قصة “بابا عمرو”
كمال وهبي
فيما كنت احقق مخطوطاً يمنياً عن الأحلام والرؤيا يعود الى القرن التاسع الهجري، مر أمامي اسم احد الاعلام، عمرو بن معدي كرب (أو يكرب)، الذي حمل لقب فارس العرب، وكانت كنيته “ابا ثور” وعاش في زبيد (21 هـ، 642م). وزبيد حاضرة من حواضر اليمن السعيد منها “خرج الفرسان للجهاد والفتح”، وكانت معقلا للعلم والعلماء، ومنها خرج في ما بعد كتاب “تاج العروس من جواهر القاموس” لمؤلفه السيد المرتضى الزبيدي، والذي يعد إسهاماً عظيماً في المعجم العربي، وهو شرح لمعجم القاموس للفيروز آبادي الذي عاش في زبيد ايضا لبعض الوقت. ومن زبيد خرجت معظم المعاجم اللغوية، ومنها معجم الصحاح، والزبيدي اصدر ما يزيد على مئة كتاب.
وعمرو بن معدي يكرب، فارس اليمن وصاحب الغارات المشهورة وفد على النبي محمد(ص) سنة 9 هجرية، في جماعة من أصحابه وأسلم وأسلموا.
ولما توفي النبي(ص) ارتد عمرو في اليمن ثم رجع الى الاسلام، فبعثه الخليفة ابو بكر الصديق(رض) الى الشام، فشهد اليرموك، وعندما طلب سعد بن ابي وقاص مددا من امير المؤمنين ليستعين به على حرب الفرس، ارسل اليه عمر رجلين فقط: هما عمرو بن معدي يكرب وطليحة بن خويلد، و قال له إني مددتك بألفي رجل! واشترك عمرو في معركة نهاوند ضد الفرس ايضاً، وكان طويل القامة قوي البنية، وكان له سيف اسمه (الصمصامة) ويقال ان السيف المذكور ما زال في حمص. والمصمم من السيوف هو الذي يمر في العظام، وقد صمّم وصمصم، والصمامة هي السيف القاطع.
وبعد معركة النهاوند كثرت جراحه وظفر بالشهادة ودفن في حي من احياء حمص له بابان مطلان على المدينة فسمي الحي باسمه (بابا عمرو).
ثم صارت من بعده شجاعة هذا الحي مضرب الامثال. له شعر جيد في ديوان مطبوع ومن اشهر قصائده تلك التي يقول فيها:
اذا لم تستطع شيئا فدعه
وجاوزه الى ما تستطيع
وكان يعني في هذا البيت عجزه عن انقاذ اخته التي تعرضت للسبي وقصتها مشهورة.
وكان له قصائد شعرية وجدانية أذكر منها بعض الأبيات:
ليس الجمال بمنذر
فاعلم وان رديت بردا
ان الجمال معادن
ومناقب اورثن مجدا
وبدت لميس وكأنها
قمر السماء اذا تبدى
وبدت محاسنها التي
تخفي مكان الامر جدا
قيل إنه استشهد يوم القادسية (المراجع اليمنية) وفي الحقيقة، لقد شهد صفّين وقد تجاوز المئة من عمره.
ولهاشم الطعان كتاب عن الشاعر والفارس عمرو بن معدي يكرب الزبيدي اليماني، ولا عجب إنه إبن اليمن (إبن المبتدأ والخبر) قال فيه الرسول الأعظم(ص) “الايمان يماني والحكمة يمانية”.
هذه قصة تسمية باب عمرو في حمص الجريحة الصامدة، وكأن المستبد أراد بإسم العروبة والممانعة تدمير الحي التاريخي الذي يحكي سيرة فرسان الأمة ومجاهديها أثناء الفتح الإسلامي، مع العلم أن البعث يعني العودة الى الماضي وربط الماضي بالحاضر، هكذا رأى مفكرو هذا الحزب من المؤسسين الأوائل (من ميشال عفلق الى البيطار الى الأرسوزي الى شبلي العيسمي الى سليمان القيس الخ…). البعث هو اللاوعي الجمعي للأمة، لهذا الخزان التاريخي من النضالات والمواقف، وقد أرادو محو ذاكرة هذه الأمة، فهل هم بعثيون حقاً؟
عذراً يا فارس الباب، فالتاريخ لن يرحم من أراد قتلك مرة اخرى، بتدمير بابك ومحو سيرتك.
النهار