهم في حياتها، حياتها التي تمضي كفيلم تسجيلي عن إمرأة،
امرأة تبحث عن بقايا أصابعها …..
بلا جدوى
-4-
الرجال المحيطون بي لا يعرفون عني شيئًا.
البعيدون، ينتبهون إلى قوة عينيّ، أنتبه أنا أيضًا إلى نظراتهم ثم أتركهم يظنون أنهم سيرافقونني ما إن أخرج من الباب.
والقريبون، يظنون أن ألقي يسيل على الطاولة، وأنني أعيده إلى كأس النبيذ وأشربه دفعة واحدة، ثم أختفي كضوء شمعة أمام نافذة مفتوحة .
بينما الحقيقة أنني فقط مشغولة بخيوط العنكبوت بين يدي
الخيوط التي أسحبها من جسدي الكهل
الخيوط الواهية
التي أحيك منها قميصًا أبيض
ثم أسحبها من جديد
وأعيد حياكتها
وهكذا …
أنأ.. أدرك جيدًا أنني لا أنتظر أحدًا
وأن ما أفعله هو مجرد مراوغة كي لا أفقد إحساسي بالوقت
هذا هو تمامًا ما فعلته سابقًا النساء الشبيهات بي
النساء القليلات الشبيهات بي
اللواتي لم يردن قطع خيوط الوقت
في حياتهن الذابلة.
-5-
أعي تمامًا
أن الحب ليس نصف كأس نبيذ
ولا هو خطوة متعثرة في رقصة ما
ولا قبلة سريعة بعيدة عن أعين الزوجات
ولا هروب من أثر الموت على الحواس المنتبهة
أعي تمامًا
أن الحب للمرأة الوحيدة
هو نبتة خضراء
موضوعة بعناية في الزاوية اليسرى لغرفة الجلوس
حيث ذلك الخيط اللطيف لأشعة الشمس
يلامسها كل صباح
ومع ذلك تصفر وريقاتها السفلية
وتسقط من دون أي تعويض في أعلاها
أعي تمامًا
أن الحب للمرأة الوحيدة
هو تلك اللامبالاة
التي تجعل الحواس المحدقة بالموت
ترتجف كلّما مسّها خيط لطيف لأشعة الشمس
ترتجف و ترتعب
من دون أن تترك للهاوية المسماة قلبًا
أية فرصة
كي يردمها أحد.
-6-
النساء الوحيدات يستأنفن حياتهن:
يحضرن الزهور إلى بيوتهن
ويزين مطابخهن بفاكهة ستذبل بعد حين
ويبدلن عطورهن، كي لا تعلق رائحة واحدة على قمصان عشاقهن.
يستمعن بشغف المراهقات إلى أم كلثوم
ويقرأن عن حياة الشاعرات المنتحرات، ثم يبتسمن أنهن ما زلن على قيد الحياة.
لكنهن
حين يعم الظلام
يبتكرن نوعًا جديدًا من الحياة
كأن: ينقلن الزهور إلى غرف النوم
ويدلقن زجاجات العطور على الأسرّة
ويزرعن الفاكهة على الوسائد.
في الصباح سيخيل إليهن
أن حدائق نبتت في غرفهن
وأن شمسًا ما تخترق الستائر القاتمة
وأن الموت ليس سوى لعبة يلعب بها الداخلون إلى الحدائق
وأن أسنانه الناصعة
ما هي إلا منحوتة بديعة
اشترينها ذات يوم
وتركنها قرب أبواب حدائقهن
المتخيلة
العربي الجديد