قصة نشوء الجيش الحر.
هيثم خوري.
يشكل نشوء الجيش الحر و تطوره ظاهرة مهمة في الثورة السورية يجب دراستها بعناية، ليس فقط لأنه العنصر الأكثر إشكالية فيها، بل أيضاً لأنه أصبح أبرز وجوهها، و على الأرجح فإنه سيكون واحد من العوامل التي ستقرر نجاحها، و ترسم مصير سوريا.
كان نشوء الجيش الحر تطوراً طبيعياً و مفهوماً من الناحية العلمية التاريخية في مسيرة الثورة السورية، إذ تتسم الثورات الشعبية إجمالاً بالفوضى و العنف و لكن تختلف عن بعضها البعض في درجة هذه الفوضى و العنف. و الحق، إن درجة العنف هذه تتعلق بعدة عوامل و لكن أهمها على الإطلاق هو عنف السلطة. هكذا فالثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا عام 1989 و التي دامت ستة أسابيع و مارست فيها السلطة عنفاً محدوداً (إستخدام هروات فقط) أدت إلى وفاة متظاهر و احد فقط، بينما الإنتفاضة المصرية التي دامت ثلاثة أسابيع وتميزت بوحشية رجال الشرطة -حيث إستخدموا في بعض الأحيان الرصاص الحي- فإنها إنتهت بمقتل 846 شخصاً من المدنيين و أيضاً 26 شخصاً من الشرطة. أما الثورة الأمريكية و التي إبتدأت كثورة سلمية و لكن حكومة صاحب الجلالة إستخدمت الجيش لقمعها إنتهت على شكل حرب أهلية دامت ثماني سنوات مات خلالها 25000 إنسان. لهذا يتساءل بعض الباحثين إذا كان هناك حقاً ثورة لاعنفية بالمعنى المطلق، و الإجابة لا، و إنما درجة العنف المستخدم هي التي تحدد فيما إذا كان يصح أن نطلق عليها عنفية أو لا عنفية.
لاشك أن الثورة السورية الحالية تشبه الثورة الأمريكية على نحو ما، فقد ابتدأت تمرداً محدوداً في درعا، ثم تحولت إلى ثورة لما أنكر النظام مشروعية مطالب الشعب و رد عليها بالوعيد و التهديد، فارتفع سقف مطالب الشعب إلى إسقاط النظام، و إتسعت رقعة الإحتجاج، عندئذ تحولت الإنتفاضة إلى ثورة شعبية.
في العاشر من حزيران عام 2011، و أثناء حصار جسر الشغور، انشق العقيد حسين هرموش مع 150 جندي من جنوده أثناء حصار جسر الشغور، و فروا إلى تركيا، وشكل ما أسماه لواء الضباط الأحرار. و في التصريح الذي أعلن فيه انشقاقه، صرح أن غايتهم ستكون حماية المتظاهرين السلميين، و توجه إلى من وصفهم بالمضللين من قبل النظام قائلاً: “إن الشعب السوري سيغفر لكم، و لكن إذا لم تنضموا إلينا، فإنكم و طاغيتكم بشار ستحاكمون محاكمات عادلة.
في ٢٩ تموز ٢٠١١ و بعد فراره إلى تركيا شكل العقيد رياض الأسعد ما أسماه بالجيش السوري الحر مع ستة من الضباط المنشقين الذين فروا معه، و أربعة من الذين بقوا في الداخل حسب ما ادعى. و أوضح أن دواعي تشكيل هذا الجيش نبعت من واجبهم الوطني ووفائهم للشعب لحمايته ووقف من النظام السوري القاتل، ثم أردف أنهم سيعملون سوية مع الشعب لتحقيق الحرية و الكرامة و اسقاط النظام، و ليحموا الثورة و موارد البلد.
