صفحات الناس

قصص سوريين منشقين مرتين… عن النظام ثم عن الجيش الحر/ سمر مهنا

حلب ـ ‘القدس العربي’ هم الآن يعملون في ورشات للنجارة وبائعين في متاجر بعيدا عن حرب انخرطوا سابقا مع طرفيها، بداية كجنود في جيش النظام السوري حيث ‘ذاقوا الويلات ولم يكن بمقدورهم رفع السلاح على أشقائهم’.. ومن ثم مع فصائل معارضة ‘لم تكن بمستوى توقعاتهم’.

وصل هؤلاء الجنود المنشقون مرتين إلى تركيا قبل نحو عام، بعد أن خلعوا عنهم هويتهم العسكرية ليبدأوا حياتهم من جديد وهمهم الوحيد الآن إطعام عائلاتهم.

قصة انشقاق

لم يكن محمود من محافظة إدلب قد أتم الـ 27 عاما عندما قرر الفرار من كتيبته التابعة لجيش النظام عام 2012، حيث بدأت قصته، عندما اكتشفت الكتيبة مكالمة يحاول فيها أحد الجنود التنسيق مع شخص ما للقيام بعملية انشقاق.

اتُهم محمود من قبل أحد الجنود من الطائفة العلوية ‘ظلما’ أن الصوت المسجل هو صوته، فقام أحد الضباط بتعذيبه مدة أسبوعين ‘ذاق فيهم الويل’، إلا أن محمود طلب من هذا الضابط أن يسمح له بالإتصال مع نفس الشخص ‘ليسأله إن كان يعرفه’ وهنا تمت تبرأته والإعتذار منه، حيث لم يتعرف هذا الشخص على صوته.

يقول محمود، في هذه الفترة كانت نسبة الإنشقاقات كبيرة، لذا تم التضييق علينا ‘أي الجنود من الطائفة السنية’، ولم يكن يسمح لنا بالإجازات أو الإتصال بأهلنا، وهذا ما دفعني للإنشقاق.

وفي هذه المرة تواصل محمود فعلا مع شخص ليقوم بعملية الإنشقاق، حيث يروي أنه في إحدى الأيام عندما كان دوره في الحراسة الليلية اتفق مع أحد أصدقائه بإلهاء القناص، ومن حسن حظه أن التيار الكهربائي في هذه الليلة انقطع لينضم له 8 آخرون قرروا الإنشقاق أيضا.

جلسنا في مغارة

كانت الخطة أن الشخص الذي نسقوا معه، سيلتقي بهم على بعد 3 كم عن الكتيبة، والإشارة هي أن يشعل ضوء سيارته ويطفؤه مرتين، وهذا لم يحدث، حيث ركضوا المسافة ليلا ولم يجدوا أحدا، كما أنهم تفاجؤوا بحاجز لجيش النظام تبادلوا معه إطلاق النار وهربوا من طريق آخر، لينتهي بهم الأمر في مغارة على جانب طريق للسيارات.

يقول محمود ‘عند طلوع الفجر شعرنا بعطش شديد بسبب الجو الحار، حيث لم نكن شربنا أو أكلنا شيئا ليوم كامل، لذا قررت أن أسأل السيارت المارة عن الماء وطلبت من أصدقائي أن يطلقوا النار علي في حال كانت إحدى السيارات المارة لجيش النظام وتعرضت لي’.

وهنا كانت المفاجأة، سأل محمود سائق ‘تكسي’ عن الماء، ولم يكن بحوزته، وعندما طلب منه أن يوصله إلى مكان ما ليحضر الماء رفض، أما السيارة الثانية وكانت سوداء عندما طلب من سائقها الماء، دفعه بقوة على الأرض وخرج منها مصوبا نحوه سلاحه ليقول له ‘نحن من الجيش الحر’ متهما إياه بالعمالة لوجوده مع جيش النظام.

