قصائد عن تشرُّد الدّم/ يانيس ستيغاس
من “تشرُّد الدّم”
(IV)
وإذ بلغتُ الكيلو متر الرابعَ من الصمتِ
رميتُ للربّ والشمس بحِمْليَ من المسامير.
منذ ذلك الحين وأنا أهيم متأبّطاً الـ”الصِّفْرَ” الكبير
تحت ذراعي.
في البداية، كان دثارَ نومٍ عادياً
ـــ تعْرفُ، تندسُّ فيه، ما يعني أنك ستبدأ أحلامك.
والآن هو بمثابة مدرسة داخلية ضخمة
لسريعيِ الاهتياجِ من الناحية السايكولوجية.
مُذ حدثَ كلُّ ما حدث مع الـ”الصِّفر”
يمكنك تخيّل ما قد يحدث مع الـ”واحد”.
(III)
ينفدُ صبري
وأنا أنتظر أن يصبح القطبُ الجنوبيّ
وباءً يصيب البصيرة.
لعلَّ خبزَ أعماق الأرض يُقتَسَمُ أخيراً
بما يتّفقُ وإيمان المرء بالمعجزة.
المعجزة، أن تكون قادراً على الضحك
فيما تُمسكُ بسأمِك،
وببجعةٍ سوداء،
بين ذراعيك.
المعجزة، ببساطة، في أن تضحَك.
(XI)
كلُّ وحوشِ
رأسي تنتظم رتلاً واحداً
في النسق الأعلى
يستجيب الفمُ
بسماءٍ خادعة.
أيستجيب؟ ذلك الشواش العتيق؟
إنْ قوّضتَ دعائمَه
ستتساقط كلماتٌ ومفرداتٌ متفحِّمة
سيسقط
الملاكُ الأعمى
(XXIX)
سأمنحك
كلَّ تجهيزاتِ النَّفَسِ –
لقاءَ مادّةٍ مضحكة
لعلّكَ تُدركُ الطيورَ كما ينبغي
وتعدُّ الغرائزَ
نهراً إِثْرَ نهر
سيعود الزمن إلى بساطته من جديد
بسرواله القصير
وبي أنا، متشبِّثاً بالغابة،
أطوي جناحي على جَزَعي
هو: الفحشُ العميم
(XLVIII)
أعلم أنني لم أحرّض أية وحشية
من الصنف الذي تهوونه
أنا فقط كشّرتُ عن أسناني
في وجه الدُّوار الذي ابتُليَتْ به الفراشات
أحدثتُ خُروقاً في القدَر
وكوّرتُ حزنيَ كقطعة قماش.
لا تتقنُ الذاكرة كيفية استعمال
المقَصّ
لكن الزمن لن ينزف مرة أخرى
ما يفسّر إعراضيَ عن نحتِ الحلم –
أقبَلُه كغصن شَرِهٍ في حنجرتي يسحب مائيَ على هواه
أيّ وغدٍ بشّرني بالقمر
فأصبحتُ البوابةَ التي تنفتح على المجزرة؟
أن تحاربَ عناصرَك الأساسية بالشعر
– ذلك ما يعنيه الخراب!
وإذ تختلطُ على البصر جذورُه
أرى العالمَ مِظلّةً كسيحةً
وإنِ انفتحتْ
تذهبْ إلى الجحيم
ليس للضوءِ أن يُجابَه من دون قفازات
كيف لي أن أختم حديثي
الآن وهو يتبرعمُ عشباً من أعضاء تناسلية؟
رويداً رويداً، نُحاكي الحجارةَ
الخاتمةُ بيّنةٌ بطبيعة الحال:
أنت
وأنا
ونقاء
الوردة ……… فأس على مؤخرة العنق.
■ ■ ■
الرجل اللامرئيّ
أو
التخطيط لثورة
أولاً، إنه ليس فرداً واحداً وحسب
إنما الكثير من البشر
الذين كانوا يومضون لسنوات كأضواء المؤشّر على أملِ أن تقع عليهم
عينا شخص مسيحي
أو على أقلّ تقدير، قمةُ رافعةٍ
لورشةٍ على جانب الطريق.
إلى أن جاء ليلٌ – فرقعةٌ –
يشتعل فيه الفتيل
وهكذا، وقد انقلب الأمر، يجدُهم
صائدُ الكلاب الضالّةِ أخيراً في الظلام
ويعمِّدهم في البرد.
لذلك فإن الشعار بموجب هذه الوثيقة
قد خُصّص كخزانة
لهم لكي يخلعوا
أحذيتهم
وجواربهم، وأيام الاثنين من حياتهم،
وستراتهم،
وثلاثاءاتهم، وساعات معاصمهم، وقبعاتهم،
وسراويلهم التحتية، ونظاراتهم الشمسية ومعتقدهم
كي تجفّ
ويتعيّن على الكلّ الاندفاع عراةً كما ولدتهم أمهاتهم
ومن حقهم المشروع
البتّ
في الأمر-
إنها المرة الأولى
التي أرى فيها الأفق
يُنهَبُ
(برضاه التام)
من أعلاه إلى أسفله
وفي غضون دقائق
ستكون أثينا التالية.
وعلى من يمتلك الجرأة
أن يذهب ليلمّ شملَ الجمع.
* ΓΙΑΝΝΗΣ ΣΤΙΓΚΑΣ شاعر يوناني من مواليد أثينا عام 1977. أصدر خمس مجموعات شعرية، من بينها: “تشرّد الدم”، 2004، “ستعود الرؤيا من جديد”، (2006)، “جرح طفيف” (2009)، كما ظهرت قصائده على صفحات العديد من المجلات وكتب المختارات، وترجمت إلى الألمانية والفرنسية والسويدية والإنكليزية، ونُشرت مجموعته الأولى “تشرُّد الدم” بالفرنسية عام 2012 تحت عنوان “Vagabondages du sang”. درس الطبّ ويعمل طبيباً.
** ترجمة: أحمد م. أحمد
العربي الجديد