أما في الداخل السوري فقد تشكلت أول كتيبة من كتائب الجيش الحر في الرستن. تشكلت هذه الكتيبة من منشقين عن الجيش إنضم إليهم العديد من المدنيين من أبناء المدينة، و الجدير بالذكر أن هؤلاء المنشقين هم من أبناء مدينة الرستن عينها و أغلبهم عاين حوادث درعا و بناء عليه قرروا الإنشقاق، فجلسوا مختبئين في مدينتهم، و لكن عندما اشتدت إعتداءات الشبيحة و أجهزة الأمن على أهلهم، أخذوا بالدفاع عنهم، و عندما أتى الجيش ليحاصر مدينتهم، حاربوه، و في هذ الأثناء انضم لهم عدد من المدنيين فشكلوا ما يسمى كتيبة خالد بن الوليد.
في هذه الأثناء أخذ عدد المنشقين يتزايد في مختلف المدن، و أخذت دعوات التسليح لمواجهة الآلة القمعية للنظام تظهر من قبل بعض أطراف المعارضة -كمحمد رحال و لؤي الزعبي- ثم بدأت تنتشر دعوات التسليح على صفحات الفيسبوك، حتى صفحات التنسيقيات الإفتراضية -كتنسيقية القصاع و باب توما- لم تخلو من هذه الدعوات. هكذا تكاثر عدد الشبان الراغبين بحمل السلاح، و لما كان أغلب هؤلاء ليس لهم خبرات عسكرية ذات دلالة و لا يمتلكون الأسلحة التفوا حول المنشقين و هكذا بدأت تتشكل وحدات مسلحة في الداخل، أطلق أغلبها على نفسه اسم الجيش السوري الحر، مع أن اللبنات الأولى التي شكلت ما يسمى بالجيش الحر كانت من الضباط المنشقين، فإن هؤلاء يشكلون الآن قلة قليلة منه. فأغلب أعضائه الآن هم من المدنيين، الذين انضموا له لاحقاً. و يشكل هؤلاء الأخيرون تقريباً 80%-90% من عناصر الجيش الحر. و الحال إن هؤلاء المدنيين هم من الأبناء المحليين للمناطق المتواجدين فيها ، و هم من طبقات مختلفة في المجتمع، فبعضهم أطباء و مهندسين و بعضهم طلاب جامعات و آخرون من مهن مختلفة أخرى، و هم مقتنعون كلياً بالسبب الذي من أجله حملوا السلاح و هو حماية أهلهم من الأمن و الشبيحة من التفتيش و الإعتقال التعسفيين، و أيضاً حماية المظاهرات السلمية. هذا لا يعني أن بعضهم لا يتصرف بتصرفات غير مسؤولة أو طائشة.
هكذا تكاثرت وحدات الجيش الحر إلى أكثر من أربعين وحدة ، ذات مرجعيات سياسية و فكرية متنوعة، و غالبيتها ليس له ارتباط ببعضها البعض، إذ ليس لها هيكلية تنظيمية واحدة و لا تراتبية واحدة. و بالرغم من تفتتها، فإنها ستكون عاملاً مهماً في حسم المعركة مع النظام ،مع أن هذا التفتت سيشكل صعوبة جدية أمام تشكيلها لجيش وطني واحد في المستقبل.
طبعاً هذا التطور كان طبيعياً و مفهوماً من الناحية العلمية التاريخية، و ذلك للأسباب التالية:
• عنف النظام المفرط.
• إستخدام النظام لعصابات الشبيحة.
• تسليح النظام للمدنيين الموالين له.
• غياب المناطق الآمنة التي يمكن أن يلجأ لها المنشقون.
• غياب القيادة السياسية الموجهة للثورة.
• غياب الحل السياسي للأزمة السورية، بما فيها عجز المجتمع الدولي عن تبني سياسة واضحة تجاه القضية السورية.
إذاً لم يكن نشوء الجيش الحر إلا ظاهرة طبيعية في تطور الثورة السورية، تفاعل في صيرورته و تشكله مع العوامل آنفة الذكر. و على الرغم من تفتت وحداته، فإنه سيكون عاملاً مهماً في حسم المعركة مع النظام ،مع أن هذا التفتت سيشكل صعوبة جدية أمام تشكيله لجيش وطني واحد في المستقبل.
خاص بموقع صفحات سورية.