شرح له محمود أنه منشق هو وأصدقاؤه الموجودون في المغارة، واستغرق الأمر وقتا ليصدق صاحب السيارة كلامه، حيث طلب منهم الخروج دون أسلحتهم وتسليم أنفسهم، ومن ثم أخذوهم هم والسلاح إلى كتيبتهم ‘معظم أفرادها من حمص’، حققوا معهم وطلبوا منهم الإنضمام للكتيبة.

سرقة وتجاوزات

بقي محمود مع هذه الكتيبة مدة 4 أشهر، حيث نفذ برفقتهم معركتين، ساعدهم فيها عناصر من جبهة النصرة الذين كانوا يقومون بالإقتحام فيما كان عناصر الجيش الحر في الخلف، يوضح ‘كنت سعيدا خلال هذه الفترة’.لكن أكثر ما أثار استغراب محمود هو ما رآه خلال وجوده مع ذات الكتيبة بعد رحيلهم إلى إدلب، من سرقات للمازوت من أنابيب تمتلكها الدولة، حيث كانوا يبيعونه، والتجاوزات التي قامت بها حواجز للجيش الحر بحق المدنيين.

يقول محمود ‘كان صديقي يأخذ من سيارات المدنيين أموالا مقابل مرورها في المنطقة، حيث أخبرني أن يوميته لا تقل عن 20 ألف ليرة’.

قرر محمود حينها الرحيل إلى أنطاكيا في تركيا حيث يعمل الآن في النجارة ليعيل أهله’، ويبين أنه ‘حتى الآن يقف إلى جانب الجيش الحر، لكنه يكره السارقين والمنتفعين’.

قصة جديدة مع إجازة طويلة لسامر

قصة سامر 26 عاما، من إدلب، كانت مختلفة عن قصة محمود، حيث أنه لم يحتج إلى كل هذه العملية ليقوم بالإنشقاق، بل كل ما احتاجه إجازة من الضابط الذي يرأسه، لم يعد بعدها.

عمل سامر خلال خدمته العسكرية التي استمرت عاما ونصف، كسائق لدى ‘معلمه’ أي الضابط، وكان حينها يسمع العديد من قصص اختطاف سائقي الضباط وقتلهم من قبل الجيش الحر، ما أثار خوفه.

وفي هذه الفترة اتصلت به أمه وطلبت منه المجيء، وفهم من صوتها أنها تريد منه زيارتهم دون الرجوع إلى العسكرية، لذا طلب إجازة من الضابط بحجة أنه يريد أن يتزوج، لكنه عاد إلى القطعة العسكرية بعد 4 أيام ‘ليوهم الضابط بأنه ملتزم’، ومن ثم طلب إجازة أخرى لكنه لم يعد إلى الكتيبة بعدها.

رجل بحزام ناسف

ذهب سامر إلى منزل شقيقته في إدلب قبل أن يذهب إلى منزل والديه، حيث كان يفصل بين المنزلين حواجز لجيش النظام، لذا كان يحتاج إلى شخص يأخذه من طريق آخر، وكان هذا الشخص قائد كتيبة للجيش الحر في المنطقة، اتصل به زوج شقيقته وطلب منه إيصاله.

يروي سامر، أن قائد الكتيبة كان يلبس حزاما ناسفا حول خصره، وعندما سأله عن السبب قاله له إنه ‘في حال تعرض له جيش النظام سيفجر نفسه’، وقال له سامر متسائلا ‘وأنا !! ماذا سيحصل لي’ لكنه لم يجب.

يوضح سامر أن الرجل كان عصبيا جدا وخلال الطريق كان يتحدث عن الدين وأهمية الصلاة، لكنه في إحدى المكالمات، كان هناك مشكلة وعندما شعر بالغضب بدأ ‘يكَفر’ ونسي كل حديثه عن الدين. يتابع ‘عندما وصلنا إلى المنزل قابل الرجل أبي وأعطاه رقم هاتفه، وقال له إذا ترك ابنك الصلاة أخبرني’.

قرر سامر بعدها السفر إلى أنطاكيا إستأجر بيتا هناك لعائلته، وعمل في إحدى المتاجر الكبيرة في إدارة المواد الغذائية داخل القبو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى